عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم جاءت كرد فعل طبيعي بعد أن فاض الكيل بالشعب الفلسطيني مما يتعرض له من جرائم وحشية وانتهاكات وقمع واعتقال وسلب للممتلكات والأراضي وقيد للحريات وكل ما يتصوره الإنسان من استفزاز وظلم وقهر ناهيك عن الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى.. ورغم أن النظرية الرياضية تقول إن “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار” إلا أن قصف طوفان الأقصى أقل بكثير من العدوان الظالم والغارات الجوية والقصف الشامل الذي تشنه قوات الاحتلال.
إن إسرائيل تواصل اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني الأعزل وتحصد القتلى والجرحى من الأبرياء والأطفال وتحطم البنى التحتية وبالرغم من ذلك فإنها تشتكي أن الفلسطينيين من يقومون بمهاجمة الدولة العبرية وهو ما اضطرها للرد وشن العمليات العسكرية لتضلل بذلك العالم وتقلب الصورة رأسا على عقب ويتحول الضحية لجان والعكس صحيح.. فالدولة العبرية تتهم الفلسطينيين بأنهم إرهابيون ودعاة الموت لا يعرفون ماذا تعني الإنسانية!! ونحن نرد عليها ونسألها ألا تستخدم بلادكم أشد الأسلحة فتكا لقتل الفلسطينيين دون التفرقة بين القاعدة العسكرية أو المدرسة أو المستشفى أو المبنى السكني للشعب الأعزل أو الحقول الخضراء وغيرها من المناطق السلمية التي لا ناقة ولا جمل لأصحابها فيما يدور من حرب ضروس؟.
إن الدولة العبرية منذ أن انزرعت زورا وبهتانا في المنطقة وهي تقوم بارتكاب جرائم في حق الشعب الفلسطيني فنرى أذرعها كأذرع الأخطبوط تمدها في كل مكان لتخرب بها حال الفلسطينيين فهي تعيق تنقلاتهم وتحدد إقامتهم وتمنع وصول الطلاب لمدارسهم وتسيطر على منابع المياه الخاصة بهم لتمنع تطوير زراعتهم وتحول دون تبادل الزيارات بين الأقارب وتصادر أراضيهم ومنازلهم وتحرق أشجارهم ويتعامل معها بعد ذلك المجتمع الدولي بسياسية الكيل بمكيالين ويغض الطرف عن انتهاكاتها ولم يقم بفرض أية عقوبات عليها وهو ما شجعها لتفعل ما يحلو لها ومواصلة اعتداءاتها وانتهاكاتها ضاربة عرض الحائط بالشرعية الدولية.. فقد كان الصمت الدولي والخرس العربي وتشرذم الفلسطينيين الأوراق الرابحة التي أعطت الصهاينة الضوء الأخضر كي يعبثوا بمقدرات غيرهم وبما يحقق مصالحهم دون مراعاة لأي قوانين فهي تريد أن تصنع لها تاريخا وتخلق لها تراثا بأي ثمن ودون حياء حتى ولو على أنقاض التاريخ الإسلامي والهوية العربية.
لاشك أن الخطط الإسرائيلية لم تعد تخفى على أحد فهي تسعى حثيثا لمحو عروبة القدس وفصلها عن بقية الأراضي الفلسطينية بل تهويد الأراضي المحتلة بأكملها.. فأقامت جدار الفصل العازل ثم أشرعت في بناء مستوطناتها الجائرة على الأراضي الفلسطينية كما أنها غيرت أسماء الشوارع وزرعت نقاط التفتيش والمعابر في كل شبر بالأراضي المحتلة وغير ذلك من الانتهاكات التي ترتكب جهارا نهارا ولا تجد رافضا واحدا لها.. والغريب أن ديدن إسرائيل دائما هو عدم الامتثال لقواعد الشرعية الدولية وتحدي القوانين بشكل سافر وانتهاك حقوق الإنسان في تعاملها مع الفلسطينيين إلا أن المنظمات الدولية المختلفة لا يجرؤ أي منها على إدانة بني صهيون أو حتى توجيه اللوم لهم وكأن من حقها أن تفعل ما تشاء دون رادع.
الغريب أن المجتمع الدولي اعتبر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة “دفاع عن النفس” فلماذا لم يعتبر هذا المجتمع الذي يكيل بمكيالين أن ما قام به الفلسطينيون كذلك “دفاع عن النفس” في ظل ما يعانونه من حصار خانق منذ سنوات والذي يغض المجتمع الدولي عنه الطرف ولم يفعل ما ينقذ الشعب الفلسطيني من براثن العدو الصهيوني الغاشم؟.. وللأسف أبواق الإعلام الصهيوني تبث في كل مكان بالعالم بأن إسرائيل هي المجني عليها وتتباكى بدموع التماسيح وتدعي أن صواريخ المقاومة الفلسطينية تسبب لها الكثير من الألم والخسائر المادية والنفسية وأنه من حقها الدفاع عن نفسها وتغض الطرف عما تسببه آلياتها العسكرية من تدمير وخسائر في الجانب الفلسطيني.. لذلك فإنه ليس من المتوقع أن ينصف المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني طالما أن صوته لم يسمع في الأروقة الدولية.
السؤال الذي يفرض نفسه ماذا يمكن أن تفعل الدول العربية والإسلامية حيال العدوان على الأشقاء في الأراضي المحتلة؟.
لاشك أنه ليس في يد العرب الكثير من الأوراق التي تستطيع بها الضغط على إسرائيل واتخاذ موقف صارم من الاعتداءات الصهيونية.. لأنها تريد الحفاظ على مصالحها مع الولايات المتحدة الراعي الرسمي للطفل المدلل إسرائيل وكالعادة لا يملكون سوى الشجب والاستنكار والتنديد خاصة وأن أغلبية الدول العربية تعاني من أزمات اقتصادية شديدة وتمضي في خطط التنمية التي لا تريد أن تعرقلها أي ظروف.. كما أن ميزان القوى العالمي يميل صوب الجانب الإسرائيلي.. ورغم ذلك فإنه لا خيار أمام الفلسطينيين والعرب ككل لمواجهة الدعم والموافقة التي تحصل عليها الدولة العبرية يوميا من أمريكا والغرب بالتمادي في أفعالها سوى التوحد ولم الشمل والوقوف صفا واحدا ونبذ الفرقة والخلاف.. فالعدو مشترك ووجهات النظر يمكن تقريبها من أجل استعادة الحقوق التاريخية المسلوبة فجميع المجازر الإسرائيلية لم تستطع انتزاع شرعية الوجود الفلسطيني نتيجة تمسكه بأرضه حتى صار الشعب الفلسطيني أسطورة في الصمود والدفاع عن الأرض فلا نريد أن يأتي اليوم الذي نشعر فيه أن الدماء التي أريقت في سبيل ذلك إنما ذهبت هباء ودون ثمن.. بل يجب أن نشعر الفلسطينيين بدعمنا لهم وأننا نقف في صفهم حتى ولو بطريقة شفوية وليست عملية على أرض الواقع.
إن إيماننا بالمقاومة الفلسطينية عظيم وأملنا فيها كبير فقد أثبتت عبر التاريخ قدرتها الفائقة على الصمود وفي نفس الوقت تظهر مدى الضعف الإسرائيلي وتفند قوتها الكاذبة التي يجسدها التخبط الذي تقوم به من خلال قصف قطاع غزة بعشوائية.. إلا أننا نأمل أن يتوقف العنف بين الطرفين لأن المدنيين هم من يدفعون الثمن.. فالتصعيد ليس هو الحل ولن يعيد الحقوق المهدرة بل يتسبب في إراقة المزيد من الدماء وخراب البيئة المحيطة وتدمير البنية التحتية وتزايد الخسائر الفلسطينية.
لا يسعنا إلا مشاركة الفلسطينيين حدادهم على شهدائهم ونرجو أن يستمعوا لصوت الضمير الوطني فينحوا خلافاتهم جانبا ويقفوا صفا واحدا في وجه العدو المشترك وندعو الله أن ينقذهم من الموت الذي يحاصرهم من كل جانب.
ناصر بن سالم اليحمدي