ما الذي يحدث للاجئين السوريين في تركيا؟! الواضح أنّ نية التخلص منهم هي النغمة السائدة الآن لدى الجهات الرسمية، وإن اختلفت المسميات في ذلك، إلا أنّ المؤكد هو تعرّض السوريين لحملات عنصريّة رسمية، شاركت فيها الشرطةُ التركيّة والبلديةُ بإزالة جميع لوحات محالهم التجارية المكتوبة باللغة العربيّة، وملاحقة حتى اللاجئين الذين يملكون حقّ الإقامة لترحيلهم، عكس ادعاء علي بردلي وزير الخارجيّة التركي الذي صرّح أنّ أجهزة الشرطة والأمن زادت عمليّات التفتيش بشأن المُهاجرين واللاجئين غير الشرعيين فقط. وما يمكن تأكيده هو أنه لا يمكن لمثل هذه الهجمة الشرسة ضد السوريين أن تحدث دون علم حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما يحاول أن يبرر ذلك بعضٌ ممن أسميهم “مريدي أردوغان”، لكن بالمقابل ظهرت أصواتٌ من بعضهم تندد بالمعاملة السيئة التي يتلقاها اللاجئون السوريون في تركيا، حتى إن بدت خجولة إلا أنها خطوة جيدة. وتُظهر تلك الأصوات أنّ الغشاوة بدأت تنقشع عن أبصار البعض، وأنّ الحقائق بدأت تظهر – وإن كانت في الأصل ظاهرة -، وأنّ الحكومة التركية وضعت مؤيدي أردوغان من العرب في وضع لا يُحسدون عليه؛ فقد انطلقت حملة تضامن عربيّة مع اللاجئين والسوريين منهم تحديدًا، في الوقت الذي خشي فيه مؤيدو الرئيس التركي من انفتاحه أكثر على بعض الدول المعادية لحركة “الإخوان المُسلمين”، إذ عاد إلى بلاده بعد جولة خليجية أثمرت عن صفقات اقتصاديّة وعسكريّة ضخمة لصالح تركيا، وكأنهم في قلق من التضحية بهم.
وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي نقرأ فيها انتقادات قوية من بعض المنتمين لحركة الإخوان ومن مؤيدي الرئيس أردوغان، حيث يقول الكاتب خالد الجيوسي في صحيفة “رأي اليوم”: “إنّ هناك تساؤلات حول ما إذا كانت أهداف هذه الحملة تتعدّى مرحلة التضامن مع اللاجئين، إلى مرحلة توجيه “النقد الإخواني” العربي العلني للرئيس أردوغان، بعد أن أعلن تخلّيه عنهم، وسبق أن أغلق قنواتهم الإخوانيّة المصريّة في تركيا، وطلب من قيادات الإخوان المُغادرة، كما يستعد للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قريبًا، مُتخلّيًا عن إشارته الإخوانيّة الشهيرة “رابعة”، وحادثة فض الميدان في مصر، وحكايته التي انتهت مع رفض ما كان يصفه بالانقلاب على الرئيس المصري المُنتخب الراحل محمد مرسي”.
يهدف القائمون على حملة التضامن، إلى الضّغط على الحكومة التركيّة لوقف ترحيل السوريين، وضمان حُصولهم على حُقوقهم الأساسيّة، ودعوا إلى نشر الوعي حول مُعاناة اللاجئين السوريين والحاجة إلى مُساعدتهم. ولم تخل بيانات الحملة من نبرة التحذير للرئيس أردوغان، “إمّا أن يتدخّل أو سيتم تدمير ما بناه من احترام وتقدير لتركيا في قُلوب العرب والمُسلمين”.
من المنتقدين لأسلوب التعامل مع اللاجئين السوريين، الكاتبة الإخوانية إحسان الفقيه، التي غرّدت في 21 يوليو 2023، “بالله عليكم يا من تُحبّون تُركيا وتحترمون السيد أردوغان.. مثلما نحبها ومثلما نحترمه.. بالله عليكم لا تظلّوا تتهمون الناس بالمبالغة، حين يُشيرون إلى ظُلم يتعرّض إليه بعض الإخوة السوريين.. رجاء لا تُقللوا من شأن مواجع الناس وجراحهم، ووالله ليسألنا الله جميعًا عن هذا، ونحن نتسوّق ونشتري الماركات بشراهة وننفق الأموال على الكماليات.. الله يبارك لكم فيما رزقكم، ولكن إن لم تشاركوا في نصرة الناس بالقول أو بالفعل، أقل واجب لا تقللوا مما يحدث لهم، ولا تبخسوا من جهود من يحاول إحداث فرق في حياتهم”، وعن معاناة اللاجئات السوريات تقول: “الله يعلم كيف تمُرّ عليهنّ الأيام.. الآن عدد كبير منهن يُرسلن لي أنّ أبناءهُن الذين لم يتجاوزوا ال 13 وبعضهم في الـ 12 يُلاحَقَون من قبل من يزعمون أنهم من الشرطة، ويخشين – كما كُل أمهات الأرض – على أبنائهن. الموضوع ليس عاديًا؛ بل هي حملة متوحشة شرسة عنصرية وغير أخلاقية تصدر من بعض الأفراد العاملين في الشرطة التي تأتمر بأمر موظفين في الدولة التي يقودها الرجال الذين نحترمهم ونقف في خندقهم وندافع عنهم من قلوبنا دون حسابات ربح أو خسارة”. وإحسان المتعصبة لأردوغان تقول في تغريدتها: “إنْ توقفتُ عن الكتابة فسأكون برفقتهم، وهذا خير لي من أن أكون في الظل البارد أُقلل مما يحدث لإخوة لي في الدين من ظلم وقهر وتنكيل”!
أما الإعلامي والباحث الأكاديمي السوري أحمد دعدوش فقد ذكر في تغريدة له أنّ ما يحدث في تركيا بحق اللاجئين والمقيمين العرب والباكستانيين والأفغان، هو مجزرة استئصالية.. وصحيح أنّ هناك حملة لترحيل المقيمين بطريقة غير نظامية، وربما أيضًا للتخلص من شبكات التهريب والجريمة، “لكن هناك أيضًا تجاوزات ومظالم هائلة، وهناك حملة تهجير واضحة، ولا أحد يعرف مداها ومتى وكيف ستنتهي. والملف كله أصبح بيد القوميين العنصريين الذين سلمهم أردوغان وزارة الداخلية، والمبرر هو أنّ العنصري سنان كان بيضة القبان في جولة الانتخابات الثانية التي حسمت السباق، فكانت المكافأة بتسليمهم ملف الهجرة لينفّذوا تقريبًا كلّ ما كان يعد به القوميون لو وصلوا إلى الحكم، أي أنّ أردوغان فاز بالرئاسة، وهذا يحقق مصالح المحافظين والمتدينين من شعبه، ولكن ملف العرب والمهاجرين واللاجئين صار بيد معارضيه”، وهكذا يبدو أنّ دعدوش – مثل كلّ المريدين – يحمّل المعارضة المسؤولية، وكأنّ المعارضة هي التي فازت في الانتخابات؛ لكن دعدوش يعود من جديد فيكتب أنّ “ما يحدث الآن ليس مجرد تجاوزات على هامش حملة لاستئصال المخالفين لنظام الإقامة؛ فهناك قصص لا تُحصى لمقيمين سوريين يحملون أوراقًا نظامية، يتعرضون للضرب داخل مراكز الأمنيّات (دائرة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية) وبدون أيّ تهمة. وبعضهم يُسجن عدة أيام أو يُرحّل تلقائيًا إلى الشمال السوري بدون مقدمات. هذا يحدث على يد عناصر الحكومة وداخل مقراتها وليس على يد عصابات عنصرية منفلتة في الشوارع”.
ومن بين المُتضامنين، أحمد منصور مذيع قناة “الجزيرة” الذي لام الرئيس التركي بشكلٍ لافت، وقال: “إذا لم يتدخّل الرئيس أردوغان بشكل عاجل لوقف حملات العنصريّة المنظمة والمُتصاعدة ضد العرب في تركيا بشكل عام والسوريين بشكل خاص، فإنّ العنصريين الأتراك وسُلوك رجال الشرطة العدواني تجاه السوريين والسياح العرب حتى في المطارات سيُدمّر ما بناه أردوغان وحزبه من احترام وتقدير للعرب طيلة 20 عامًا”؛ فيما التف النائب الكويتي السابق وليد مساعد الطبطبائي على المسبب الحقيقي لموجة اضطهاد السوريين، بأن قال “إنّ الانتخابات في تركيا أفرزت موجة عنصرية حاقدة على العرب والسوريين، قادتها المعارضة حتى صار (اطردوا السوريين) شعارًا انتخابيًا”، وهو كلام ليس في محله، إذ أنّ المعارضة ليست هي التي في السلطة الآن – شأن الطبطبائي هو شأن دعدوش -، إلا أنه طالب “الحكومة التركية والرئيس أردوغان تحديدًا التدخل لتعديل المسار كي لا يخسر شعبيته الكبيرة في الوطن العربي.. تكرار المضايقات العنصرية صار أمرًا لا يطاق”. ولم يذهب محمد مختار الشنقيطي أستاذ الشؤون الدوليّة بجامعة قطر، بعيدًا عما ذهب إليه الآخرون، إذ أكّد أنّ “العنصريّة المُتنامية في تركيا ضدّ السوريين والأفغان، ومُحاربة اللغة العربيّة دون غيرها من لغات العالم في بعض البلديّات التركيّة، ظاهرة مَقيتة. وهي هدم لما بناه الرئيس أردوغان وحزبه لتركيا من مكانة في قلوب العرب والمسلمين في أرجاء العالم. فهل من تحرّكٍ حازمٍ ضد العُنصريين قبل فوات الأوان”؟
أعتقد أنّ لسان حال بعض اللاجئين السوريين يقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة … وأهلي وإن ضنوا علي كرام
فبعد المعاناة التي يعيشها السوريون في تركيا الآن، يرى البعض أنّ الموت على أرض سوريا الوطن، أشرف من البقاء على أرض يتاجر حكامها بملفهم حسب المصالح الاقتصادية.
وأنا – كإنسان عادي يتألم لمعاناة اللاجئين السوريين في تركيا – أضم صوتي إلى أصوات مريدي الرئيس أردوغان بالتدخل ووضع حد لتلك المأساة الإنسانية، وإن كنتُ أختلفُ معهم في اللف والدوران هروبًا من تسمية الأشياء بأسمائها.
زاهر بن حارث المحروقي
جريدة عُمان: عدد الاثنين 7 أغسطس 2023م