الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي شرفه الله ومنحه الثقة ليكون خليفته في الأرض، وهذه منزلة عظيمة رفيعة تدل على عظم العمل الموكل إليه، وهو تعمير الأرض ببناء أعظم الحضارات عليها وهي الحضارة الإنسانية، وهذه الحضارة لن تُقام إلا بتفعيل مبادئ وقيم مكارم الأخلاق في السلوك الإنساني، والإنسان يُعتبر مركز الكون، حيث إن معظم النصوص الدينية موجهة للنهوض به وترقيته وتهيئة الأجواء المناسبة له، لكي ينتج وينجح في حياته، وبموجب ذلك أصبح الإنسان اليوم هو رأس المال الحقيقي لأي أمة، وتعتبر الأخلاق في حياة الشعوب والأمم هي الأساس في حياتهم، وتبقى آثارها الطيبة باقية خالدة حتى بعد وفاتهم وفنائهم، وصدق القائل:
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم // وعاش قوم وهم في النَّاس أموات
إنَّ الإنسان أوله نطفة تافهة لا قيمة لها، وآخره جيفة يتم التخلص منها في قبر مُظلم وضيق، وبين نقطة البداية ونقطة النهاية يقضي الإنسان حياته مع النَّاس، ويكون بعضهم متكبرًا متعاليًا، وهذا الغرور يورث الكبر والعجب وغيرها من أمراض القلب، والغرور يهلك الأمم، ويصيب الأفراد بالأمراض النفسية الخطيرة، فكيف يُعمر الإنسان المتكبر الأرض التي تحتاج إلى أناس طيبين متواضعين أصحاب خلق ومبادئ وقيم وأسس إنسانية عظيمة.
فإلى متى يا أيها الإنسان هذا التكبر؟! وأنت مخلوق ضعيف، قليل الهمة، بالغ العجز، شديد الضعف كقطعة القماش البالية، أمام الأهواء والأمراض وصعوبات الحياة والأزمات النفسية والمادية، وهذه الأحوال التي تمر على الإنسان في حياته تجبره أن يكون متواضعًا وتبعده- رغم أنفه- عن الغرور والتكبر والخيلاء إن كان يفكر بعقله، وقد قال الله تعالى في سورة الإسراء الآية 13 “وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ”؛ وطائره هو ما طار عنه من عمله؛ سواءً كان خيرًا أم شرًا، والإنسان لا يقدر على الهروب من عمله، فهو ملزم به رغم أنفه، وسوف يجازى عليه، فخير الإنسان وشره ملتصقان به، لا يفارقانه حتى يحاسب، فالخير طريق السعادة وهي الجنة، والشر طريق الشقاء وهي النار.
إن الكبر آفة عظيمة، وسبب في عدم دخول الجنَّة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يدخلُ الجنة من في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبر”؛ فالأخلاق منبع السعادة وهي أبواب الجنة، والكبرُ منبع الشقاء وتغلق أبواب الجنة، فلا تنفتح لأي متكبر؛ لأن المتكبر قد أنزل نفسه فوق منزلتها، ويرى نفسه أكبر من غيره، ويستعظم ويستحسن ما فيه من الفضائل ويستهين بالنَّاس ويستصغرهم، ويترفَّع على من يجب التواضع له.
إن المتكبرين قد عميت قلوبهم بظلمة الجهالة، وأصبحت صدورهم ضيقة، فاتخذوا الهوى لهم قائدًا والشيطان دليلًا. ومن أسباب الكبر هو العُجْبُ والحقد والحسدُ والرياءُ، فأما العجب: فإنه يورث الكبر الباطن ثم يكون تكبرًا ظاهرًا في الأعمال والأقوال والأحوال، وأما الحقدُ: فإنه يحمل على التكبر من عجب، كالذي يتكبر على من يرى أنَّه مثله أو فوقه، فيغضب عليه ثم يحقد ويرسخ البغض في قلبه، ولا تطاوعه نفسه أن يتواضع له، وأما الحسدُ فيوجب البغض للمحسود وجحد الحق حتى يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم، وأما الرياء: فهو أيضًا من صفات المُتكبرين، لأنه يتعالى بريائه على من هو أفضل منه.
فحسب المراجع الإلكترونية التي اطلعنا عليها، يكون للكبر ثلاث درجات؛ الأولى: أن يكون الكبر مستقرًا في قلب الإنسان ويرى نفسه خيرًا من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلا أنه قد قطع أغصانها، والدرجة الثانية: أن يُظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه، وأما الدرجة الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالمُفاخرة، وتزكية النفس والتكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منهُ عملًا. ومن أصناف التكبر، التكبر بالمال وأكثر ما يجري بين أصحاب الأعمال والتجار ونحوهم، وأما التكبر بالجمال فأكثر ما يجري بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص والغيبة وذكر العيوب. وللكبر أنواع ثلاثة: النوع الأول: الكبر على الله تعالى وهو أفحشُ أنواع الكبر، وذلك مثل تكبر فرعون والنمرود، حيث رفضا أن يكونا عبدين لله، والنوع الثاني: الكبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمتنع المتكبر من الانقياد له تكبرًا وجهلًا وعنادًا كما فعل كفار مكة، وأما النوع الثالث: الكبر على العباد بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه ويترفع عليه.
إن التكبر غطرسة وعجرفة بلغ تأثيرها على الفرد والمجتمع، والكبر حين يستشري في نفس المرء يستحكم قلبه، ويفتن عقله متغاضيًا على نقصه، مشهرًا سوءة غيره، وإن تكلم تبجح، وإن مشى اختال، وإن نصح تباهى، وأن ساعد تعاظم. إن الإنسان التقي من يقدر غيره، فالأخلاق الكريمة سند ومدد، والأخلاق السيئة تحطيم وتهديم، إن التواضع سمة أهل العلم والفهم، أودعها الله في نفوس الأنبياء، وورثها العقلاء والنبلاء، وأما الخيلاء والكبرياء فما هما إلا سقام وخيم، دب بين النَّاس كالنار في الهشيم، وما أن بث سمومه في المجتمع إلا وقد تصدع بنيانه، وتهشمت أركانه وتشققت عمدانه.
وأخيرًا.. إنَّ التبختر موجب للشقاء، والتجبر مسوغ للعناء، وسقم عليل وشر مستطير وخطيئة إبليس الرجيم، فمن تكبر ذله الله، لأن الكبر يسلب الفضيلة ويسكب الرذيلة، وأنه لمن المؤسف والمُحزن أن نرى بيننا ومعنا أناساً متكبرين على الوالدين وعلى الإخوة وعلى الأصدقاء والزملاء في العمل..
تواضعوا؛ فالجنة لا يدخلها متكبرون، وإياك أيها الإنسان والتكبر لأنه وجه من وجوه الظلام، وصفة من صفات وأخلاق اللئام، وعليك بالتواضع لأنه وجه من وجوه النور، وصفة من صفات وأخلاق الكرام.
حمد الحضرمي / محامٍ ومستشار قانوني