الاستفادة من الخبرات الوطنية التي أحيلت إلى التقاعد في الفترات الماضية من قطاعات الدولة المختلفة المدنية والعسكرية والحكومية والخاصة أمر تمليه الضرورة والأهمية للعديد من المسوغات التنموية وللاستفادة من خبراتهم المتراكمة في إدارة العمل في الأجهزة التي تحتاج إلى ذلك، ولسد الفجوة في العديد من المجالات التي تحتاج إلى خبرات تعضد استحقاقات المرحلة القادمة لتنفيذ مستهدفات رؤية عُمان 2040 ، وإحلال الكوادر الوطنية مكان الأجنبية في الكثير من المواقع التي تسمح بالعمل حتى بعد عمر 75 عاما، في حين أن متوسط أعمار المتقاعدين لدينا لسبب أو لآخر هو 49 عاما وفق إحصائية صندوق معاشات الخدمة المدنية سابقا، في حين أن متوسط العمر في سلطنة عُمان يبلغ 70 عاما مع الإقرار بحقيقة أن الأعمار بيد الله ، ذلك يعني أن العمر المهدر لهذه الطاقات أكثر من 20 عاما في المتوسط ، ونجد في المقابل أن متوسط خدمة الموظفين 22 سنة فقط ، ويبلغ عدد المتقاعدين أكثر 97 ألف متقاعد من صندوق معاشات الخدمة المدينة ، و18.932 متقاعد بصندوق التأمينات الإجتماعية ، وأكثر من أربعة آلاف متقاعد من دول مجلس التعاون بالإضافة إلى الصناديق الأمنية والعسكرية وغيرها أي ما يربو عن 200 ألف متقاعد أو يزيد في الدولة مهدرة طاقاتهم ويمكن الاستفادة منهم.
ومن بعد أن تحدثت الأرقام نجد أننا نستقدم أيدي عاملة أجنبية لسد ما نزعم أنه ثغرات في جدار القطاعين وبغير الالتفات لهذه المخرجات المخضرمة المفيدة كفاءة وخبرة وحنكة، إذ يمكن ببساطة إعادة توظيف الكثير من الخبرات التي أحيلت للتقاعد من خلال إيجاد منصة أو نظام تسجيل للمتقاعدين مثلما يحدث في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، بل إنه من الأهمية بمكان إيجاد قاعدة بيانات دقيقة عن المتقاعدين لتعظيم الاستفادة من كفاءاتهم عندما تطلب جهات حكومية أو خاصة بعض الخبرات إذ عليها أن تتوجه في البداية إلى المتقاعدين لسد تلك الثغرات ، بدلا من الهرولة للخارج للحصول على خبرات ربما هي أقل مهارة وحنكة من متقاعدينا، وبالتالي لا يتعين علينا تعميم فكرة أن من خرج إلى التقاعد المبكر سيما وإن كان بصحة جيدة غير قادر على العمل والعطاء تلك فكرة خاطئة بالتأكيد، فالأعوام الطويلة من العمل المتواصل أفضت إلى تراكم خبرات لاتقدر بثمن وهذه الخبرات قابلة للاستثمار في أي وقت من الأوقات ، بل إن المتقاعد يسعده مواصلة العمل الذي ألفه وعهده ولا يوجد في عرف الإنسان المحب للعمل شئ اسمه انتهاء الصلاحية.
وفي هذا المنعطف الهام يجب علينا أن نعي أن التقاعد ربما يكون البداية لعطاء جديد أكبر وأشمل وأعمق وبفكر جديد يستلهم كل أعوام الماضي الجميل حيث يقول الكاتب المغربي الكبير الطاهر بن جلون (إن التقاعد هو الوقت الذي ينبغي ملؤه بالمشاريع) فالخبرات الطويلة هي الملهم الأكثر موثوقية في إنجاح المشروع الذي يضطلع به المتقاعد بحكم الخبرة الإدارية والاتزان الفكري والحكمة التي يتمتع بها.
أما على الصعيد الشخصي لحياة المتقاعد فإنهم يواجهون عدوا لدودا اسمه الفراغ ، فالذي تعود على الجد والعمل أعواما طويلة يستحيل عليه تقبل فكرة إنه الأن لايعمل شيئا ، فضلا عن حقيقة أن التحديات الحياتية نفسها ليست بالأمر الهين وارتفاع المصاريف وكذلك عدم وجود مزايا وتسهيلات للمتقاعدين كخصومات على مشترياتهم أو بطاقات ما ، تتيح لهم التمتع بمزايا تجارية أو صحية أو تمويلية ألخ ، ومع هذا تبقى حقيقة أن الاستفادة من خبراتهم العملية هي الأساس بل هي حجر الزاوية في منظومة بناء الوطن .
نأمل من الجهات المختصة العمل على بلورة الكثير من البرامج لإستيعاب المتقاعدين في شتى المجالات ووضع اشتراطات صارمة عندما تتقدم جهة عمل ما بطلب خبرات أجنبية تنص على حتمية البحث عن المطلوب في حديقة المتقاعدين وارفة الظلال، مع إيجاد منصات إلكترونية لفائدة القطاعين عند البحث فلدينا خبرات محلية تسد عين الشمس.
علي بن راشد المطاعني