د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
في عملية نوعية ،عسكرياً وسياسياً ، نفّذت إسرائيل يوم ٢٠٢٣/١٢/٢٥ ، جريمة انتهاك للسيادة السوريّة واغتيال احد اكبر مستشاري الحرس الثوري الإيراني العاملين في سوريّة . تزامنت العملية مع موعد الذكرى الرابعة لاغتيال الشهيديّن قاسم سليماني وابو مهدي المهندس ، على طريق مطار بغداد الدولي ،ومن قبل القوات الأمريكية .
لم تتمْ العملية من دون تنسيق مُسبقْ مع الادارة الأمريكية ، التي تتولى ، تعاوناً مع إسرائيل او قيادة ، ومنذ عملية طوفان الأقصى ، ادارة الحرب و المجازر والمعارك في غزّة وفي جنوب لبنان وفي اليمن ، وفي سوريّة ، وفي العراق ،اي في المنطقة . لم تُقدِمْ إسرائيل على هذه الخطوة العدائية تجاه إيران ، و اغتيال قائد بهذه المنزلة في الحرس الثوري الإيراني ، من دون ضوء أخضر من الادارة الامريكية ، وربما مِنْ غيرها أيضاً . مؤشرات تُعزّز رأينا،فما هي ؟
أولاً ، تهتم الادارة الأمريكية وتتحكم ،بشكل مطلق ،في نطاق ومساحة الحرب والمعارك التي تخوضها إسرائيل في المنطقة . حرصت وتحرص الادارة الأمريكية على عدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة ، وكان وما يزال هذا الحرص احد اسباب إمتناع امريكا عن الرّدْ على قرار الحوثيين بمنع وصول السفن والبواخر السالكة في البحر الأحمر ، و المتجهة إلى إسرائيل . ترى امريكا أنَّ لايران دوراً كبيراً في قرار وهجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى إسرائيل ، وقد صرّحت المتحدّثة باسم المجلس القومي الأمريكي ،السيدة أدريان واتسون ،قبل ثلاثة ايام ،أنَّ إيران متورطة بشكل كبير في التخطيط للعمليات التي يقوم بها اليمنيون في البحر الأحمر ، ونفت رسمياً إيران الاتهام .
عملية الاغتيال هي رّد أمريكي إسرائيلي على التورّط الايراني ،المزعوم ، في العمليات ضّدَ إسرائيل في البحر الأحمر .
عملية الاغتيال هي أيضاً ،فرصة ثمينة لنتنياهو ،ليس فقط للردْ على إيران ، وانما للاستمرار في الاغتيالات و الاعتداءات التي تستهدف ايران في سوريّة او في داخل إيران ، وكذلك هي فرصة مؤاتيه له لتحقيق انتصار معين ،لاسيما استخباراتي و عملياتي ،في وقت تنهال عليه ( واقصد على نتنياهو ) ، الانتقادات والشتائم من كل حدبٍ وصوب ، وفي وقت يواجه جيشه ونُخبه العسكرية خسائر فادحة ومُخزية في الأرواح والعتاد والآليات في غزّة .
ثانياً ، تداولت انباء صحفيّة عن معلومات مُسّربة ،مفادها نيّة إسرائيل باغتيال قيادات حمساويّة و قيادات من المقاومة في لبنان ، و عودة اسرائيل إلى ممارسة سياسة الاغتيالات في ساحة المقاومة . على ما يبدو ،لم يعرْ الطرف الإيراني اهتماما لهذا الإنذار او التحذير ، ظناً منه بأنَّ إسرائيل غارقة في وحل وانفاق غزّة ،و لن تجرؤ على الاقدام ،أو غُرّرَ ( و اقصد الطرف الإيراني ) بما تردده الادارة الأمريكية بحرصها على عدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة .
ثالثاً ، هل كان لروسيا علمٌ و دراية بالعملية وبالمُستَهدفْ ؟
نتساءل لأننا نتوقع وجود تفاهم سرّي او شبه سرّي بين روسيا وإسرائيل حول الاعتداءات و العمليات العسكرية التي تكرّرها إسرائيل ومن دون توقف في سوريّة ،تفاهم يمنعُ استهداف القواعد العسكرية الروسيّة في سوريّة و يتحاشى الجيش العربي السوري ، على غرار التفاهم والتنسيق بين روسيّا وامريكا حول العمليات العسكرية الأمريكية في شرق الفرات .
هل انتهزت إسرائيل فرصة برود العلاقات الروسية الإيرانية ، واستدعاء الخارجية الإيرانية للقائم بالأعمال الروسي في طهران ،يوم ٢٠٢٣/١٢/٢٤، بسبب دعم موسكو لموقف الدول العربية بشأن الجزر الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى و ابو موسى ) ، في البيان الصادر عن منتدى التعاون العربي الروسي والمنعقد في المغرب ؟
وهذه هي المرّة الثانية ،التي تستدعي الخارجية الإيرانية سفير روسيا لديها و تبلغه رسالة احتجاج ضدَ الموقف الروسي ازاء موضوع الجزر الثلاث .وكانت روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي قد اصدرت بياناً مشتركاً في اجتماعهم في موسكو ،في الصيف الماضي ،يدعو إلى إحالة قضيّة الجزر الثلاث إلى محكمة العدل الدولية .
من المناسب ،الاشارة إلى تصريح عضو لجنة الامن القومي في البرلمان الإيراني ، الذي قال فيه ” الروس يغدرون بنا متى ما شاؤوا”.
قد يكون لروسيا علم بالعملية ، ولكننا واثقون من عدم معرفة الروس التفاصيل والمُستهدَف في هذه العملية ! لا إسرائيل مطمئنة لدور الروس في سوريّة ، ولا إيران راضيّة بدور الروس في سوريّة ،والذي يسمح لإسرائيل بأن تكون يدها طليقة في سوريّة ،ولا تصلْ إلى القواعد العسكرية الروسية.
لنْ يكْ رّدْ إيران خارجاً عن المألوف ، ولن تمنحْ نتنياهو فرصة توسيع الحرب في المنطقة ، اي فرصة شمول إيران في ساحة الحرب . لن تك الحرب أوسع مساحة و جغرافية مما عليه الآن ، غزّة و الضفة وجنوب لبنان واليمن ،واستهداف قواعد عسكرية أمريكية في سوريّة والعراق . يحسبُ نتنياهو أنَّ كُلَّ ما تقوم به إسرائيل ضّدَ إيران هو غير كافٍ ، ولا يعادل ما تُلحِقهُ ايران بإسرائيل مِنْ خسائر استراتيجية ، و يرى انَّ إيران تُحارب إسرائيل في غزّة وفي جنوب لبنان وفي اليمن و في سوريّة . وللأسف تسود وجهة النظر الاسرائيلية لدى الدول الأوروبية ودول أخرى وكأنَّ فلسطين ليست حقّاً عربياً مُغتصبا ،والجولان ليست ارضاً سوريّة مغتصبة ومزارع شبعا وغيرها ليست اراضي لبنانية محتلة ،وإسرائيل ليست كياناً محتلاً توسعياً ومجرم حرب بامتياز وخطراً محُدقاً على امن وسلام المنطقة و العالم .
عملية الاغتيال الاسرائيلية والتي هي انتهاك للسيادة السوريَة ،واعتداء مُتواصل ، يرتقي لدرجة حرب على سوريّة ، تجعلنا نُكّرّرْ بعضاً من الاستفهامات المشروعة :
– هل سيستمر الموقف الروسي بتحديد استخدام دفاعات الجو الروسية المتطورة ،والموجودة على الأراضي السوريّة ، ضّدَ الغارات التي يشنّها العدو الصهيوني على الأراضي السوريّة ؟
-هل سيستمر الصمت العربي ،دولاً وجامعة دول عربية ،ازاء هذه الاعتداءات المتكررة على دولة عربية ،و يترّددْ في اصدار بيان رسمي تنديداً بهذه الاعتداءات المتكرّرة ؟
– هل سيستمر العالم في جعل كيان غاصب ومحتل ،و مرتكب لجرائم حرب وابادة جماعية ، مُحصّناً من العقاب والحساب ،و فوق القانون ؟ الاّ يّهمُ العالم وامريكا أمن واستقرار المنطقة والعالم ؟
سفير عراقي سابق .رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيزالقدرات ، بروكسل