إن عبارة الجيل الثالث لحقوق الإنسان قد استعملها الرئيس غي بربيان العام 1978 حيث برزت هذه الفكرة في إطار المرحلة البنيوية لتطور مذهب الأمم المتحدة في هذا المجال.
وأمام التطور والازدهار من جهة وويلات ومصائب البشرية ومعاناتها من جهة أخرى، وإزاء كل التغيرات الكبرى والتحديات الخطيرة المتجددة أخذت تبرز موجات إضافية من حقوق جديدة للإنسان وبخاصة في الربع الأخير من القرن العشرين، حيث برز على ساحة الفكر العالمي في هذا الشأن وفي إطار الأمم المتحدة مفاهيم جديدة ينبغي أن توجه عمل الأمم المتحدة.
هذه المفاهيم تتلخص في: ترابط حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة وبالتالي استحقاقها لنفس القدر من الاهتمام والترابط بين هذه الحقوق والشعوب واعتبارها جميعها غير قابلة للتصرف وفحص مشاكل الإنسان وحقوقه بكيفية شمولية أخذاً بالاعتبار الإطار العام لمختلف المجتمعات، ودعم كرامة الإنسان إلى جانب تقدم المجتمع ووجوب مساهمة كل الدول المتقدمة والنامية معاً في أجهزة الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان كاملة.
وأخذت بعض هذه المفاهيم تتبلور في أعمال الأمم المتحدة ومقرراتها والندوات التي تعقد منذ العام 1977، مثل الحق في التنمية والحق في السلام، كما تشكلت لجان عالمية وجرت دراسات قيمة حول العلاقة بين النظام الاقتصادي العالمي الجديد وحقوق الإنسان وحول الأبعاد الدولية والوطنية للحق في التنمية وللحق في البيئة وحول أثر المساعدات لجنوب أفريقيا على وضعية هذه الحقوق.. إلخ.
وهكذا أصبح الحديث عن فكرة الجيل الثالث لهذه الحقوق حديثاً مألوفاً، وكل نظرية تقوم يوجد لها مؤيدوها ومعارضوها، كذلك كانت هذه النظرية عرضة للتأييد والنقد، فبالنسبة لمحتوى هذه الفكرة، تعود لكارل فاسلك المدير السابق لقسم السلم و حقوق الإنسان في اليونسكو، هو الذي تعزى إليه هذه الفكرة بمضمونها وذلك عندما اقترح طائفة جديدة من الحقوق، معتبراً أن أبرز تخليد للذكرى الـ 200 للثورة الفرنسية سوف يكون إعداد ميثاق جديد لحقوق التضامن والتي تشمل الحق في السلم والتنمية والبيئة واحترام التراث المشترك للبشرية، وقد رأى أن الإعلانات السابقة لحقوق الإنسان تمكن الأفراد من حماية مجال خاص لمبادراتهم، لكن رغم ذلك هناك خطرين: خطر الانزلاق نحو الأنانية من جهة، والانزلاق نحو العزلة وترك الفرد لمصيره دون تنظيم مشاركته في الحياة العامة من جهة ثانية.
إن فكرة الجيل الثالث لدى “فاسلك” مبنية على أساس تصنيف زمني لا على أساس أن الحقوق السابقة للجيل الأول والثاني أصبحت دون أهمية، فالحقوق المنتمية إلى الجيل الأول في رأيه قد صيغت في القرن الثامن عشر وكانت مدنية وسياسية أساساً وتستهدف الحرية وترتبط بالإنسان، ويُحتج بها على الدولة ويجب احترامها، أما الحقوق المنتمية للجيل الثاني فقد ظهرت في القرن التاسع عشر والعشرين تحت تأثير التفكير الاشتراكي خاصة، وهي أساساً اقتصادية واجتماعية تستهدف المساواة وتقدم كديون على الدولة ويطالب بتحقيقها.
أما طموح الحقوق الجديدة “حق التضامن”، فهي إدخال البعد الإنساني في مجالات كانت متروكة للدولة، البيئة والسلم والتنمية والتواصل والتراث المشترك للإنسانية، ولا يمكن وضع هذه الحقوق موضع النفاذ إلا بتضافر كل الفاعلين في اللعبة الاجتماعية (الدول والأفراد والكيانات العامة والخاصة والمجتمع الدولي)، فهي تعبئ المجموعة البشرية وهي تعد ضرورية لتأسيس قانون دولي لصالح حقوق الإنسان لأن الإنسان يستحق اسم حق البشرية أو الشعوب.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.