تقول لورا ماركهام (المختصة في علم النفس الاكلينيكي) : (قد يُفسدُ الآباء أطفالهم بحسن نية -غالبا- عندما يكونون مرهقين للغاية، وغير قادرين على فرض القواعد) في إشارة منها لمنح الأبوين لأطفالهم كل ما يريدون في بعض الأوقات التي يعتريهم فيها عدم التركيز جرّاء الإرهاق أو الظروف الخاصة.
و في الواقع قد تتسع دائرة إفساد بعض الآباء و الأمهات لأبنائهم في كل الأوقات و عن سبق إصرار على ذلك و ترصّد للفرص التي تعينهم في هذه المهمة السلبية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ما أشارت إليه نانسي سالمين (مؤلفة كتاب محبة بدون تدليل) في معرض حديثها عن التساهل في بعض الأمور التي يمارسها بعض المربين حين قالت : “دون أن نتوقع أن تنفجر في وجوهنا تأثيرات عدم تأديب الطفل، ونشعر بالانزعاج والإحباط عندما نجده أصبح خارج السيطرة”.
هناك ارتباط بهذا الموضوع و بعض الممارسات الخاطئة التي ينتهجها بعضهم في تعاملاتهم المجتمعية أثناء حضور أبنائهم، و المؤسف أن تكون هذه الممارسات في مواقف و مشاركات يفترض أن تكون تربوية، إلا أنها قد تنعكس سلباً نتيجة لما تم ذكره.
من ذلك ما يحكيه أحدهم عن امرأة كانت تأتي بأبنائها لتعلّم القرآن الكريم – و هذا أمر يُضاف لسجلّها الإيجابي – إلا أنه عندما كان معلّم القرآن يقيّم الحفظ بين الفترة و الأخرى، تأتي هذه المرأة لترفع صوتها على المعلم بحضور الأطفال، في محاولة منها لتصدير أبنائها في المراكز الأولى و نشر خبرهم بين الجميع حتى و إن لم يحققوا أي نتيجة، و هنا – في الواقع – هل تربي الأبناء على أمور سلبية كالغش والتطاول و رفع الصوت و عدم احترام الآخرين بل حتى على استمراء الظلم و غيره.
و من ذلك ما يقوم به أحد أولياء الأمور من إشراك أبنائه في مختلف المسابقات الثقافية و الرياضية و الاجتماعية و غيرها، ثم لا يتقبّل أن يخسر أبناءه المنافسة، و لا يقبل أن يكون أحد الأطفال الآخرين متفوقاً على أبنائه، فيدفع بأبنائه لاحتقار الآخرين، و يجتهد هو في الحصول على النتائج الوهمية التي هي حق لغير أبنائه، و يتفنن في ذلك بالطرق غير الشرعية.
بل وصل الأمر لإحدى المربيات لأن تعرض تقديم الرشوة أمام أبنائها في سبيل إعطائهم مستوى لم يكونوا مستحقين له في إحدى البرامج، وبلا شك فإن الطفل يتعلم بالقدوة ما لا يتعلمه بالتلقين، فكيف إن كانت القدوة هي أمٌّ تربوية يفترض أن تربيهم على محاسن الأمور، في حين يراها أطفالها تعمل عمل كهذا من أجلهم ؟!
في حقيقة الأمر أن الأمثلة كثيرة جدًا، إلا أن المغزى هنا أن تكون التربية صحيحة سليمة بعيدة عن كل تعليم سلبي للطفل، و هذا التوجيه جاء به الدين الحنيف صراحة، من ذلك قصة المرأة التي قالت لابنها في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم: (تعال أعطيك) فقال لها رسول الله: (وما أردتِ أن تعطيه؟) فقالت: (أعطيه تمراً) فقال: (أما إنك لو لم تعطيه شيئا كُتبت عليكِ كذبة).
لذا، فإنه حريٌّ بنا حين نربي الأبناء ونعلّم الطلبة أن نستشعر أننا قدوات عملية لهم، يتأثرون بأفعالنا قبل أقوالنا، و بتصرفاتنا قبل توجيهاتنا، خاصة إذا كانت هذه التربية من الأم أو الأب، فإن الواقع العملي المعايش أبلغ من كل الكلمات، و قد يُفسد البعض أبناءه و هو يحاول تربيتهم، و قد يسيء البعض و هم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً.
م. علي بن طالب الشيادي