كنت قد تطرقت سابقا إلى مضمون هذا المقال ولكن نظراً لأهميته ولما يشهده هذه الأيام البحر الأحمر من أحداث مهمة تقوم بها القوات البحرية اليمنية تضامناً مع الشعب الفلسطيني
وكذلك ما يتعرض له قطاع غزة من عدوان بربري وإبادة جماعية يرتكبها العدو الصهيوني بدم بارد على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي تلك المجازر التي أدمت قلوب العالم أجمع فقد استحسنت إعادة التذكير به لاسيما أن ما يجري على بلدنا من عدوان ظالم وصراع مرير على الأرض اليمنية مُنذ تسعة أعوام هو بسببه، فالحقيقة التي لا تقبل الجدل ويجب أن نقف أمامها طويلاً للتأمل تتمثّل في أن هناك توجهاً إقليمياً ودولياً يمنع اليمنيين من بناء دولتهم القوية الحديثة وهو توجه ليس بالجديد لأن من يعود إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي ويستقرئ ما مرّ به الوطن العربي من أحداث في تلك الفترة سيعرف السبب المباشر الذي جعل قوى إقليمية ودولية لا تسمح ببناء دولة قوية وحديثة في اليمن.
لن نتحدث عن الفترة التي أعقبت قيام (ثورتي 26سبتمبر و14أكتوبر) قبل أكثر من ستة عقود وتحولت حينها الساحة اليمنية إلى ساحة صراع لتصفية حسابات سياسية بين قوى إقليمية ودولية دفع اليمنيون ثمنها باهظاً ولم يتوقف ذلك الصراع المرير إلا عقب نكسة يونيو/ حزيران عام 1967م وبعد تحقيق ما عُرف بالمصالحة الوطنية التي أجهضت وهج الثورة والجمهورية وتجمدت عندها أهدافها الستة لتظل حبراً على ورق حيث لم يتبق من الجمهورية إلا اسمها فكانت الأنظمة السابقة ترفعه كشعار لتزايد به ولكن لم تطبق دولته على أرض الواقع كما أراد لها أن تكون ثوار سبتمبر وأكتوبر قبل أن يستولي على ثورتهم ثوار ما بعد الثورة كما أكد ذلك القاضي عبدالرحمن الإرياني- رحمه الله- في مذكراته والذي قال فيها حرفياً: (لقد ثرنا على إمام واحد وأتينا بأربعين إماماً أي صرفناه مثل الريال الفرانصي أربعين بقشة) في حرب 6أكتوبر 1973م التي خاضها الجيشان العربيان المصري والسوري ضد الجيش الصهيوني وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين خلال الساعات الأولى من بدء الحرب كانت القيادة المصرية آنذاك قد نسقت مع القيادتين في شطري اليمن سابقاً لإرسال قوات بحرية مصرية للسيطرة على مدخل مضيق باب المندب الذي تشرف عليه اليمن لمنع أية سفينة متجهة إلى إسرائيل فتم حصارها تماماً وقد شكل ذلك الحصار ضربة قوية لإسرائيل جعل القادة الصهاينة آنذاك يتوقفون عن المطالبة بأسراهم من الضباط والجنود وما كان أكثرهم وتفرغوا لممارسة الضغوطات والتفاوض من أجل فك الحصار المُحكم عليهم من مضيق باب المندب الذي تشرف عليه اليمن، وبعد فك الحصار جعلت إسرائيل اليمن وباب المندب تحديداً من أهم قضاياها الاستراتيجية حيث ظلت عينها منصبة على اليمن تراقبه وعندما شعرت أن هناك توجهاً لبناء دولة حقيقية في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي قامت إسرائيل عام 1976م بتوجيه ضربة جوية لإحدى الجزر اليمنية القريبة من باب المندب الأمر الذي جعل الرئيس إبراهيم الحمدي يدعو إلى عقد مؤتمر عاجل للدول المطلة على البحر الأحمر فعُقد المؤتمر في تعز بحضور رؤساء السودان والصومال وشطري اليمن سابقاً وامتنعت السعودية ومصر عن الحضور وكان هدف هذا المؤتمر هو جعل البحر الأحمر بحيرة عربية والوقوف ضد محاولات الهيمنة للسيطرة على هذا المضيق المهم من قبل الدول الاستعمارية خاصة بعد الضربة الجوية الإسرائيلية، وقد عجل ذلك التوجه بالتخلص من الرئيسين الشهيدين إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي في أقل من عام كل على حدة بسبب سياستهما ومبادئهما الوطنية والتي اعتبرتها إسرائيل والدول الكبرى تجاوزاً للخطوط الحمراء ومن يومها تم اتخاذ قرار خارجي يجعل من اليمن دولة تقودها القوى التقليدية والمشيخية التي ليس لديها مشروع سوى التصارع على مراكز النفوذ ونهب ثروات الشعب والارتهان للخارج.
وحين ضاق الشعب اليمني ذرعاً بالفوضى الإدارية التي رافقت تلك الفترة الطويلة التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود وأصبح خلالها التصارع على السلطة وخلق الأزمات المتتالية هو مصدر كل السلطات قامت انتفاضة شعبية عام 2011م تزامناً مع ما سمي بثورات الربيع العربي في عدد من الدول العربية ونجحت في خلخلة النظام القائم حينها, لكن لأن اليمن عليه فيتو يمنعه من بناء دولة قوية وحديثة وخشية من أن تنتج تلك الانتفاضة وضعاً جديداً وبروز قوى شابة تفكر في بناء دولة قوية فقد سارعت قوى إقليمية ودولية للالتفاف عليها وإخمادها في مهدها بهدف الحفاظ على بقاء القوى التقليدية في الحكم وإن كان بصيغة أخرى حتى تضمن بقاء الوضع في اليمن هشاً لا ينتج عنه دولة نظام وقانون تنفيذاً لاستمرار المخطط الخارجي الذي يحظر على اليمنيين بناء دولتهم، وحينما قامت ثورة 21سبتمبر الشعبية عام 2014م لتحقق هذا الهدف المنشود قامت الدنيا عليها ولم تقعد من الداخل والخارج فحاولوا إجهاضها بكل الوسائل الممكنة لكن عندما ثبت عجزهم عن إيقاف عجلة انطلاقتها بأساليبهم القديمة من خلال الاعتماد على عملائهم في الداخل سارعوا إلى تشكيل تحالف كوني بقيادة السعودية والإمارات ومشاركة دول كبرى في مقدمتها أمريكا وشنوا على اليمن وشعبه العظيم عدواناً ظالماً في 26مارس عام 2015م والذي ما يزال مستمراً حتى اليوم بهدف القضاء على ثورته الشعبية الفتية التي حملت معها توجهاً جديداً لبناء دولة نظام وقانون وإعادة الاعتبار لليمن ليستعيد دوره الطبيعي في المنطقة ولكن الشعب اليمني ممثلا في جيشه البطل بمنتسبيه من الشباب ومدعوماً بقواه الوطنية استطاع أن يقاوم هذا العدوان الظالم ويتصدى له محققا انتصارات عظيمة أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء، وهاهو اليوم يقوم بواجبه الديني والقومي في ظل ظروف استثنائية صعبة يمر بها لنصرة إخوانه في فلسطين من خلال إطلاق الصواريخ البالستية والطيران المسير إلى المناطق المحتلة بجنوب فلسطين ومحاصرة الكيان الصهيوني في البحر الأحمر ومنع سفنه من العبور والاستيلاء على بعضها واقتيادها إلى الساحل اليمني فأجبر هذا الكيان الغاصب على أن يُغير مسار سفنه لتمر بعيداً عن باب المندب والبحر الأحمر بشكل عام وجعل اليمن في حالة حرب ومواجهة مباشرة مع إسرائيل نيابة عن أكثر من عشرين دولة عربية لم يجرؤ أي حاكم عربي واحد فيها أن يتخذ خطوة إيجابية مساندة للشعب الفلسطيني باستثناء بيانات الشجب والاستنكار التي أطلقوها رغم أن اليمن بقيادته الثورية الحكيمة قد كسر حاجز الخوف أمامهم ولكن ما زالت عقدة الخوف تلازمهم وفارضة عليهم الذلة والمسكنة.
أحمد الشريف