شجارهما ليس كأي شجار عادي، إنما تطاير شررهما إلى السماء، ونزل على السيارات الواقفة في الأسفل كمنثور النيازك، فأحدث بقعًا من الحروق على أسقف تلك السيارات، ومن حسن الحظ أن تعارك ذانكم الخصمين لم يتواصل فوق السيارات، وإنما توقف بهما الحال عندما سقطا على الأرض، فهذا الوصف يتعلق بأسلاك (كهرباء مسقط) التي تسير في مصفوفات تراكمية بين المنازل، أو تحيط بها أحيانًا، وتعرف هذه المنظومة بالضغط المنخفض، أجاركم الله من الضغط العالي.
فحتى لا أطيل عليكم الحكاية، حدث يوم الأربعاء الماضي في حدود العاشرة صباحًا، أن حركت الريح أغصان شجرة الحديقة المجاورة للأسلاك الكهربائية، فلامست أحد جاريها من مصفوفة الكهرباء، فأصابت الغيرة السلك الآخر، فأشتبكا في الهواء، وأحدثا فرقعة مخيفة، وذلك نتيجة للشجار العنيف الذي أدى بهما إلى السقوط على الأرض، وهذا التعارك القوي حصل بسبب تشقق العازل المطاطي، الذي ظل يحميها لسنوات طويلة، وقد تلف لكثرة الانتظار تحت الشمس، والعوامل الطبيعية الأخرى، وحمدنا الله أنهما لم يكملا الشجار على الأرض، هذا كما شرحه لي صديقي الذي حضر المشهد.
فيقول: لو استمرا في العراك العنيف على عشيقتهما الشجرة، كما حصل بينهما في البداية، وهما معلقان في الهواء، لوصل ضررهما إلى معشوقتي (أنا) وهي سيارتي البيك آب، والتي اشتريتها منذ ثلاث سنوات، وذلك بفضل زيادة عمر المتقاعدين عشر سنوات أخرى بعد الستين، وهي تعتبر في حكم التسهيلات الأخيرة للمتقاعد، إذن؛ بذلك تكون آخر سيارة لأمثالي تشترى بالتسهيلات، وقد تبقى من تمويلها عامان، وبحمد لله قد نجت من تلك المشاجرة العنيفة، ولكن القصة لم تنته عند هذا الحد كما يقول صديقي.
ويتابع بالقول: وأنا أقف بالخارج لكي أحاول الاتصال بطوارئ الكهرباء، وفي نفس الوقت أقوم بحراسة الأسلاك من الأطفال، الذين بدأوا في العودة من المدارس، أتاني الداعي من منزلي، يقول لي إنَّ حريقًا شبَّ في المطبخ، فعلمت بالحدس، أن ذلك ارتدادًا للحادث الذي وقع في الخارج، بسبب الشجار الذي وقع بين الأسلاك قبل سقوطها على الأرض، فاتجهت حالًا إلى صندوق الكهرباء، ففصلت الكهرباء بالكامل عن المنزل، واتجهت إلى المطبخ، فوجدت السخان وقد احترقت الأسلاك الموصلة إليه، وأن أنبوبا الماء الموصلة به، قد انفصلا وكأنما تم قطعهما بسيف بتار، وذلك بفعل شحنة الكهرباء المرتدة، على إثر تعارك تلكم الأسلاك في الخارج.
ويقول الصديق نفسه: لاحظت أن المياه تنساب من الدور الأول للمنزل، فتوقعت أن الذي حدث في الدور الأرضي، حصل مثله هناك، فذهبت إلى هناك وقطعت الكهرباء، ودخلت أستطلع الشقة، فوجدت دخانًا كثيفًا يملأ المكان، والماء يهدر من ثلاثة سخانات بنفس الطريقة التي حصلت في الأسفل، والأمر الغريب، أن كل تلك السخانات ومجموعها أربعة، لم تكن موصولة بالتيار وقتذاك، فأغلقت الماء وعدت إلى الخارج بانتظار وصول قسم الطوارئ، وحراسة الأسلاك من خطرها على الأطفال.
فوصل فريق الطوارئ، وبدأوا محاولة قطع التيار عن المنزل، فاستغرق ذلك عشرين دقيقة تقريبًا، وهم في تواصل عبر الهاتف للتعرف على الأسلاك المعطوبة. والسؤال الكبير الذي يقوله صديقي الراوي لهذه القصة؛ ومطلوب من الجهة المختصة أن تجاوب عليه، لو أن هذا الصديق لم يكن موجودًا في المنزل في ذلك الوقت.. هل يعلمون حجم المخاطر التي كانت ستحدث أو تحدق بالسكان؟!
والسؤال الأكبر من السؤال الأول؛ إذا كان في المنزل أربعة قواطع، فواحد عند العداد الأول، وكذلك عند العداد الثاني قاطع آخر، وعند صندوق الشمعات (الفيوزات) قواطع أخرى، فأين فواصل السلامة والشائعة بمسمى (السيفتي) عند حدوث أخطار كهذه؟! وعندما ظلت الأسلاك تتعارك في السماء لمدة خمس دقائق تقريبًا، لماذا لم تقطع الكهرباء من المجمع بذاتها؟! أم أن هذا المسمى بقواطع السلامة مجرد حبر على ورق، أو أنه مجرد عقدة تشترط عندما يراد توصيل الكهرباء لأول مرة؟! وبعد ذلك “يفتح الله” كما يقول إخوانا العرب، ويبقى على قيد الحياة.. طويل العمر.
إلى متى ستظل هذه الشبكات مُعلقة فوق رؤوسنا، وتهددنا بالخطر المباشر وغير المباشر، وحتى الإشعاع غير المريء، وبعضه نعلمه من خلال الإرسال الأثيري كالراديو مثلًا، علمًا بأن هناك خطوط تم قبرها تحت الأرض قبل سنوات، وقد تنفسنا الصعداء يومذاك، عندما انتهت مهمة الحفر والدفن، ليس لأننا تعرضنا لمضايقات طويلة، وهم يشقون الأرض، فشيء أمام المنازل وشيء خلفه، ولكنه كان حلمًا ومضى، أو أنه ذهب في طيات النسيان إلى أمد طويل.. ملاحظة.. وطبعًا هذا الصديق كان يتكلم عن منزله، وحتماً هناك منازل أخرى قد تضررت بنفس الطريقة.
حمد بن سالم العلوي