عندما يُقال لك إنَّ الحكومة الإلكترونية ستعم كل خدمات الدولة، تغشاك فرحة بزوال البيروقراطية الإدارية، وتشعر أن هناك انطلاقة نوعية ستحدثها التقنية الحاسوبية الحديثة، ولكن قد لا تذهب بك ظنونك بعيداً، عندما تكتشف أن كل الذي استحدث من ربط بالتقنية الحاسوبية، هو لمحاصرة المواطن.. وليس لخدمته كما نتصور نحن المواطنين، فقد قال لي أحدهم: نحن ثلاثة أسسنا شركة صغيرة، فأحد الشركاء أراد أن يبيع نصيبه من الأسهم بعد فترة ويخرج، فيقول: ذهبنا إلى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، فأبلغناهم رغبتنا، وعملنا ما طلب منّا من توثيق، ووقعنا أمامهم ودفعنا الرسوم، وتم تغيير شكل السجل من ثلاثة شركاء إلى اثنين، وعندما ذهبنا بعد فترة إلى وزارة العمل نطلب زيادة العمالة، تفاجأنا بوجود غرامات كبيرة، وذلك مُقابل كل عامل موجود لدينا في الشركة، فاستغربنا ذلك، لأنَّ كل العمال وضعهم طبيعي، وتراخيصهم مجددة دون تأخير، فقيل لنا إنكم غيرتم شكل السجل، ولم تبلغونا في وزارة العمل، فقلنا لهم نعم غيرنا، ولكن بطريقة قانونية، وفي الجهة المختصة، قالوا نحن اكتشفنا ذلك بفضل الربط الإلكتروني مع وزارة التجارة، وإلى يومك هذا نحن لا نعرف أين وقع الخطأ؟! ولكن دفعنا الغرامة.
واليوم يذهب إخوة في شركة لتعديل نسبة الأسهم في الشراكة بينهم، فتلقفتهما “ريادة” وطلب غرامة ريال واحد، فقلنا لهم والله عندنا بطاقة ريادة وسارية المفعول، وما علمنا بأن هناك التزاما بيننا وريادة، ومع ذلك نحن على استعداد لدفع الريال حتى ننجز العمل الأهم، ولكن لا نريد أن نرجع من روي حيث وزارة التجارة والصناعة إلى غلا، حيث مقر مكتب ريادة، فقط لكي ندفع ريالا، وهذا شيء غير معقول، فتفضل عليهما موظفو مكتب سند، وبعلاقتهم الشخصية مع مكتب سند آخر يتعامل مع ريادة، فحلوا المشكلة “ومع ذلك يقال لك استثمر بسهولة!” إذن من هذه القصص نكتشف ومن خلالها، أن الربط الإلكتروني ليس في خدمة المواطن، أو التجارة بشكل عام، وإنما هي تخدم البيروقراطية الإدارية وحسب.
لقد سبق وروى لي صديق عنده شركة تنظيف قائلا: كنا نتحمَّل المماطلة من وزارة العمل في الحصول على عمال، والآن صار البت في الطلب خلال شهر، وعلى ذلك حُلت عقدة كبيرة، ولكن والفرحة لم تتم، فطلب منَّا أن نأتي بعقود من الجهات الطالبة للخدمة منا، فأحضرنا العقود بحسب الطلب، فقالوا لنا عليكم تصديقها من وزارة الخارجية، فذهبنا للوزارة المعنية، فوجدناهم يعملون على نظام جديد، بحيث نقوم “نحن” بتسليم الطلب إليهم، ولكن عبر بريد عُمان، فأرسلنا المندوب إلى البريد، وهو شقيق هذا الصديق صاحب القصة، ولديه وكالة مطلقة بإدارة أعمال الشركة، وهناك سألوه هل أنت صاحب الشركة؟ فقال لا أنا المندوب ولدي تفويض ووكالة شرعية، فقيل له إذن؛ عليك أن تدفع على الطلب الواحد 25 ريالا، ولكن إذا أتى صاحب الشركة بنفسه سيكون المبلغ 10 ريالات للطلب الواحد، فهل يا تُرى مناسب أن يطلب من صاحب الشركة، أن يكون هو “سوبرمان” في كل شيء بحيث يقوم بنفسه بإنجاز كل شيء دون سواه، وأين هي التسهيلات إذن؟! وخاصة أمام المستثمر الأجنبي، إذا كان سيتوجب عليه القيام بكل صغيرة وكبيرة بنفسه؟
ويقول هذا الصديق: ذهبت وقدمت الطلب للبريد بنفسي، وذلك لكي أستفيد من فارق مبلغ وهو 15 ريالا، ومع ذلك اكتشف موظف البريد أن ليست كل الأختام متوفرة لديه، وبعد انتظار طويل، قيل له اذهب إلى البريد المركزي هناك عندهم كل الأختام المطلوبة، فذهب وقدم الطلب هناك، وطلب من البريد الاستعجال في توصيل الطلب إلى وزارة الخارجية، موضحاً لهم بقوله؛ أنه أصبح مرتبطا بعقود مع الجهات التي طلبت منه عمال النظافة، فكان الرد أنت وحظك! فالعملية ستتم من شهر إلى ثلاثة أشهر، فيقول: قلت لهم سأدفع قيمة البريد العاجل، فقيل له هذا عملنا ونحن هكذا نعمل.
والحقيقة أن بريد عُمان بوضعه الراهن، لا يستطيع أن يواكب العصر، وأنا شخصياً رأيت بنفسي أن هناك رجلاً سبعينياً دخل مكتب البريد ليستلم بريدا مسجلا -وهذه ليست المرة الأولى بالطبع أرى مثل هذا الإرباك- فكان الموظف الوحيد في المكتب وينجز عمل لاثنين من الأشخاص، قد سبقوا في الدخول إلى المكتب، وكان ذلك الرجل واقفاً ينتظر دوره، فمرة يضطجع على الحائط، ومرة يخرج ويعود يدخل مرة أخرى، وذلك نتيجة لعدم وجود كرسي آخر ليجلس عليه، وموظف البريد الوحيد ينجز الموضوع للأشخاص الجالسين أمامه بطريقته العادية، وربما كان عنده زميل آخر، ولكنه غير موجود في المكتب في ذلك الوقت، إذن والوضع هكذا، كيف يُراد من بريد عُمان أن يلبي كل طلبات الوزارات الحكومية؟ وهو بهذا العمل النمطي الذي يتوافق وسبعينيات القرن الماضي؟!!
وقال لي صديق آخر إنه فقد ملكية أرض، فقيل له عمِّم عليها في واحدة من الصحف المحلية، وبعد شهر خذ نسخة الجريدة مع بقية المستندات وأرسلها لنا عبر بريد عُمان إلى وزارة الإسكان، حتى تستطيع أن تحصل على بدل فاقد، فيقول؛ عملت بالتوجيهات.. لأن لا حل إلا بما تحدده لك جهة الاختصاص، فيقول؛ وأنا أنتظر من أسبوع إلى أسبوع، فكلما راجعت وزارة الإسكان، قيل لي ستصلك رسالة SMS وفيها موعد المراجعة، فأخذت أتردَّد بين الوزارة والبريد، وأعدنا إرسال الطلب مرة ثانية عبر البريد نفسه، ولأكثر من شهر ولم تجد الوزارة بلاغ الفقدان عن طريق البريد، وحتى يتخلصوا من كثرة ترددي عليهم، أخذوا الأوراق التي كانت بيدي وأرسلها لهم عبر البريد، وأعطوني بدل فاقد بموجبها، أما كان من الأسهل والأسرع لهم ولي فعل ذلك من قبل.
لكن لو فعلوا ذلك من أين للوزارة أن تجد دوامة تشغل فيها المواطن، وطبعاً بهذه الوسيلة أدخلوا المواطن في دوامة روح وتعال، وقبل ذلك أدخلوه في دوامة البحث عن مكتب سند الذي يقدم طلب ملكية بدل فاقد من خلاله، فعليك أن تزور كل مكاتب سند في المنطقة حتى تجد واحدًا فقط عنده نظام وزارة الإسكان.
وواقع الحال يقول: إنَّ بريد عُمان أصبح خارج نطاق الزمن، ويجب أن يحال للتقاعد، لأنه ببساطة بوضعه الراهن لا يستطيع أن يواكب المرحلة، ويؤكد يوما بعد يوم أنه غير قابل للتطور، وقد أمسى جزءا من البيروقراطية الإدارية المعرقلة، وترميم حارة قديمة، أسهل من تطوير بريد عُمان في زمن الخصخصة المصلحية، والتي تقوم بالتركيز على مصلحة الذات لملاك الشركة، ومصلحة طالبي الخدمة ليست بنفس الاهتمام، وأخيراً نقول يا سلام على شرطة عُمان السلطانية، والتي سيظل السبق في يدها وتنجز أعمالها في دقائق وليس ساعات، وذلك منذ تأسيسها في العام 1970م وإلى الغد وما بعد الغد، فإذا نشدتم النجاح فأرسلوا موظفو الحكومة للتدريب في أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، ويشترط القبول بالنجاح.
حمد بن سالم العلوي