تُعد زيارة رئيس الوزراء العراقي السوداني إلى دمشق الأولى منذ العام 2010، ولا شك بأنّها زيارة عميقة بعمق التاريخ المشترك بين البلدين هذا التاريخ الذي وسم الشعب السوري والعراقي بسمات مشتركة انعكست بمبادئ ومصالح مشتركة، تجلت بشكل واضح مع وقوف الشعب السوري مع العراق خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وكذلك وقوف الشعب العراق مع سورية خلال الغزو الإرهابي والعدوان على سورية منذ العام 2011 فكان العراق صوت سورية في كل المحافل والمنابر الدولية كما كانت سورية صوت العراق في كل المحافل والمنابر الدولية رفضاً للعدوان على كلا البلدين.
كما اختلطت الدماء وامتزجت في أرض البلدين لتثبت وحدة الجغرافيا والتاريخ والمستقبل كما توحدت الساحات والجبهات ليس في هذه الحرب الإرهابية وحسب، فلا ننسى أنّ الجيش العراقي استبسل في مؤازرة نظيره السوري في مواجهة العدو الصهيوني في حرب تشرين عام 1973 أيضاً.
وتأتي هذه الزيارة في توقيت عربي ضبط على ساعة دمشق وتوافد وفود الحجيج إلى أبوابها السبعة بعد عقدً ونيف من التخلي العربي عن سيفهم وترسهم وقلب عروبتهم النابض بالإنتماء العربي والذي تعمّد بالدماء لتبقى سورية العروبة عصية عن الإنكسار..
كما حملت الزيارة عناوين عدة، تأسس لشراكة استراتيجية بين البلدين مع وجود إرادة كبيرة بينهما لترجمة تلك الشراكة إلى عمل مؤسساتي مشترك لما يمثلانه من ركيزة أساسية لأي نظام إقليمي جديد .
وكانت الإشارة مهمة من رئيس الوزراء العراقي حينما قال بأنّ “أي جيب خارج عن السيطرة ويأوي المجاميع الإرهابية والتخريبية هو بقعة مرشحة لتهديد العراق والمنطقة والعالم بأسره..”، فكيف الحال مع “جيب” تدعى “عين الأسد” تحت سيطرة العصابة الأميركية وبرضا وقبول الدولة العراقية، ووفق ما قاله السوداني فإنّه حكماً يشكل هذا “الجيب” خطراً على العراق وسورية لأنه خارج سيطرة العراق ويأوي من يدعم المجاميع الإرهابية والتخريبية. لذا لابدّ من رفع الصوت عالياً لخروج قوات الاحتلال الأميركي من “عين الأسد”. كما هو الصوت مرفوع سورياً لخروج القوات الأميركية نفسها من “التنف”.
وهنا لا نتمنى فقط أن يحذو العراق حذو سورية ويطالب برحيل القوات الأميركية في جميع المحافل الدولية وإن تتطلب الأمر فلتكن المقاومة هي من تدفعهم للرحيل أفقياً في حال رفضهم الرحيل “عامودياً”، بل نتمنى أيضاً أن يتجه العراق في التوجه السوري ويذهب نحو وضع الخطوة الأولى في القطب الشرقي، لا سيما وأن العراق وسورية يعانيان من إرهاب عصابات الكاوبوي الأميركية في عين الأسد والتنف. فهل سيتحدون لمواجهة الأميركي أم سيبقى العراق في موقفه “المتضعدع” تجاه الوجود الأميركي، لا سيما وأن الطائرات الأميركية التي تقصف في الأرض السورية لا نعرف إن كانت تخرج من التنف أو أنها خرجت من عين الأسد أصلاً !.
وسورية كقيادة وشعب وجيش مازالت تحارب الاحتلال الأميركي لأجزاء من أراضيها تأمل أن يقوم العراق (الذي يحتضن “القواعد الأميركية” وينسق مع الحكومة الأميركية التي صرّحت مراراً بأنها من أوجد “داعش” ودعمه كما جاء على لسان “هيلاري كلينتون”) بتوحيد جهوده مع الدولة السورية والجيش العربي السوري لمواجهة من يحتلون أرضها ويدعمون الأرهاب، لمن يقومون بسرقة النفط السوري ويسمحون بدخول الإرهابيين إلى سورية، ومن يسمحون لقادة “قسد” بالدخول ذهاباً إياباً إلى العراق في تنسيق عملياتهم مع “الأميركي” ضدّ الدولة السورية والشعب السوري والذي يسعى إلى “إدارة ذاتية” تتنافى مع وحدة سورية وبسيط سيادتها على كامل الأرض السورية وهذا ما أكد عليه القرار “2254” الذي يصر المجتمع الدولي على تطبيقه، ناهيك عن تأكيد القرار على ضرورة وضع دستور جديد للبلاد عبر الحوار السياسي واللجنة الدستورية التي تعمل حالياً على وضع هذا الدستور بأيدٍ سورية دون تدخل من الأطراف الخارجية، وليس كالدستور العراقي الحالي الذي وضعه الأميركي وتدخل في جميع مفاصل الحياة العراقية، وهذا ما يرفضه الكثير من المعارضين للنظام العراقي الحالي ويسعون إلى أن تكون التعديلات الدستورية السورية نموذجاً لدستور عراقي وطني بأيدي عراقية يحتكم إليه الجميع مستفيدين من التحولات الجيوسياسية العالمية وضعف نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وهو ما نتمنى أن تقوم به الدولة العراقية بانتفاضة على الاحتلال الأميركي واجتثاث قواعده من جذورها عبر مقاومة شعبية تؤازرها مساعي عراقية دولية ودبلوماسية تطالب باستقلال العراق التام وليس الجزئي الحالي فمجرد وجود قواعد أميركية يعني انتهاك للسيادة العراقية ونأمل بسيادة العراق على كامل أراضيه وكما قال السوداني فأي جيب خارج عن السيطرة.. هو بقعة مرشحة لتهديد العراق والمنطقة والعالم بأسره.
وفي العودة إلى الزيارة “المتأخرة” لاشك أنها كانت وفق ما تمّ تداوله من تسريبات بأنها تحمل “رسالة” تقول بـ”بناء أنبوب نفط بين العراق وبانياس” وهذا الأنبوب كان موجود سابقاً إنما توقف في العام 1982 ومع تحسن العلاقات السورية – العراقية عام 2001 أعيد الاتفاق على تفعيل هذا الخط لكن كان شرط أميركا على لسان “كولن باول” بأن “يتم تحت رقابة دولية”، وهو ما رفضته الدولة السورية حينها. ليعود الأميركي اليوم ويرسل برسالته إلى سورية عبر “ساعي البريد” بموافقته على مد هذا الأنبوب والإستفادة السورية منه مقابل تخفيف عقوبات قيصر بالإستفادة من “الكوميشن” لمروره عبر أراضيها إضافة إلى منح سورية دفع بملف “الأكراد الانفصاليين” عبر منح ضمانات لدخول سورية مناطق قسد وتسليمها المناطق التي تقع تحت سيطرة “قسد” بمعنى التخلي الأميركي الفعلي عن دعمه لحليفه “قوات قسد الديمقراطية” ولطالما تحدثنا ونبهنا المواطنين الأكراد السوريين بأنّ الأميركي يتلاعب بهم وبطموحاتهم الإنفصالية التي يغذيها كلما أراد أن يستحصل بعض المكاسب ويتخلى عن حلفائه طالما أنّ مصلحته تتطلب التخلي ولا ننسى أن نذكر هنا أن “قسد” و “طالبان” وجهان لعملة أميركية واحدة وكما تخلت عن الثانية ستتخلى عن الأولى.
ونأمل أن يصحى مواطنينا الأكراد في “قسد” من “أحلامهم” وينتهجوا نهج الحوار مع الدولة السورية وتسليم الآبار النفطية إلى الدولة السورية كما وإعادة المناطق الخاضعة إلى سيطرتهم لسيادة الدولة السورية والإلتحاق بقوات الجيش السوري فتكون مصلحة سورية العليا التي هي فوق كل مصلحة، عوضاً عن التلاعب بهم من قبل “الثعلب الأميركي الماكر” كما تلاعب مع مسعود البرازاني والذي أكد قبل فترة وجيزة على أن سياسيات أميركا وبرامجها في الشرق الأوسط “مقلقة للحلفاء” وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أقليم كوردستان.
أما بالنسبة لمخاطر أمن المياه العراقية السورية فإنّ تركيا تتجاوز القوانين والأعراف الدولية ولا تعترف بأنّ مياه نهري دجلة والفرات مياه دولية بل تصر على اعتبارها تركية وتسمح لنفسها بتطبيق قوانينها “الخاصة” المجحفة بحق الشعب السوري والعراقي ناسفة بعرض الحائط كل القوانين الدولية. فهي تمتلك حوالي ثمانمائة وواحد وستين سداً فيما يعتبر سد أتاتورك هو أكبر السدود الموجودة على نهر الفرات ويبلغ ارتفاعه مائة وأربعة وثمانين متر وطوله هو ألف وثمانمائة وعشرين متر. فيما عدد السدود على نهر الفرات ودجلة هو خمسمائة وتسعة وسبعين. وبالرغم من الأهداف التركية التي تعود بالفائدة على تركيا كتوليد الطاقة المائية والتحكم بالمياه لكنها بنيت على حساب سورية والعراق فهي تسببت بجفاف الأراضي التي يمر النهران بهما في الأراضي السورية والعراقية، إضافة إلى مخاطر انهيارها، ناهيك أنّ السدود التركية بلغت ذروتها الاستعابية وباتت بمخزونها من أكبر السدود في العالم حيث بلغ مخزونها الاستراتيجي أكثر من 651 مليار متر مكعب وهذه الكمية تعادل عشر أضعاف سد النهضة في أثيوبيا والذي أحدث أزمة بين دول حوض النيل لما له من أخطار كارثية على مصر والسودان، فكيف الحال مع مخاطر هذا المخزون الإستراتجي التركي على سورية والعراق ليس في الجفاف فحسب بل أيضاً مخاطر زلزالية تؤثر على الأرض بالكامل.. وهنا لابدّ من الإشارة إلى مشروع “طريق التنمية” أو “القناة الجافة” الذي يسعى العراق إلى تطبيقه لربط سككي وبري بين تركيا وأوربا شمالاً والخليج العربي جنوباً، لنقل البضائع بين الخليج وأوربا، متناسية أنّ الموانئ السورية أقرب بأكثر من ألف كيلو متر وعوضاً عن توجه العراق شرقاً عبر البوابة السورية فإنها تتوجه غرباً عبر بوابة الناتو التركية.
في المحصلة هناك مخاطر أساسية للبلدين لا بدّ من تكثيف الجهود لمواجهتها معاً تتمثل بما يلي:
أولاً، مخاطر الإرهاب وداعمته “دولة الاحتلال الأميركي” وما تترجمه من احتلال في عين الأسد والتنف، إذ لا يمكن تجفيف منابع الإرهاب منفصلاً عن اجتثاث الاحتلال الأميركي الراعي لتلك المنابع والذي يغذيها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي.
ثانياً، مخاطر المياه والأمن المائي وما تشكله السدود التركية والتجاوزات التركية للقانون الدولي من مخاطر لكلا البلدين.
سماهر عبدو الخطيب – كاتبة صحافية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية