أفرزت القضية الفلسطينية بعد “طوفان الأقصى” معايير جديدة لشرعية النظام الرسمي العربي، وبما أن الكفاح المسلح يعتبر عملية مشروعة لكل شعب يرزح تحت الاحتلال ويمارس حقة في سبيل التحرير وتقرير المصير فأي عدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني يلزم الدول العربية التي تنضوي تحت مظلة جامعة الدول العربية أن تقوم بمساندة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وتحقيق مشروعه التحرري، وطالما أن الجامعة العربية التي تأسس ميثاقها في المادة الثالثة على ما يلي: “اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان الفعلي أو المحتمل الذي قد يقع على إحدى الدول الأعضاء” وبما أن الجامعة العربية لم تقم بدفع العدوان عن الشعب الفلسطيني فهذا يعني أن شرعية جامعة الدول العربية باتت مختلة ومنقوصة. كما أنه لا يمكن أن نجد أي أعذار في ظل هذا العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، وهنا ينبغي التأكيد على أنه ليس مطلوباً من النظام الرسمي العربي إعلان حالة الحرب ولكن اتخاذ التدابير الممكنة وللأسف الشديد فقد قصر النظام الرسمي العربي في أداء واجباته الممكنة، لأن هناك إجراءات سياسية اقتصادية أمنية يمكن القيام بها وكانت تتطلب قراراً عربياً جماعياً يحفظ ماء الوجه ويحفظ شرعية هذا الكيان العربي!
– الجهود الفردية للدول العربية..
لا يمكن أن نغفل بروز مواقف مشرِّفة لدول عربية على الصعيد الرسمي والشعبي فقد حافظت تلك الدول على التزامها بمسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية حيث تابعنا مشاركة فعلية للمقاومة من قبل دول عربية معينة كما رصدنا أيضاً إجراءات ملموسة رسمية شعبية مشرفة من قبل دول عربية أخرى ضمن قدرات هذه الدول العربية، ولكن للأسف الشديد غابت دول كنا نعوٍّل عليها فلم تقدم المأمول لحفظ ماء الوجه، والمؤسف أيضاً حتى الجانب الشعبي جاء خجولاً ومتسقاً مع الموقف الرسمي لهذه الدول فيما عدا تصريحات لوزارات الخارجية مشبعة بالتوصيفات لما يحدث في قطاع غزة وهذا أمر مؤسف أن يتجسد في الواقع العربي من قبل دول محورية كان يمكنها أن تسجل لنفسها رافعة شرعية أوسع من خلال القضية الفلسطينية فجاء “طوفان الأقصى” ليعريها تماماً ويسقط عنها شرعيتها وكل القيم والعوامل المشتركة التي تربطها مع هذه الأمة.
نؤكد أن القضية الفلسطينية لم تخسر شيئاً مطلقاً فالانتصار العظيم الذي كتبته المقاومة بأحرف من نور ومازالت قوى المقاومة تعززه في كل مواجهة تدك المحتل الصهيوني يمثل إحدى الحسنيين وقد تم تسجيل الانتصار منذ السابع من أكتوبر، أما الحديث عن الدمار المهول وتصاعد عدد الشهداء فقد حقق لهذه الفئة الصابرة المرابطة الحسنى الأخرى وهي الشهادة في سبيل الله.
بالمقابل هنا فإن هذه الأنظمة العربية التي اختارت لنفسها عدم دعم القضية الفلسطينية بالشكل المرتجى والمأمول فهي من خسر الرهان في وقت كانت بحاجة أن تتبوأ مكانتها وشرعيتها بين أبناء الأمة العربية، بل إنها فقدت جزءاً مهماً من مشروعيتها بسبب تخليها عن مسؤولياتها الواجبة تجاه القضية الفلسطينية، كما أن هناك دولاً عربية محورية لم تحاول حتى في أضعف الإيمان استدعاء سفيرها من الكيان الصهيوني للاحتجاج على العدوان المخزي وعمليات التصفية العرقية والإبادة الجماعية التي تعرض لها الأشقاء في قطاع غزة، وهنا لا نعلم بماذا نفسر موقفها الضعيف تجاه القضية!
ختاماً نكرر التحية للمواقف العربية المشرفة الرسمية والشعبية وعلى رأسها حزب الله الذي أشعل الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة وقدم عشرات الشهداء كما نرفع التحية للأشقاء في اليمن الذين وقفوا وقفة الحق فحق لهم هذا الشرف بالمشاركة في توسيع المواجهة ليسجل معادلة جديدة عنوانها “فلسطين – اليمن” والأمل مازال معقوداً في تحقيق إنجازات أخرى تضاف إلى رصيده المقاوم، وقد شرفتنا تلك المواقف الصادرة من العاصمة العمانية مسقط التي أكدت على الارتباط الوثيق للسلطنة بهذه القضية المركزية الفلسطينية ونسأل الله أن ينتصر لتلك الفئة من أبناء فلسطين وينصرهم على عدوهم والخزي والعار لهذا العدو الصهيوني المجرم وأعوانه وداعميه.
خميس بن عبيد القطيطي