في ظل حملة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتحديداً ما يحدث في قطاع غزة، غزة الآن وبكل ما تحمله الكلمة من معنى “تُباد”، والشعب الفلسطيني بكل أطيافه “يُباد”.
المفارقة العجيبة أنهم يقولون إن الحرب المعلنة هي ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية لكن واقع الحال وأمام مرأى ومسمع الجميع كلهم يشاهدون من يُقصف إنهم المدنيين العزّل من النساء والأطفال وكبار السن وكلهم من الأبرياء، حيث يقوم الكيان الصهيوني بجرائم بحق الإنسان الفلسطيني والإنسانية، إن مناظر الأشلاء التي نشاهد لا يتحملها عقل بشري، ما يحدث حتى المتوحشون لا يفعلون ما يقوم به الكيان المجرم، فما يحدث وما نشاهد من مناظر مروّعة يقتلنا حرفياً، والجميع صامت وكأنه تخدّر لا بل اعتاد على القتل والتنكيل والحروب ليصبح الإنسان رقم العربي عموماً، والفلسطيني على وجه الخصوص.
وهذا يعني أن الضمير السياسي الغربي من أوروبيين وأمريكيين، صمتوا صمت الخذلان لا الحملان، متواطئون لا ضمير إنساني لديهم، وهذا غريب جداً في ظل خروج اليهود من غير الصهاينة عن صمتهم ومطالبتهم بوقف الحرب وإنقاذ غزة فتأملوا المشهد، حينما خرجوا بمظاهرات منددة بما يحدث إن كان عند البيت الأبيض أو أمام تمثال الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية وكل مدن العالم، لكن لا حياة لمن تنادي لأن من ينادون مجرم خرج من إطار الإنسانية منذ 75 عاماً.
وعلى الصعيد القانوني، أين هي المحكمة الجنائية الدولية مما يحدث ولماذا هي صامتة وممن تخاف؟ ما هذه الانتقائية في قضية العدالة، لقد فقد الجميع ثقته بكل هذه المحاكم الدولية ومنظماتها لصمتها من هول ما يحدث، العدو الصهيوني قفز على قراراتهم وقوانينهم وشعاراتهم لأنه لم يحترم يوماً أي قانون دولي، وهو ما دفع بشعوب العالم للانتفاض على حكوماتها بما في ذلك حكومة الكيان الصهيوني، فقد فقدوا ثقتهم بجيشهم الذي لا يقهر وحكومتهم التي ستكون سبباً في موت الرهائن لا تحاول قيد أنملة إخراجهم لأنها لا تعرف إلا لغة القتل والتنكيل.
حتى القارة العجوز التي لم تستفق بعد من صدمتها وما لحق بها من أوكرانيا، أما حول غزة فقد كشرت عن أنيابها وأظهرت وجهها الحقيقي وسقطت كل الأقنعة بما فيها ادعاءاتهم حول الحرية والديمقراطية والإنسانية، ليكون كل ذلك زيف وكذب وخداع، أوروبا اليوم، تمارس أبشع أنواع الحرب الصليبية لإبادة العرب عموماً والمسلمين بشكل خاص، بالتالي، إن أي إنسان عاقل يرى هذا المشهد يعرف اليوم أن هذه الحرب هي حرب على الإسلام وكل مظاهره.
وتعقيباً على مسألة المحكمة الجنائية الدولية، لا بد من استذكار الوضع تاريخياً، ولن نذهب بعيداً لنتحدث عن الحرب الأخيرة وهي الحرب الروسية الأوكرانية على سبيل المثال، ومن المعروف أن روسيا وأوكرانيا ليستا أطراف في نظام روما الأساسي لكن قبول دعوى أوكرانيا فيها دفعت هذه المحكمة لإرسال لجنة تحقيق للبحث في حقيقة الادعاء، وتم عقد مؤتمر في لندن ممول من أميركا والغرب وهذا واجب عليهم لأنه يمس مصالحهم السياسية والاقتصادية.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هذه القضية العادلة التي صدرت فيها عشرات القرارات من الأمم المتحدة لكن الكيان الصهيوني لم ينفذ أي قرار منها، ومن المعروف أن فلسطين ليست طرفاً من نظام روما الأساسي، ولكن المفارقة هنا أن الكيان المحتل لم ينضم أيضاً إلى هذا النظام، بالتالي، لماذا لم تمارس المحكمة الجنائية دورها مما يجري في فلسطين كما أوكرانيا؟ لم تقم بأي خطوة ولم يتم اتخاذ أي إجراء جدّي حقيقي، حتى خلال قصف المستشفيات سوار المعمداني أو الإندونيسي أو القدس وغيرهم واستهداف الأطقم الطبية والمصابين والجرحى والرضّع وحتى استهداف الكنائس لم تتحرك هذه المحكمة، فهل سمعنا يوماً عن شعب يُباد على مرأى ومسمع العالم كله والجميع صامت كلهم شركاء في قتل فلسطين وكلهم يرتكبون معاً جرائم ضد الإنسانية، حتى بخروج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، حول قصف المشفى المعمداني، كان خطابه ضعيفاً هزيلاً لا يرقى إلى مستوى الحدث وهول عدد الضحايا، وهذا يؤكد مرة جديدة ازدواجية المعايير لدى الغرب، وهذا يؤكد أيضاً أنهم لا يملكون أي استقلالية وكلهم أدوات في خدمة الأمريكي والصهيوني.
بالتالي، إن هذه المحاكم أمام إبادة شعب غزة والتنكيل بأهلنا في فلسطين هي بكل صراحة وباختصار، غير عادلة، وانتقائية في عدالتها، لقد أثبتت أنها مسيسة للدول القوية الفعّالة والداعمة للكيان الصهيوني وللدول التي لها فيها مصالح، وهذا واقع، وأما ما صدر من بيانات هنا وهناك، فهو لحفظ ماء الوجه لا أكثر ولا أقل، فإن أردنا عدلاً على هذه الأرض، لمن نلجأ؟ نلجأ فقط إلى الله عزّ وجلّ، فلا عدالة في الأرض، لأن كل قوانينهم سقطت الآن أمام هول ما يحدث في غزة إنها حرب إبادة حقيقية، وأمام هذا الواقع فإن حقهم مشروع في الدفاع عن أنفسهم.
اليوم هناك نقطة مهمة لم تكن ظاهرة سابقاً بهذه القوة، فالشارع العالمي غاضب جداً مما يحدث، والرأي العام العالمي انقلب عليهم والسياسيون الغرب في هذه الحالة ستترنح مواقفهم على الرغم من حالة الصمم التي لديهم، حتى الإعلام ذو الوجبة الواحدة لا يريدون للعالم أن يعرف أكثر بما في ذلك بعض الإعلام العربي المتصهين والذي يسمي الشهداء بالضحايا، ويصف المقاومة بالإرهاب، بالتالي بقد وصلت أمتنا اليوم إلى الدرك الأسفل وهذا ما سمح لهؤلاء بالاستفراد فينا، حتى البيان الختامي لدول مجلس التعاون الخليجي، لم أجد كلمة ذكرت لشهداء فلسطين ولا حتى تجريم المعتدي وذكر الكيان الصهيوني.
وهنا أختم بالقول، لا يمكن لقوة أن تحول كيان مارق ومجرم إلى دولة، هذه الدولة عربية وستتحرر على يد أبنائها، ولن نعول أيداً على القانون الدولي والقانون الجنائي ولا أي مؤسسة ومنظمة دولية بما في ذلك أعلاها “الأمم المتحدة”، سننساهم جميعاً، والدعم والعدالة الحقيقية هي بيد سواعد المقاومة، فكونوا معها وادعموها ولنتوحد جميعاً ونكون جميعاً ضد العدو الصهيوني والعربدة الصهيونية، ونحاول أن نكسب كل أحرار العالم معنا في قضيتنا العادلة ونفرض عدالتها وقوتها، وما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
المستشار / عبدالعزيز بن بدر القطان