أكدت الحرب في أوكرانيا أن الدول الغربية فقدت نفوذها في قضايا الحكم الدولي، وإن موقفهم من الصراع بين الكيان الصهيونيوحركة حماس يظهر أنهم لم يدركوا بعد مدى التعقيد الكامل للوضع.
إن الخلافات بين الغرب وبقية العالم أصبحت أكثر وضوحاً بعد الضربة الانتقامية “الإسرائيلية” على قطاع غزة، وجدير بالذكر أن الصراع الصهيوني الفلسطيني، يشكّل مصدراً تاريخياً للتوتر بين دول الشمال والجنوب، التي طالما اعتبرت فلسطين (إلى جانب جنوب أفريقيا) آخر الأراضي الخاضعة لعملية إنهاء الاستعمار العالمي،وقد ظهر هذا الانقسام واضحاً في الصدامات الدبلوماسية العديدة التي وقعت في منتديات الأمم المتحدة بعد حرب عام 1967.
وبعد سقوط منظمة التحرير الفلسطينية، كان هناك شعور واضح بتضييق الفجوة بين الغرب وبقية العالم، ومع ذلك، فإن الحرب الجديدة بين الكيان الصهيوني وحماس أدت إلى تفاقم هذا الانقسام، ويبدو أن الحكومات الأوروبية استخفت بالعواقب الجيوسياسية لهذا الصراع.
بالتالي، لقد أصبح الفارق بين الغرب والجنوب العالمي واضحاً في اليوم التالي للأحداث المروعة التي وقعت خلال الضربات الانتقامية الصهيونية على المدنيين في قطاع غزة، وبتحليل أكثر تفصيلاً لردود الفعل الرسمية يمكن التمييز بين ثلاث مجموعات من البلدان:
كان رأي الدول الغربية والعديد من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وكذلك الهند، لا لبس فيه – فقد أدانوا هجوم حماس، لكنهم لم يدعوا إلى حل الصراع، ومن ناحية أخرى، رحبت معظم الدول الإسلامية التي لا تعترف بما تسمّى دولة “إسرائيل” بتصرفات حماس، ومن بين الدول النامية في الجنوب العالمي، يمكن للمرء أن يجد دولًا أعربت عن تضامنها مع “إسرائيل” ودعت إلى وقف التصعيد.
ومع ذلك، أصبحت الانقسامات بين الغرب وبقية العالم أكثر وضوحاًفي الأيام التالية، حيث رد الكيان الصهيوني على هجوم حماس في قطاع غزة بالوحشية والقسوة التي كانت متوقعة نظراً لموقف حكومة اليمين المتطرف.
ومع اتضاح الظروف المحيطة بحدوث كارثة إنسانية ثانية، واصل الممثلون الأوروبيون التأكيد على “حق “إسرائيل” المشروع في الدفاع عن النفس”، وقد أطلق ذلك العنان لهم عملياً.
كما أن عدم الاستجابة أو عدم كفاية الاستجابة لقرار الكيان الصهيوني بحرمان أكثر من مليوني من سكان قطاع غزة من الوصول إلى المياه، على الرغم من الدعوات المثيرة للقلق من المنظمات الإنسانية غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة، يوضح بشكل أفضل الرغبة السياسية للغرب، حتى من خلال تأييدها الجماعي لعقاب شعب كامل أعزل، وذلك لإظهار “تضامنها الثابت مع الكيان الصهيوني، منتهكة أبسط مبادئ القانون الإنساني الدولي.
أضف إلى هذا قمع التضامن مع الشعب الفلسطيني في أوروبا، فيتولد لدى المرء شعور بأن القوى الغربية تعطي قيمة أقل لحياة العرب مقارنة بحياة “الإسرائيليين” أو الأوكرانيين، ويعزز هذا الانطباع أن السلطات التي تعبر لها الدول الغربية عن دعمها تستخدم لغة تضع الفلسطينيين خارج الحضارة أو حتى الإنسانية، بالتالي، هل يمكن أن يكون هذا مثالاً على أطروحة إنهاء الاستعمار الجذرية والمثيرة للقلق حول وجود تسلسل هرمي عرقي وعرقي عالمي في العالم؟
إن إدانة التورط الغربي في جرائم الحرب “الإسرائيلية”، سواء كانت حقيقية أو متصورة، بالتالي، يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار المسار التاريخي، والتأطير الإعلامي، وتعبئة الهويات العرقية والدينية من خلال الشبكات الاجتماعية، إن الانطباع بوجود معايير مزدوجة فيما يتصل بالقانون الدولي وحقوق الإنسان يثير ردود فعل غاضبة، ليس فقط في العالم العربي الإسلامي، بل وأيضاً في بلدان الجنوب المهمة مثل جنوب أفريقيا، والمكسيك، وكولومبيا.
ويزعم البعض أن حجم وطبيعة الهجوم الذي شنته حماس خطير إلى الحد الذي يجعل من الواجب إنقاذ “إسرائيل” باسم الأخلاق،بالمقابل ما ارتكبه الكيان الصهيوني لا يمكن مقارنته بما قامت بهحماس.
واليوم، في الجنوب العالمي، تبدو مواقف الصين وروسيا والبرازيل أكثر توازناً ومسؤولية، ومنذ البداية أصروا على ضرورة تجنب الصراع، والاحترام الصارم للقانون الإنساني، وربط حله باحترام الحقوق الوطنية للفلسطينيين.
بالتالي، تظهر الحرب في أوكرانيا فقدان الدول الغربية لنفوذها في مجال الحكم الدولي، ويبدو أن موقفهم من حرب غزة يشير إلى أنهم لم يدركوا بعد المدى الكامل للأزمنة المتغيرة، إن التكلفة الجيوسياسية المترتبة على هذا “العمى” سوف تكون باهظة، حيث أن خصوم الغرب سوف يستغلونها بشكل منهجي في الأعوام المقبلة، مع خطر تسريع عملية “عدم التغريب” في العالم.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.