اختلف الاقتصاديون على أسباب حدوث الفقاعة وهي محل جدل كبير بينهم فالبعض يرى أنها مرتبطة بالتضخم وفي هذه الحالة فإن أسباب حدوث الفقاعة هي نفسها أسباب التضخم، والبعض الآخر يرون أنها عادةً ما تحدث نتيجة ارتفاع أسعار الأصول متجاوزةً قيمتها الحقيقية بفارق كبير حتى تصل إلى نقطة السقوط الحر ثم يتبعها انفجار الفقاعة لترجع إلى قيمتها الأساسية مرة أخرى،ويعزى السبب في ذلك إلى تغيير في سلوك المستثمر، وعادةً ما يتم تحديد أسباب الفقاعات ودراستها في وقت لاحق بعد حدوثها، أو بمعنى أدق بعد حدوث انخفاض كبير في الأسعار ورجوعها إلى أصلها مرة أخرى.
الفقاعة هي دورة اقتصادية تتميز بالصعود أو الارتفاع السريع لقيمة السوق، لا سيما في أسعار الأصول، ويتبع هذا التضخم السريع انخفاض سريع في القيمة، أو انكماش، يشار إليه أحيانًا باسم “الانهيار” أو “انفجار الفقاعة”، ويمكن تشبيه هذا الارتفاع بالبالون المنتفخ الذي يتمدد حجمه، إلى أن يصل إلى أقصى حد ممكن تحمله من ضغط الهواء ثم ينفجر بعد ذلك، نفس الشيء ينطبق على الارتفاع الجنوني للأسعار فقد يؤدي بسبب المضاربة على سلعة ما إلى ارتفاع سعرها لمستويات مرتفعة بشكل مبالغ فيه جدًا وإلى حد لا يقبله العقل والمنطق ويتم الاستمرار في المضاربة على السلعة وعادةً ما يتبع ذلك هبوط مفاجئ وحاد للسعر، وفي هذه الحالة يشبه انفجار الفقاعة.
وهناك عدة مسميات للفقاعات منها الفقاعة المالية وفقاعة الأصول وفقاعة المضاربات، ولكن جرت العادة على اختصارها إلى كلمة واحدة فقط هي فقاعة وهناك أمثلة كثيرة للفقاعة من بينها العقارات، والفضة، والذهب، والأسهم والسندات، وهناك أيضًا فقاعة السلع كالزيت والسكر والقطن.
أمثلة على الفقاعات
وهناك أمثلة مهمة للفقاعات حدثت في التاريخ القديم والتاريخ الحديث، ولكن أول فقاعة تم تسجيلها كانت في القرن السابع عشر ولقد حدثت في هولندا بين 1634 إلى 1637 ونتائج هذه الفقاعة تنطبق وتدرس في العصر الحديث وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى أنه عبثي عندما نقول إنه يمكن لزهرة أن تؤدي إلى انهيار اقتصاد بأكمله وهذا ما حدث في هولندا عندما بدأت تجارة نبات التوليب عن طريقة المصادفة عندما أحضر عالم نباتات بذور وبصيلات من القسطنطينية وزرعها من أجل عمل أبحاثه العلمية الخاصة، ومع مرور الوقت تحولت زهرة التوليب إلى رمز للتفاخر والرفعة، حيث تم تسمية أصناف محددة من النبتة حملت أسماءً مميزة اشتق بعضها من أدميرالات البحرية الهولندية.
وقد وصل سعر النبتة الواحدة في ذلك الوقت نحو 1000 فلورينةوكانت هذه العملة المستخدمة في ذلك التوقيت وكان متوسط الدخل السنوي للفرد نحو 150 فلورينة ولم يقتصر الأمر على شراء التوليب بالنقود، بل تحول الأمر إلى المقايضة مقابل الأراضي والبيوت والمواشي، ومع حلول عام 1636 دخلت التوليب أسواق المال في كثير من بلدات هولندا ليتم تداولها هناك، مما أدى إلى تشجيع كافة فئات المجتمع على الدخول بأموالهم أو بممتلكاتهم للمضاربة عليها، ولقد حقق البعض أرباحًا ضخمة، والبعض الآخر خسروا أموالهم وممتلكاتهم أو ما يزيد على ما كانوا يملكونه.
ولقد تسبب هوس التوليب في جنون جعل الثروات تتجمع بين عشية وضحاها، ولقد أدى إلى إنشاء بورصة للعقود الآجلة، حيث تم شراء وبيع زهور التوليب من خلال عقود بدون تسليم فعلي، مما أدى إلى دفع الأسعار للمضاربة، ولقد انفجرت الفقاعة عندما رتب أحد البائعين عملية شراء كبيرة مع مشترٍ، وفشل المشتري في إظهار النبات، ولقد كان من الواضح أن ارتفاع الأسعار غير مستدام مما أدى إلى حدوث حالة من الذعر تصاعدت في جميع أنحاء أوروبا، مما أدى إلى انخفاض قيمة النبات، ولقد تدخلت السلطات الهولندية لتهدئة الذعر من خلال السماح لأصحاب العقود بالإفراج عن عقودهم مقابل 10٪ من قيمة العقود مما أدى في نهاية الأمر إلى حدوث خسائر للأفراد العاديين والنبلاء ثرواتهم على حد سواء.
وفي العصر الحديث هناك فقاعتين مهمتين للغاية فقاعة الدوت كوم في تسعينيات القرن الماضي، وفقاعة العقارات أزمة الرهن العقاري (2007-2008)، ولقد تميزت فقاعة الدوت كوم بارتفاع أسعار الأسهم في أسواق المال التي غذتها الاستثمارات في مجال الإنترنت والشركات القائمة على التكنولوجيا، ولقد نشأ نتيجة مزيج من الاستثمار المضارب مع الوفرة المفرطة لرأس المال الاستثماري والذي يذهب إلى الشركات الناشئة.
ولقد بدأ المستثمرون في التسعينيات ضخ الأموال في الشركات الناشئة عبر الإنترنت، على أمل أن تكون مربحة ومع تقدم التكنولوجيا وبدء تسويق الإنترنت، ساعدت الشركات الناشئة في الإنترنت في تغذية الطفرة في سوق الأسهم التي بدأت في عام 1995، وتشكلت الفقاعة من خلال الأموال الرخيصة ورأس المال السهل، ولكن مع بلوغ السوق ذروته، ساد الذعر بين المستثمرين، وأدى ذلك إلى خسارة حوالي 10٪ في سوق الأسهم، وبمرور فترة زمنية قصيرة أصبحت الشركات التي يبلغ رأس مالها السوقي الملايين عديمة القيمة، ومع نهاية عام 2001 ، انهار جزء كبير من شركات الإنترنت العامة.
فقاعة العقارات أو فقاعة الاسكان وهي نوع من الفقاعة الاقتصادية التي تحدث بشكل دوري في أسواق العقارات سواء المحلية أو العالمية، وعادة ما تحدث بسبب الزيادة السريعة في سعر السوق للعقارات حتى تصل إلى مستويات غير مستدامة ثم تنخفض مثل فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة كانت بمثابة فقاعة عقارية أثرت على أكثر من نصف الولايات المتحدة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث بدأت قيم العقارات في الارتفاع بشكل مبالغ فيه، وبدأ الطلب على ملكية العقارات ينمو بمستويات مقلقة نظرًا لانخفاض أسعار الفائدة حيث كانت هناك تسهيلات كبيرة من جانب المقرضين؛ هذا يعني أن أي شخص يمكن أن يصبح صاحب منزل وخفضت البنوك متطلباتها للاقتراض وبدأت في خفض أسعار الفائدة وأصبحت القروض العقارية متوفرة وخيارات إعادة التمويل في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.
بدأ الكثير من الأفراد في شراء المنازل بغرض تحقيق الأرباح، ولكن عندما بدأت سوق الأسهم في الارتفاع بدأت أسعار الفائدة أيضًا في الارتفاع بالنسبة لأصحاب المنازل مرة أخرى، وبدأت إعادة التمويل ترتفع نسبتها أيضًا بمعدلات أعلى، وتراجعت قيمة هذه المنازل، مما أدى إلى بيع الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، لذلك تعرف هذه الفقاعة أيضًا باسم الرهن العقاري، وقد أدى ذلك في النهاية إلى بيئة أدت إلى حالات تخلف عن سداد الرهن العقاري بملايين الدولارات وتسببت في إحداث الأزمة المالية في 2007-2008 مرتبطة بتفجير فقاعة العقارات التي بدأت في الولايات المتحدة ثم انتقلت إلى دول أخرى مختلفة خلال العقد الأول من القرن العشرين.
ولقد ساعد سلوك المضاربات في أسواق المال وسوق الأراضي والعقارات على ظهور الفقاعات الاقتصادية وتفاقمها في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة مما نتج عنه ما يسمى بالأرباح القدرية، وهي الأرباح التي يتم جنيها بدون إنتاج فعلي ملموس أو أي جهد مبذول مما يساهم ذلك في حدوث ازدهار لدورات من الانفاق الإضافية التي تؤدي إلى المزيد من الترويج الاستهلاكي مسببةً ازدهار لاقتصاد الفقاعة وتؤدي المضاربات إلى حدوث التضخم لأسعار بعــض الأصول الاقتصادية والتي تؤدي بدورها لارتفاع في أسعار الأسهم والعقارات، محدثةً حالة من الاقتصاد الوهمي أو بمعنى أدق دون وجود أي اقتصاد حقيقي.
وتظل نظريات عالم الاقتصاد الأمريكي “هايمان فيليب مينسكي” تحت المجهر لفترات طويلة إلى أن جاءت فقاعة الرهن العقاري أو العقارات في عام 2007 والتي جددت الاهتمام بصياغات نظريته والتي تساعد كثيرًا في تفسير بعض أنماط الفقاعات حيث حدد مينسكي خمس مراحل لدورة ائتمانية نموذجية وهي التحول والازدهار والنشوة وجني الأرباح والذعر حيث أنه ليس من السهل معرفة متى تنفجر الفقاعة؛ وبمجرد انفجار الفقاعة، لن تنتفخ مرة أخرى ولكن يمكن لأي شخص التعرف على علامات الإنذار المبكر للفقاعة حيث يستطيع أي فرد أن يكسب المال الوفير عن طريق بيع الأصول التي بحوزته في هذه النقطة الفارقة محققًا الربح المراد.
د / إســـلام جمــــال الـديــن شـــوقي– خـبيـر الاقتصـــــــاد وأسـواق المـال، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي