نرجو من مجلس الشورى أن يتحمل مسؤوليته القانونية والدستورية وفق المادة ( 58م 41 ) من النظام الأساسي للدولة ، وأن يمارس سلطته في التصدي لأية محاولة لإغراق البلاد في الديون ، وألا يكون “شاهد ما شافش حاجة” في عُمــان التي تنتظر منه الكثير ومنحته ثقتها الكاملة كسلطة تشريعية ورقابية ومالية ومؤسسة دستورية قائمة ودائمة في البلاد، ليس مجرد فترة برلمانية بدأت منذ أربع سنوات وأوشكت على النهاية.
على مجلس الشورى أن يمتلك الجرأة ويمسك بزمام المبادرة ويتواصل مع الحكومة ليصل معها إلى سقف معيّن للدَّين العام لا يسمح بتجاوزه في الأعوام القادمة مهما استجدّت من ظروف وتبدّلت من أحوال ، وأن يُبـادر إلى مساءلتها عن الأهمية التي تدفع للاستعانة بالديون الأجنبية إن هي أصرت على الاقتراض .
ونحمد الله أن الوضع المالي قد بدأ في التحسن بعد الإجراءات الحازمة التي أمر بهــا سلطان البلاد المفدى -حفظه الله ورعاه-
على المجلس أن يناقش الوضع المالي للبلاد وتكون لديه قاعدة بيانات ومعلومات لإجمالي الناتج المحلي لسلطنة عُمان والموازنة العامة وللمديونية، يطرحها للبحث والنقاش بشفافية كيف تم توفير هذه الديون، وما هي مدة وطريقة سدادها وعلى مـاذا سوف تنفق.
مع مطالبة الحكومة بضرورة خفض الإنفاق الذي أوصل الدين العام إلى نسبة 66% من الناتج المحلي ، والعجز إلى أكثر من 8% وهي نسبة مرتفعة وفي تصاعد مستمر اذا لم تُتخذ التدابير المناسبة لخفض هذا العجز، خاصة مع تأرجح أسعار النفط .
وفي رأيي أنه عند الأزمات ومنها الأزمة المالية في البلاد ، من الأهمية بمكان اللجوء لقاعدة الضرورة التي تعني أن سلامة الدولة فوق أي اعتبار، حتى وإن تجاوز هذا اللجوء النصوص الدستورية ، والنظر إلى سحب صفة السيادية التي غطّت أغلب وزارات الحكومة من أجل رفع الحصانة عنها ومساءلتها كوزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الطاقة ووزارة المالية ، ومراقبة أهم الإجراءات لإدارة الشؤون المالية والاقتصادية، وأن يكون للهيئة البرلمانية (مجلس عمان) دور حقيقي في المشاركة السياسية ودعم القرار.
الأزمة المالية في البلاد تواصل الصعود وتستمر في الضغط على معيشة المواطنين ، ومستقبل الشباب الذين لا يجدون عملًا منذ سنين ولا يترقون في وظائفهم يقلق المجتمع ، والحكومة لا تزال حائرة لا تجد حلًا إلا في فرض الضرائب والاستدانة والمزيد من تراكم العجوزات المالية لتغطية النفقات.
هذه الأزمة تستحق أن تشكل لها لجنة وطنية عليا لإدارتها والتخفيف من آثارها ، فهي قائمة منذ سنوات ولا يوجد بصيص نور لحلها إلا من خلال برميل النفط مصدر الدخل الرئيس للبلاد، النفط الذي لا نملك قراره ويخضع لتقلبات سوق العرض والطلب .
كثير من البلدان حقيقة تجاوزت منذ عقود فكرة الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للدخل وأن تعلّق مصيرها على سلعة واحدة ، وذهبت إلى تنويع مصادر دخلها وإلى وضع برامج اقتصادية وصناعية كبيرة صبرت عليها ثـمّ نجحت، وإذا تراجع سعر البترول فإن ذلك التراجع لا يؤثر على نهضتها وخططها وبرامجها الإنمائية، ومنها دول نفطية كبيرة قريبة من عُمان .
على مجلس الشورى ومعه مجلس الدولة أن يتعاونا مع الحكومة للبحث عن حلول ولا يتفقا معها في كل ما تقوم به وتتتخذه من قرارات ، لأن المسؤولية مشتركة والوطن يهمُّ الجميع وكما يقال إذا اتفقت السلطتان التنفيذية والتشريعية فمرحبًا بالفساد.
ومن الأهمية بمكان أيضاً تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات والدفع أكثر بمبدأ دولة القانون والمؤسسات ونقله من الواجهة الإعلامية إلى ممارسة حقيقية تطبق على أرض الواقع ، وأن تؤدي كل سلطة دورها وواجبها باستقلال تام دون وصاية من سلطة أخرى عليها ، كي يتسابق الجميع لتقديم الأفضل لعمان ولأجيالها الوطنية الصاعدة حاضرًا ومستقبلًا .
وكما هو معروف فان الحقوق او السُّلطة تُنتزع ولا توهب وعلى مجلس الشورى ان ينتزع سلطته ويقول ها انا ذا موجود وشريك حقيقي في تقرير مصير الوطن وان يطالب باختصاصاته التي تنازعه الحكومة عليها ، وان تطلب الامر احالة تنازع الاختصاص هذا للمحكمة العليا المختصة بالرقابة على دستورية القوانين وتنازع الاختصاص وفق ما نص عليه قانون السلطة القضائية الصادر في العام ٢٠٠١م ، اي اكثر من عشرين عام.
وان يمارس المجلس اختصاصه الأصيل الممنوح له في النظام الأساسي للدولة وقانون مجلس عُمــان ويستنبط من النظام الاساسي ما يستطيع استنباطه من القوانين التكميلية التي تشفع له القيام بدور اكبر وجهد وطني اعم واشمل ، لا ينتظر توجيهًا او توصية ليتدخل في ما هو خير لعُمـان ، واذا ما صادف مقاومة او ممانعة من سلطة اخرى قوية في البلاد ينكمش على نفسه ويخيم الصمت على قاعاته ولا يتدخل بخير، وتنتهي فترته دون ان يسجل في ذاكرة الوطن موقفا يشفع له للبقاء والاستمرار من اجل المشاركة في دعم القرار السياسي.
على مجلس الشورى واجب نحو الوطن وواجب اكبر نحو القسَم الذي اداه امام الله وامام الشعب فهل سيلبي نـداء الواجب ام يكتفي بالصمت والسكون واطلاق البيانات والظواهر الصوتية التي لا تتجاوز آذان السامعين وتتكرر في كل فصل برلماني وفي كل فترة .
د. صالح المسكري