يُمثِّل الحديث عن البُعد الجَمالي والحضاري والسيكولوجي لمحافظة مسقط، كمدينة مستدامة محفِّزة للنُّمو ذات جودة عالية للحياة، وموطن آمن للعيش، وتعزيز حضورها في المنافسة العالَميَّة للمُدُن المستدامة التي توظف التقنيَّة وتستفيد من الممارسات الفضلى للتخطيط الحضري حَوْلَ العالَم، وتستوعب جوانب التحَوُّل الحاصلة في المُدُن الذكيَّة واحتياجات الإنسان؛ محطَّة مهمَّة لمراجعة الكثير من الجوانب التي باتت تُشكِّل مظهرًا غير حضاري يؤخِّر تحقيق هذا التوجُّه الوطني، أو يتنافى مع الاستراتيجيَّة العمرانية نَحْوَ مسقط الكبرى، والمنبثقة من رؤية عُمان 2040 التي أعطت محور تطوير المحافظات والمُدُن المستدامة أهمِّية في مُكوِّناتها ومن خلال أهدافها، «مُدُن ذكيَّة ومستدامة نابضة بالحياة وريف حيوي بجودة عمرانيَّة عالية للمعيشة والعمل والترفيه» لضمانِ أنَّ التوجُّه المستقبلي لشكلِ المُدُن الرئيسة في سلطنة عُمان ـ ومِنْها محافظة مسقط ـ، يساعد على تسريع وتيرة النُّمو والانفتاح على الأسواق العالَمية من خلال تهيئة بيئات إنتاجيَّة لجذب الاستثمارات، وزيادة الكفاءة الاقتصاديَّة، وتهيئة بيئات ملائمة للعيش.. لِتصبحَ مصدرًا لتحفيز النُّمو، وموطنًا آمنًا للعيش».
وبالتَّالي أن يصحبَ تحقيق ذلك ـ خصوصًا عِند الحديث عن محافظة مسقط الواجهة الحضاريَّة المباشرة لسلطنة عُمان ـ، جهد استثنائي على أرض الواقع، يقوم على مبدأ الشراكة الاستراتيجيَّة مع المواطن وخلق تناغم مُجتمعي يتفاعل مع أبجديَّات التحَوُّل الشامل، والتوجُّه نَحْوَ التخطيط الحضري لتعزيز جودة الحياة والأمان النَّفْسي لسكَّان الأحياء السكنيَّة عَبْرَ معالجة نواتج عشوائيَّة التخطيط وتداخل الصناعيَّات مع الأحياء السكنيَّة ـ كما هو حاصل في منطقة المعبيلة ومنطقة الوادي الكبير، وبالتَّالي إزالة كُلِّ المعيقات والمشوِّهات والمثبِّطات والمُرهقات التي باتَتْ تُشكِّل حجر عثرة أمام استقرار السكَّان وراحتهم وأمنهم وأمانهم، وإنَّ من بَيْنِ العشوائيَّات الناتجة عن غياب التخطيط الحضري والرؤية المستقبليَّة في إدارة المُدُن، وتتعارض من الفرضيَّة التي تمَّ طرحها من خلال أولويَّات رؤية عُمان 2040 والاستراتيجيَّة العمرانيَّة، والتي أصبحت تُمثِّل أحَد هذه المشوِّهات للسلوك الحضاري والتوجُّه نَحْوَ تحقيق الاستدامة في محافظة مسقط، «سُوق السيارات المستعملة في المعبيلة الجنوبية» ـ والذي رغم مطالبات الأهالي وسكَّان المنطقة والمترددين على صناعيَّة المعبيلة بتغيير موقعه، إلَّا أنَّ الاستجابة الخجولة من بلديَّة مسقط وحالة البطء في الإفصاح عن التوجُّه القادم بشأنه باتَ يُمثِّل أحَد هذه النماذج السلبيَّة التي تستدعي اليوم مراجعة مع النَّفْس وتصحيحًا للمفهوم المؤسَّسي حَوْلَ إرادة التطوير والقناعة به، والذي يجِبُ أن يرسمَ أمام المواطن صورة تفاؤليَّة تتيح له مساحة أكبر للتأمل في الصورة المستقبليَّة التي تحدَّثت بها لُغة رؤية عُمان 2040، ومستوى الجديَّة في التفاعل معها وحُسن تأطيرها وتجسيدها في واقع الممارسة والقرار القادم.
ورغم التشاؤم الذي يبديه البعض في تناولنا لهذا الموضوع، نظرًا للتعاطي الخجول من الجهات المعنيَّة للنداءات والمطالبات المتكرِّرة من المواطنين وسكَّان المنطقة المتضرِّرة من وجود هذا السُّوق أو المتَّجِهين إلى المنطقة الصناعيَّة بالمعبيلة، إلَّا أنَّنا ما زلنا نتجمَّل بروح التفاؤل والإيجابيَّة، منطلِقين من النَّهج السَّامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم وعاطر النُّطق السَّامي لجلالته ـ أعزَّه الله ـ في تدشين مدينة السُّلطان هيثم ـ إرث المستقبل ـ؛ لذلك فإنَّ طرحنا لهذا الموضوع ـ أو المطالبة إنْ صحَّ التعبير ـ يأتي في ظلِّ إيمانٍ عميق بأنَّ بناء المُدُن الذكيَّة وتحقيق الاستدامة وتعظيم مفهوم جودة الحياة عَبْرَ التخطيط الحضري يتأكَّد اليوم في قدرة الجهات المعنيَّة على مدِّ جسور التواصل مع المواطن والمُقيم؛ باعتباره شريكًا في المسؤوليَّة وشريكًا في الإنجاز، وأنَّ قياس الرأي العامِّ من خلال المسوحات وأدوات الاستطلاع والبحوث أو من خلال تحليل ما يرد في المنصَّات الاجتماعيَّة والمنتَج الفكري اليومي في الصحف عَبْرَ المقالات والآراء الصحفيَّة والاستطلاعات الدَّوْريَّة، أحَد أهمِّ الممكنات التي تستخدمها المُجتمعات المعاصرة في عمليَّات التطوير والبناء وإعادة هندسة بناء المُدُن، وهو الأمْرُ الذي باتَ يمنحنا الأمل بأن تراجعَ الجهات المعنيَّة ـ ممثَّلةً في محافظ مسقط وبلديَّة مسقط والشركاء ـ هذا الموضوع، وتبدأ بالتفكير في رسم ملامح التحَوُّل فيه بما يُحقِّق الصالح العامَّ، انطلاقًا من الرؤية السَّامية لمولانا جلالة السُّلطان المُعظَّم في بناء عُمان المستقبل وتحقيق رؤيتها الطموحة في تعظيم مسار الشراكة المُجتمعيَّة، وتعزيز اللامركزيَّة والإدارة المحليَّة، وتفعيل دَوْر المجالس البلديَّة ونظام المحافظات وبعض الصلاحيَّات الممنوحة لعضو مجلس الشورى.
وبالتَّالي فإنَّ المعوَّل اليوم على محافظة مسقط والمجلس البدي بولاية السيب وأعضاء مجلس الشورى في تحريك هذا الملف، وإعادة التفكير في الخيارات والبدائل المطروحة واتِّخاذ قرار جريء بنقل هذا السُّوق ـ إن صحَّت تسميته ـ واتِّخاذ قرار بأهمِّية نقل هذا السُّوق من موقعه؛ كونه لَمْ يَعُدْ في موقعه الصحيح نظرًا للمظهر غير الحضاري الناتج عَنْه، وتداعياته السلبيَّة على سكَّان المنطقة ومستخدمي الطريق من حيث: إعاقة الحركة المروريَّة، حيث يقضي مستخدم الطريق الذي ينتصف السُّوق والمُتَّجه إلى منطقة المعبيلة الصناعيَّة ما يقرب من ساعة زمنيَّة أو يزيد في مسافة لا تزيد عن 2كم من دوَّار حيِّ التضامن إلى دوَّار الصناعيَّة المحاذي لبنك مسقط، معاناة يوميَّة تزيد حدَّتها من السَّاعة الرابعة عصرًا ولساعات متأخِّرة من الليل، ناهيك عمَّا باتَ يسبِّبه وجوده في وسط الأحياء السكنيَّة من إقلاق للرَّاحة العامَّة للسكَّان القاطنين في منطقة سُوق السيارات المستعملة والمناطق المجاورة لها، وانتهاك خصوصيَّة السكَّان واستقرارهم وأمنهم في ظلِّ ما باتَ يتردَّد عَلَيْه من جنسيَّات مختلفة، بالإضافة إلى عرقلة حركة تنقُّل سكَّان المناطق التي تستخدم هذا الشارع للوصول إلى المراكز التجاريَّة بسبب الاختناق المروري، وحجم المعاناة المستمرَّة التي يواجهها سكَّان المنطقة، خصوصًا ومستخدمي شارع الإعمار المُؤدِّي إلى المنطقة الصناعيَّة والأحياء السكنيَّة الموصّلة بالشارع مثل: حي البركة وحي المنطقة الثامنة وحي الصناعيَّة وحي العز وحي التضامن وغيرها من الأحياء السكنيَّة التي باتَتْ تُعاني من أثَر هذا الطريق، وما يُسبِّبه غياب التنظيم والتقنين والمواقف من وقوف المَركبات والبائعين والمشترين على جانبَي الشارع، ناهيك عن وجود المطبَّات، والأعمال الإنشائيَّة لمتنزه المعبيلة، وما يظهر أيضًا من السلوك غير الحضاري الذي تُمارسه بعض الجاليات العربيَّة في استيقاف أصحاب المَركبات المارَّة بالطريق ـ دُونَ مراعاة لخصوصيَّة مَن هُمْ في المَركبة ـ للتفاوض معها في عمليَّات البيع والشراء في مظهرٍ باتَ يُشوِّه الصورة الحضاريَّة للسَّمْت العُماني.
من هنا نعتقد بأنَّ نقْلَ هذا السُّوق ضرورة حتميَّة لا تنتظر التأخير ولا تقبل المبرِّرات التي يُمكِن أن تتحدَّثَ بها الجهات المختصَّة في بلديَّة مسقط، بحيث ينقل هذا السُّوق إلى المنطقة المحاذية لمسلخ بلديَّة مسقط على يمين شارع مسقط السريع بالاتِّجاه إلى الخوض؛ كونها منطقة واسعة ومرتبطة بالشارع العامِّ، حيث بدأت بلديَّة مسقط بتأهيلها وتهيئتها لهبطات عيد الأضحى وعيد الفطر، ومع بعض التطوير وإضافة الخدمات الأساسيَّة كدَوْرات المياه أو بعض المكاتب للاستئجار وإعادة تنظيم المنطقة بالشكل اللائق الذي يضْمَن الحدَّ من العشوائيَّة، ويعطي فرصة لنمو العادات الحديثة في التفاوض والبيع والشراء وإيجاد مكاتب لتأمين السيَّارات والوساطة في بيع السيارات المستعملة والمقاهي والمطاعم التي يحتاجها مستخدمو هذا السُّوق، سوف ينعش من منطقة المسلخ، ويقلِّل من حجم الازدحام الحالي باتِّجاه صناعيَّة المعبيلة، خصوصًا أنَّ تلك المنطقة مستقلَّة بذاتِها عن المساكن التي بدأت تنتشر في تلك المنطقة، ويُمكِن إضافة بعض المتطلبات الأساسيَّة لها بحيث تكُونُ مسوَّرة وآمنة وتتناسب مع معايير الأمن والسَّلامة التي يشترط توافرها في أسواق بيع السيَّارات المستعملة، بما يسهل التعامل مع أيِّ حدث طارئ، أو حالة عرضيَّة كحريق أو غيره؛ وخيارات أخرى مِثل نقْلِ هذا السُّوق إلى منطقة السندان أو كذلك خزائن الصناعيتَيْنِ.
أخيرًا، نؤكِّد على أهمِّية أن تراجعَ بلديَّة مسقط قراراتها بشأن هذا السُّوق وتوجيه الاهتمام والتنسيق مع الجهات المختصَّة بنقله إلى هذه المناطق المقترحة، وأن تتَّخذَ وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قرارًا بشأن تنظيم بيع السيَّارات المستعملة، بحيث يتمُّ التأكيد فيه على جملة من الموجِّهات من بَيْنِها: أن يكُونَ نشاط أسواق بيع المَركبات المستعملة في المُخطَّطات الصناعيَّة بعيدًا عن المنازل والمناطق السكنيَّة أو المؤسَّسات التعليميَّة، ومنع أيِّ سلوك غير حضاري يُمارسه الممارسون لهذا النشاط كإيقاف المَركبات دُونَ مراعاة خصوصيَّة مَن فيها أو التجمُّعات على جانبَي الطريق، وتصبح عمليَّات التقنين والتصحيح ونقْل هذا السُّوق؛ الطريق للمحافظة على السلوك العامِّ والتداعيات الأمنيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المرتبطة بهذا السُّوق والتي أشرنا إلى بعضها، بالشكل الذي يضْمَن القضاء على العشوائيَّة والضوضاء التي باتَ يُسبِّبها موقع هذا السُّوق في الأحياء السكنيَّة، على أنَّه وفي ظلِّ انتشار وجود معارض بيع السيَّارات المستعملة المرخَّصة يطرح وجود هذا السُّوق علامات استفهام كبرى حَوْلَ الصورة التي يقدِّمها، بما يؤكِّد اليوم على أهمِّية في الوقوف على حيثيَّاته والممارسة الحاصلة فيه، وتعزيز نشاط بيع السيَّارات المستعملة وفق ضوابط محدَّدة تُعزِّز من مساهمة المؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة فيها، فإنَّ من شأن ذلك أن يسهمَ في رفع درجة المصداقيَّة والموثوقيَّة في هذه الأسواق من خلال توفير أنشطة الفحص والتأمين ومكاتب بيع وشراء السيَّارات المستعملة أو التوريد والتصدير وغيرها، كما يُمكِن أن يسهمَ إعادة تقييم هذه الأسواق في الحدِّ من التجاوزات أو الإشكاليَّات المرتبطة بالأعطال غير المكتشفة في السيَّارات المباعة في السُّوق، بالإضافة إلى القضاء على التجارة المستترة والأنشطة المنافسة غير المرخَّصة، في ظلِّ جهل مصدر هذه السيَّارات، وضمان التواجد المستمر لدَوْريَّات شُرطة عُمان السُّلطانيَّة والجهات ذات الصِّلة في إدارة وضبط الممارسة التفاوضيَّة في هذه الأسواق. فإنَّ الآمال معقودة على تجاوب بلديَّة مسقط مع هذا الأمْرِ، ونحن على ثقة تامَّة بأنَّ قيادة بلديَّة مسقط، ممثَّلةً في سعادة المهندس رئيس البلديَّة، سوف تتجاوب مع هذا الأمْرِ خدمة للصالح العامِّ.
د.رجب بن علي العويسي