لا تفتأ التصريحات الرسمية الأمريكية “تْقَلْوَعْ الِكْبَاد” وتدعو للغثيان.. استهبال واستهتار واستخفاف بالجميع: بالإنسان وآدميته، بالمؤسسات الدولية ومواثيقها، بالدول وسيادتها، بالشعوب وثقافتها، بالسلم العالمي واستقراره، بل بالكوكب الأرضي والحياة فيه… إنها بالفعل تترجم ترجمةً لا تحتمل الجدل لكل صفات الشر التي نُعِتَتْ بها.. دولة الإرهاب العالمي.. الشيطان الأكبر،.. دولة الشر المطلق.. دولة الإجرام… الدولة المارقة… وربما غيرها كثير..
لقد ظهر هذا الاستهبال الأمريكي ويظهر في بيانات متكررة، ومواقف رسمية مخزية، ليس آخرها سباق الحزب الجمهوري للرئاسة ووقوف الخمسة مرشحين في جولتهم الثالثة موقفا واحدا من حث نتناياهو على الاستمرار بإبادة غزة، دون أن ترف عين واحد منهم على الآلاف من أطفال غزة ونسائها وشيوخها الذين قتلوا، ولا أن يشيروا إلى الحفاظ عليهم أو حمايتهم أو حتى محاولة تجنيبهم ولو بالقول! ولا بيان الخارجية الأمريكية الأخير الذي ينفي وجود أدلة حقيقية على استهداف الكيان المحتل للمدنيين في غزة عمدا، في تصريح منحط غير أخلاقي وغير مسؤول، ولا في ترداد الرئيس الأمريكي لروايات الكيان المحتل رغم ثبوت كذبها من جهات داخل الكيان وخارجه، وعدم وجود أدلة لأكذوباته، ولا بعدم شعورها بأي حرج من تصريحات رسمية لوزراء الكيان وإعلامه ومفكريه وشخوصه ورموزه المتعلقة بالدعوة لإبادة العرب عموما، وغزة خصوصا عبر قنبلة نووية كما صرح وزير التراث الصهيوني المختل، أو دعوته الأخيرة لقتل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أو الدعوى للتدمير وتهجير الناس عن منازلهم وتحويل خانيونس لملعب كرة قدم كما عبرت عنه وزيرة الداخلية السابقة (وهي أنثى تجردت من الرحمة)، أو فتوى حاخاماتهم المقززة بقصف المستشفيات على رؤؤس المرضى والأطباء، أو حثهم على اغتصاب النساء العربيات، أو غير ذلك من تصريحات عنصرية فاشية نازية من دولة وكيان رسمي (عضو في الأمم المتحدة)، وليس من عصابة مافيا متخفية.. وغير ذلك من أوجه الاستهبال والاستخفاف والسرف الأمريكي القبيح.
رسالة أولى للداخل الأمريكي: لقد شاهدتم وتشهدون ما تقوم به حكومتكم من إبادة بحق الأطفال والعُزّل من خلال دعمها بالسلاح والرجال والغطاء السياسي للكيان المحتل في غزة وعموم فلسطين المحتلة، وقد اكتشفتم كيف أن حكومتكم خدعتكم لسنين بقيمها الزائفة، وديمقراطيتها الكاذبة، وحريتها المشوهة، وحجبت عنكم الحقائق عبر إعلامها الصهيوني الموجه، وكيف قامت أحداث غزة بالكشف عن غطاء ما وضعتكم فيه أنظمتكم السياسية المختلفة وأحزابها، ونفاقها القبيح، وكيف إن الولايات المتحدة مختطفة من قبل لوبي عنصري صهيوني فاشي نازي متحكم بكم وباقتصادكم، وأن رئيسكم مجرد دمية في يد هذا اللوبي، يردد مثل الببغاء ما يُمْلَى عليه من روايات، ولو كذّبت هذه الروياتِ الحقائقُ والإثباتات والشهادات العديدة من داخل دولة الاحتلال فضلا عن خارجها، كما يردد اليوم أن المقاومة قامت باغتصاب النساء وقتل الأطفال، رغم شهادات الأسرى برقي المقاومة وأخلاقها وإنسانيتها، وشهادة من خبرهم يوم ٧ أكتوبر من النساء والأطفال باحترامهم، وعدم وجود أدلة على الروايات الصهيونية جميعها، فلا اغتصاب، ولا قتل أطفال، ولا قيادة عسكرية تحت الشفاء، ولا غيرها من أكاذيب… لوبي صهيوني متجذر في مجالسكم التشريعية وحكومات ولاياتكم، يدعم عصابة محتلة قاتلة على أرض فلسطين، فبينما أنتم تحاربون لسد قوت يومكم ومتطلبات حياتكم من تعليم وصحة وتكافحون، يتنعم هذا الكيان بالتأمين الصحي والتعليمي بأموالكم وأموال دافعي الضرائب منكم، ويمارس إجرامه وإرهابه بها رغما عنكم وفي غفلة منكم… ويرسي قواعد اشتباك عبثية عالمية خطيرة، تأتي بالويلات عليكم خاصة والعالم عامة، من تشريع القصف على مقراتكم الحكومية وبعثاتكم الدبلوماسية (سفاراتكم وقنصلياتكم) ومؤسساتكم التعليمية والصحية والبنية التحتية والمصالح الأمريكية عموما، كما تُشَرِّع أمريكا القصف على غزة اليوم، ومن تفجير مساكن الآمنين منكم على رؤوسهم في بيوتهم والأسواق، كما تفعل أمريكا بغزة اليوم، ومن قتل الأطفال والنساء الأمريكيين في الشوارع واغتيالهم بشكل عشوائي أين كانوا، كما تفعل أمريكا في الآمنين والمدنيين في غزة اليوم…. ربما استطعتم أخيرا فهم رسالة ابن لادن لكم قبل عشرين سنة لماذا الشعوب المظلومة تكره أمريكا.. الرسالة التي حجبتها صحافتكم عنكم لتعلمكم معنى حرية الرأي الزائفة عندكم، لقد علمتم ورأيتم كل ذلك، وأنتم شهود عيان على الهولوكوست القائم في غزة بأسلحة وعتاد أمريكي… وعلى معاداة السامية التي تمارسها أمريكا على العرب والمسلمين وعلى دينهم…فعلى أحراركم ممن يحبون الحياة والإنسان ويحبون أمريكا أن يصروا على استرداد وطنهم من سُعار خاطفيه، واستعادته من سارقيه، وأن تقوم لكم جبهة وطنية للإنقاذ، وتغيير قواعد العمل السياسي في أمريكا، وربما قيام حزب منافس بقيم إنسانية وأمريكية عليا، بعيدا عن خدمة كيان الاحتلال المجرم والفاشي، لعلها تعود عظيمة من جديد، لا على قواعد مرشحيكم ورؤسائكم المتصهينين، ولكن على القيم الرائدة والأخلاقية العليا للإنسان والعدالة وإعمار الأرض ونشر السلام والحب بين الأمم.
رسالة ثانية للأنظمة العربية وجيوشها وأحرارها، بتقليعاتهم المختلفة؛ للمتصهينين، والأتاتوركيين الجدد، وللمتفرجين، لمن لم يصل به طغيانه بعدُ إلى نقطة اللاعودة، نقطة من حقت عليه كلمة ربك ” فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم” نقول لهم إن موقفكم المخزي أمام ضمائركم والأمة والإنسانية لن يكون عليكم إلا وبالا، وباب الصدق مع الذات وتصحيح البوصلة والاعتذار لله والإنسان والعدالة ما زال مفتوحا، لمن شاء منكم النجاة من خزي الدنيا وعارها، وعذاب الآخرة ونارها، فأنتم قد رأيتم تجليات ربكم في انتشار دينكم وقيمكم بين الغرب والشرق بصمود مقاومتكم من إخوتكم في الدين والثقافة والعرق واللسان والجغرافيا والتاريخ في غزة وفلسطين، رغم خيانتكم لهم، وطعنكم لهم في الظهر، فكَّفِروا عن ذالكم الموقف بتصحيحه، والالتفاف حوله، والتزامكم مواقعكم الواجبة، فليس إسلامكم ولا ثقافتكم حكرا على أحد، لا إخونجية، ولا غيرهم، ولا يمثلها أحد دونكم، وقد رأيتم سقوط قدواتكم من الغرب، وتسفيهه لكم ولجنسكم، ودوسه على رؤوسكم بالأقدام والشباشب، فعلى كل واحد منكم الإنكار باليد واللسان ما أمكنه ذلك ووجب عليه، بالصلاحية التي بين يديه، وبموقعه الرسمي والاجتماعي…. أما من وصل نقطة اللاعودة منكم بسبب جرائمه وصولَ فرعون لها، فلا نقول إلا عجّل الله فناءكم، وأكرمنا بهلاككم، وسلم الله العالم كله من شروركم.
رسالة لعموم الشعب العربي وعموم المسلمين، لقد امتنّ الله عليكم بكتاب أعزكم بعد ذلة، وجمعكم بعد فرقة، وآخا بينكم بعد شقاق، وحرركم بعد عبودية، فإياكم أن تشركوا به حكوماتكم وحكامكم، إن أخطأوا أخطأتم وإن أصابوا أصبتم، وعليكم بالمدافعة التي امتنها الله على العالمين، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وأن تكونوا حيث يكون الله وكتابه، لا حيث يكون الظالمون ومراسيمهم، فقد رأيتم عدالة ربكم في توجيهاته، ورأيتم جور أصحاب القرار في تسلطهم، وهل أبلغ من جور ما تعيشونه اليوم من نفاق صارخ، وظلم بادٍ، وطغيان فاضح على الإنسان في غزة وفلسطين، لتسقط أمامكم أقنعة النظام العالمي الكاذبة، وشعاراتهم الزائفة، وأن الإسلام وكتاب الله يجمع مسلميكم ومسيحييكم ويهودييكم، كل بما له وما عليه، فقد عشتم قرونا طوالا سويا، فكيف يوهمكم بخلافه النظامُ الرأسمالي والصهيوني المستجد، فاثبتوا حيث أنتم من مقاطعة ومدافعة ومقارعة للباطل وأهله، فإنها ملحمة وأي ملحمة، وأبدعوا في مقارعة الظلام بنور الإيمان والإنسان.
وختاما رسالة أخيرة للمرابطين المجاهدين في غزة وفلسطين: أنتم لعمري تاج رؤوس الناس جميعا اليوم، فالإنسانية جمعا تقف معكم، فقد مثلتم دينها الإسلام، دين الفطرة والإنسانية خير تمثيل، وإننا نشهد الله أنكم صدقتم الله في توجيهاته، فأعددتم العدة، وصدقتموه في نصركم للمظلومين، فكان طوفان الأقصى، وصدقتموه في معاملة الأسرى، فكان الثناء عليكم منهم الكبير، فوالله لَيَصْدُقَنَّكم اللهُ وعده، (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، ولَيُنْجِزَنَّ لكم عهده، (إن ينصركم الله فلا غالب لكم)، وليُمِدَنَّكُمْ الله بجنده، وقد صبرتم واتقيتم، (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم)، ولَتَرَوُّنَّ وعيده في جموع عدوه وعدوكم (سيهزم الجمع ويولون الدبر)، وفي مالهم وما ينفقون، (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون).. فلا يجرمنكم شنآن قوم، ولا عداوة آخرين كانوا عربا أو عجما، فقضاء الله في الناس نافذ، وتقليبه للقلوب ناجز، فالطاقة العالمية الهائلة من عرب وعجم مسلمين وغير مسلمين، التي تقف وراءكم لم تكن لولا أنكم على الحق المبين، وأنه رغم جهود التشويه الحثيثة، إلا أن روايتكم عند العالمين أصدق وأبلغ، فمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي -حسب تقرير من داخل الكيان المحتل ذاته- ٩٣٪ دعما لكم، ولعدوكم القليل (٦٪)، رغم تجييشه وإنفاقه المال الكثير، ورغم محاربة مُلّاك المواقع الاجتماعية المتصهينين لكم، وتشديدِها القيودَ عليكم، ولكنه لطف الله بنا وبكم… واقتصاد الشركات الداعمة للكيان بسبب المقاطعة تنهار، وتجليات النصر وآياته ترتفع، فعليكم بالميدان والصبر، فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان، فالله ممدكم بدعوات لا تفتر، وقلوب مخلصة لكم محبة لا تنام، يَصِلُون ليلهم بنهارهم، وعيونهم ترقب فرج الله عليكم، ونصره لكم، بمختلف ألسنتهم ودياناتهم، ومن أكرم من الله القوي العزيز في إجابته، فإنكم فاتحة تحرير فلسطين، ورفع الظلم عن العالمين، في هزيمة النظام العالمي الصهيوني النازي المجرم، فمهما بلغ الألم فيما تجدون، إلا أن عزاءنا أننا لله وأنا إليه راجعون، وأن قتلانا شهداء عند ربهم يرزقون متقلبين في كنف الرحمن، فامضوا، فلطائف الله تحفكم، ونصره يرفكم، ورايتكم مرفوعة، وراية عدوكم مكسورة منزوعة، وكلمتكم العليا، وكلمة عدوكم السفلى، وليكونن نصرُكم آية للعالمين، وتثبيتا للمؤمنين، وردا للتائهين، وحسرةً على الكافرين، وخزيا وعارا على المنافقين… “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين “.
عبد الحميد بن حميد بن عبدالله الجامعي
الأربعاء
٢٢ جمادى الاولى ١٤٤٥ هـ
٦ ديسمبر ٢٠٢٣ م