أصبحت الجريدة الحديثة مشروعاً تجارياً يدر أرباحاً وفيرة إذا صادفه حسن الإدارة والتوفيق، ولذلك يجتذب رأس المال وتتجلى فيه الظواهر الاقتصادية التي تتمثل في المشاريع التجارية والصناعية وأهمها ظاهرة التركيز بقصد الحد من المنافسة وتقليل تكاليف الإنتاج.
من هذا المنطلق جاء اندماج جريدة مع أخرى، وتملك مؤسسة واحدة لعدد من الجرائد في نفس الجهة أو في جهات أو دول مختلفة، والجمع بين ملكية جريدة أو أكثر وبين وكالة أنباء أو دور للنشر أو مطبعة أو مصنع ورق، لهذا أثره من خلال قوة الجريدة كأداة فعالة للتأثير في الرأي العام يسيطر عليها من يسيطر على المشروع التجاري الذي تعتبر الجريدة وحدة فيه.
ولم تجتذب الصحافة وحدها رأس المال على النحو المتقدم بل اجتذبه أيضاً عمليات الطباعة والنشر ولذلك خضع الكتّاب بصفة عامة لمطاليب رأس المال الموظف في الطباعة والنشر الذي يهمه أولاً، سعة انتشار الكتاب بين أكبر عدد ممكن من الناس، وإذا كان قد طرأ على وسائل الفكر تطور أساسي بتقدم التقنيات الحديثة وانتشار الإذاعة اللاسلكية ومحطات الإذاعة ووسائل الاتصال الحديثة، فإذا كانت الإذاعات تابعة للحكومات تكون حرية الصحافة محدودة بالنسبة للحكومة، وإذا كانت تابعة لأفراد يتوقف ذلك على حجم التمويل الذي تتلقاه.
هذا الأمر زاد من تعقيد هذه الوسائل وكان له أثر كبير في تكوين الآراء والجماعات والأحزاب، وأصبح من العسير على أي جهة التأثير في الرأي العام بوسيلة من وسائل التعبير عن الفكر أو حرية الصحافة بصورة منتظمة ومستمرة إلا من خلال در الأموال الكثيرة والقدرة الهائلة واللازمة للتحكم بوسائل الإعلام والاتصال التي أصبحت في عصرنا هائلة، حيث أدركت الأمم والشعوب أهميتها، لكن يخرج للعلن سؤال مهم جداً، هل صحيح أن عصر المعلومات الذي نعيشه هو عصر الحرية؟
إن حرية الصحافة والإعلام والتعبير احتكرت وحصرت بالقادرين عليها، كما هو الشأن في الثروات والأسلحة وأصبح الإعلام بتعدد وسائله سلطة رقابة عامة من جهة، وأداة لتشكيل وصناعة الرأي العام وقوة سياسية يخشاها الساسة والعامة وتفرض على الناس طريقة عيش وتفكير ونمط حياة وتوجه لا علاقة فيه لحرية الرأي أو الفكر، وشهدنا في العقد الأخير كيف لعب الإعلام دوراً في إسقاط الأنظمة عبر ما يسمى بالربيع العربي وضخ الأكاذيب على كثير من القنوات التي تم تجنيدها لصالح تنفيذ أجندات خارجية أثرت في قرار الشعوب تجاه أنظمتها، بصرف النظر إن كنا نتفق أو نختلف مع الأنظمة التي سقطت.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.