تستمر الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني ضد حركة حماس منذ ما يقرب من شهر، لقد اختار الكيان الصهيوني استراتيجية التصعيد البطيء والتدريجي، ووصف رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” خطته لقطاع غزة في خطاب متلفز : “المرحلة الأولى – الحصار – اكتملت، المرحلة الثانية – الهجمات الجوية – تستمر طوال الوقت، المرحلة الثالثة: قيام الجيش (الإسرائيلي) بتوسيع اجتياحه البري إلى قطاع غزة.”
إن الهجوم الصهيوني البربري البري البطيء، له عدة أهداف. أولاً، الحفاظ على مساحة لصفقة محتملة مع حركة حماس لأنهم يحتجزون أكثر من 230 رهينة تحمل جوازات سفر من 25 دولة مختلفة، وثانياً، لتجنب وقوع إصابات خطيرة بين الجنود الصهاينة، خاصة وأن عدد الخسائر (وفقاً لمصادر مختلفة، الآن من 350 إلى 700 شخص) وسيرتفع حتماً إلى الآلاف بمجرد أن يتعلق الأمر بأصعب شيء المعركة تحت الأرض أي حين الوصول إلى أنفاق المقاومة الفلسطينية.
وعلى مدار عدة سنوات، تمكنت حماس من بناء مدينة ثانية تحت الأرض بالقرب من غزة، وتشكل الأنفاق المسلحة بالخرسانة المسلحة شبكة يصل طولها إلى 500 كيلومتر، وتتكون في بعض المناطق من عدة مستويات بعمق إجمالي يصل إلى 80 متراً، حيث يمكن قيادة العديد من الأنفاق بواسطة السيارات، ويوجد داخل هذه الشبكة مراكز اتصالات ومراقبة مخفية، ومستودعات، وصوامع إطلاق صواريخ، وممرات سرية تقع خارج محيط الجيب، هناك أيضاً العديد من الفخاخ التي تم إنشاؤها للذين يجرؤون على اقتحام هذه الأنفاق، بمعنى أوضح ستكون هذه اللحظة التي يصل فيها الجيش الصهيوني بمثابة مقبرة لهم.
وبالنظر على هذه المعطيات، فهذا يعني أن هذه الحرب ستكون طويلة، ويتوقع فترة تصل إلى ستة أشهر، وهذا يعني أن الوضع الإنساني في غزة، الصعب أصلاً، سيصبح بكل بساطة مفجعاًوهذا قمة الألم والخسارة التي من الممكن أن تتلقاها المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الصامد.
ووفق الإحصائيات الأخيرة، مسؤولون في وزارة الصحة في غزة ومنظمة اليونيسف أنه نتيجة للقتال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، استشهد 8525 مدنياً، من بينهم 3542 طفلاً (133 رضيعاً تحت عمر السنة) و2187 امرأة، وترد قائمة حزينة بالأسماء والمعلومات الشخصية في تقرير وزارة الصحة.
كما أن أكثر من 1.4 مليون من السكان المدنيين في غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة يعيشون بدون مأوى أو ماء أو كهرباء أو دواء، وهذه الأرقام تتزايد كل يوم من أيام الحرب.
وفي الأيام الأخيرة، كان الموضوع الأكثر إيلاماً هو مستشفيات غزة، حيث لم يتراكم الجرحى فحسب، بل أيضا آلاف المدنيين، وعلى مقربة من عشرات المستشفيات المكتظة (بما في ذلك المستشفيات الإندونيسية والأوروبية والتركية الفلسطينية والقدس، وما إلى ذلك)، والتي تُركت بدون ماء وكهرباء، يتم توجيه المزيد من الضرباتالصهيونية، ما يجعل عمل المستشفيات صعباً للغاية.
وتدريجياً، ونتيجة لهذا الوضع غير المسبوق لقوة ترتكب يومياً جرائم حرب مخالفة الأعراف والقوانين الدولية، يتزايد الانقسام في العالم حول الحرب في الشرق الأوسط، وبالإضافة إلى إيران وسوريا ولبنان وتركيا ودول الخليج والجنوب العالمي، يضم المعسكر المندد بالتصرفات الصهيونية دولاً عربية سعت مؤخراً إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ويتزايد الصدع بين الدول الأوروبية الأطلسية وبين القوى السياسية داخل هذه الدول، أما وفي الولايات المتحدة، أعطى المجلس الوطني الإسلامي للرئيس بايدن إنذاراً غير مسبوق: التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإلا فإن المؤمنين سيحرمون الديمقراطيين من أي دعم في الانتخابات.
بالتالي، إن الوضع في العالم لم يصل بعد إلى النهاية ولكن الوقت قد اقترب، أسوأ ما في هذا الوضع هو أن البشرية مرة أخرى، كما كان الحال قبل الحربين العالميتين، ليس لديها أي منصة تنظيمية قادرة على وقف الكارثة العسكرية الزاحفة بشكل فعال، وهذا قد يتوسع ليشمل العالم أجمع لأن حرب الإبادة التي ينتهجها الكيان الصهيوني ستحدث زلزالاً عالمياً من الاقتتال، ويبقى الأمل مع المقاومة التي ستوقف هذا الشر وتنقذ الأقصى والقدس وفلسطين من شرور المغتصب الأرعن المذلول والذي ينتقم من العزّل والمدنيين لأن أخلاقه صفر ومن يواليه.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.