يُمكن فهم اقتصاد أي بلد ببساطة من خلال أرقامه ومؤشراته، فالأرقام لا تكذب، فإن كانت المؤشرات إيجابية ومرتفعة، فذلك يعني أن اقتصاد البلد الفلاني بخير، وعكس ذلك إذا كانت المؤشرات منخفضة وسلبية، وبناء عليه على كل دولة رصد المؤشرات الاقتصادية حسب كل نشاط تجاري وتحليلها واتخاذ القرارات المناسبة التي تتفاعل معها إيجابا الأنشطة التجارية، وتنعكس في الاقتصاد والمجتمع المحيط من أفراد ومؤسسات.
مَرَّ الاقتصاد العماني بمراحل صعبة منذ نهاية عام 2014 إبان التذبذب المؤلم لأسعار النفط وحتى نهاية 2021، ولكن وبعد أزمة كوفيد-19 وارتفاع أسعار النفط والغاز بدأ الاقتصاد الكلي في التعافي، وبالرغم من ذلك إلا أن الآثار المؤلمة لكثير من الأنشطة التجارية ما زالت لم تُمحَ، وعليه لا بُد من رصد سريع لتحديات كل نشاط تجاري على انفراد، ولا يمكن وضع جميع الأنشطة التجارية في سلة واحدة، فليس كلها خاسر أو رابح، لكن هناك مؤشرات تدل على خسارة أنشطة تجارية معينة أكثر من غيرها، ولا يمكن ومن غير المناسب إقرار خطة تحفيزية واحدة تناسب الجميع.
من خلال قراءة المؤشرات الاقتصادية بشكل دوري وفهمها وتحليلها واتخاذ القرارات التحفيزية المبكرة، يمكن للحكومة أن تتعرف بدقة عن التحديات التي تواجه النشاطات التجارية المتأثرة أو الأكثر ضررا، وتصميم خطط تحفيزية دقيقة لهذا النشاط أو ذاك، فخروج أو إفلاس أي نشاط تجاري يعني جر غيره إلى مُعاناة تأثير أحجار الدومينو (Domino Effect)، وبقاء وازدهار أي نشاط تجاري يعني خلق فرص جديدة للأفراد والمجتمع والمؤسسات أيا كان حجمها ونشاطها وحتى اقتصاد الدولة الكلي، فالاقتصاد عبارة عن حلقات مرتبطة ببعضها البعض.
لا يكفي قراءة المؤشرات كأرقام صماء؛ بل الواجب فهمها وتحليلها، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، وكل تأخير سوف سيكون بكلفة عالية، وكما يقول المثل عند اتخاذ القرارات في وقت متأخر “بعد خراب مالطا”، ولأن الحكومة التقطت أنفاسها، وحققت فوائض مالية في النصف الأول من هذا العام، فمن المتوقع أن تكمل هذا العام بنفس الوتيرة الإيجابية، ومن المناسب تخصيص جزء من هذه الفوائض لإقرار خطة تحفيزية للقطاعات الأكثر تأثرًا وفق قراءة علمية دقيقة للمؤشرات الاقتصادية، فكلما كانت هناك فوائض مالية، تكون هناك مرونة من الأجهزة المختصة للصرف المالي.
المقالة لا تدعو للصرف غير المُنظَّم أو الترفيهي، قدر ما تدعو إلى تخفيف معاناة الأنشطة التجارية الأكثر تاثيرا وفق قراءة الأرقام والمؤشرات بشكل علمي دقيق لضمان بقاء القطاع الخاص واستدامته وتوسعه لما فيه مصلحة الجميع دون استثناء، ومن المهم أيضًا أن تكون الخطة التحفيزية تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف، ومن الضرورة أن تتفاعل هذه الخطة إيجابا مع الأنشطة التجارية المستهدفة، ولضمان نجاح الخطط التحفيزية.
ومن الأفضل استشارة ممثل القطاع الخاص كغرفة تجارة وصناعة عمان واللجان القطاعية المختصة والالتقاء بعدد من رجال وصاحبات الأعمال العاملين في الأنشطة التجارية المستهدفة، ووضع سيناريو “خط الرجعة” في حالة عدم تحقيق الأهداف المنشودة للخطة، واستبدالها بخطة بديلة ناجعة وسريعة، ولا ضير في التصحيح عند اكتشاف ضعف أو عدم استجابة أو تأثير لبعض الخطط التحفيزية.
خلفان الطوقي