يُعدُّ موقع شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في منصَّة (إكس) أحَد أهمِّ المواقع التفاعليَّة النشطة في السَّاحة العُمانيَّة، والَّتي تتميز بتنوُّع موضوعاتها والأحداث والمستجدَّات الَّتي تعالجها بشكلٍ يومي، ومواكبتها لسرعة حدوث الحالة أو الحدث من أجْل توعية المُجتمع بها وتعريفهم بما يجِبُ عَلَيْهم اتِّخاذه من تدابير أو بما تحمله في ذاتها من محطَّة للتوعية والتوجيه وإعادة هندسة السلوك، خصوصًا في القضايا ذات الصِّلة بالأمن والنظام العامِّ والالتزام بالقانون والذَّوق والآداب العامَّة والظواهر السلبيَّة في ظلِّ الرصد المستمر لها على مدارس السَّاعة من قِبل الجهات المختصَّة بشُرطة عُمان السُّلطانيَّة لتصبَّ جميعها في المعرف الرسمي لشُرطة عُمان السُّلطانيَّة. ولقَدْ شدَّني شخصيًّا ـ كما أثار اهتمام كلِّ مَنْ يتابع ويتفاعل مع الموقع ـ هو استحواذ ظاهرة المخدِّرات على مساحة واسعة من أحداث وأخبار الموقع، بما باتَتْ تُشكِّله المخدِّرات اليوم من تحدٍّ استراتيجي يجِبُ وضع حدٍّ لنهايته المؤلمة والمقلقة، وفي ظلِّ تصدر المخدِّرات المشهد الأمني في عمل شُرطة عُمان السُّلطانيَّة ـ ممثَّلةً في الإدارة العامَّة لمكافحة المخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة ـ الَّتي تقوم بِدَوْر فاعل ونشط في تعقُّب تجَّار المخدِّرات والمروِّجين لها ومنع دخولها إلى أراضي سلطنة عُمان.
وعلى سبيل المثال، أظهر الموقع في الفترة من (الأوَّل من ديسمبر- إلى 28 من الشهر نَفْسه من عام 2023) أنَّ عدد محاولات التهريب للمخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة الَّتي تعاملت معها الإدارة العامَّة لمكافحة المخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة بالتنسيق مع الجهات والتشكيلات المختلفة ذات العلاقة بشُرطة عُمان السُّلطانيَّة، بلغت (16) حادثة، وما يظهر من محاولات التهريب أنَّها كانت تأتي عَبْرَ البحر والشواطئ الممتدَّة لسلطنة عُمان، وأنَّ حالات التهريب وقعت من جنسيَّات آسيويَّة مع وجود مواطنين جناة في هذه القضايا، كما أنَّ مجموع مَن تمَّ تحصيله مِنْها بلغ (883 كيلوجرامًا) من مخدِّر الحشيش، و(801 كيلوجرام) من مخدِّر الكريستال، وما مجموعه (95 ألفً) قرص من المؤثِّرات العقليَّة، وبالتَّالي ما تحمله هذه الإحصائيَّة البسيطة ممَّا يظهر عَبْرَ الموقع ولشهر واحد فقط من الخطر الجسيم الَّذي تسببه المخدِّرات أن لو دخلت أرض سلطنة عُمان، لنتصوَّرَ أنَّ (1684 كيلوجرامًا) و(95 ألف) قرص من المؤثِّرات العقليَّة دخلت إلى أرض السَّلطنة .. أليست النتائج ستكُونُ كارثيَّة؟
من هنا باتَتْ هذه المؤشِّرات تطرح اليوم تساؤلات عديدة وعلامات استفهام كبرى حَوْلَ استمرار هذه الظاهرة رغم الجهود الوطنيَّة الَّتي تبذلها شُرطة عُمان السُّلطانيَّة وغيرها من الجهات ذات العلاقة في مكافحة المخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة، والأسباب الَّتي تقف خلف هذه المحاولات من التهريب رغم علم هذه العصابات المروِّجة والمتاجرة بالمخدِّرات بترصد الإدارة العامَّة لمكافحة المخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة والجهة المساندة لها لأيِّ محاولة مِنْها لاختراق الحدود العُمانيَّة البَرِّيَّة والبحريَّة والجوِّيَّة لدخول هذه المواد الفتَّاكة والخطرة إلى أرض السَّلطنة وتداعياتها على حياة الأبناء والمُجتمع والأُسرة والأمن الوطني عامَّة، وأيضًا أسباب استمرارها رغم الجهود الإجراءات القانونيَّة المتَّخذة حيالها، وغيرها كثير، وهل المُجتمع العُماني مستهدف بهذه المخدِّرات؟ وهل يراد مِنْها محاولة توجيه الشَّباب لغير أولويَّاتهم؟ وكيف نؤسِّس وعيًا مُجتمعيًّا يدرك مخاطر المخدِّرات كما يدرك أيضًا أثر هذه العصابات المنظَّمة المتخفية تحت أسماء وأشكال وتوجُّهات وعناوين مختلفة في تحقيق أهدافها الخبيثة وواجبة في الإبلاغ عَنْها؟ ما يعني أنَّ المسألة يجِبُ أن تقرأَ اليوم في إطار مدخل منظومي متكامل، فالمخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة باتَتْ تتصدر المشهد الاجتماعي في ظلِّ تشويهها للقيم وتقويض اللحمة العائلية والأُسريَّة وإشعال هاجس التوتر والقلق في حياة الأجيال القادمة.
إنَّ واقع ما يحصل في انتشار ظاهرة المخدِّرات في مُجتمع سلطنة عُمان يعود بنا إلى جملة الدلالات الَّتي تحملها توجيهات جلالة السُّلطان المُعظَّم في دراسة الظواهر السلبيَّة في المُجتمع العُماني ومِنْها جرائم المخدِّرات، وهاجس الخطر الناتج عَنْها، فمن جهة يُشكِّل الشَّباب في مُجتمع سلطنة عُمان ممَّن أعمارهم 18- 29 سنة، ما يقارب من 20% من أعداد السكَّان، كما أنَّ الأطفال من سن 0- 18 سنة يُشكِّل ما يزيد عن 50% من عدد السكَّان، فهو بذلك مُجتمع فتي ناضج، ولمَّا كانت المخدِّرات تستهدف الفتك بالنشء والشَّباب وموجَّهة إليه لذلك كان وجود هذه الظواهر واستمرارها هاجسًا يدقُّ ناقوس الخطر ويؤكِّد الحاجة إلى تبنِّي سياسات وطنيَّة أكثر احترافيَّة وشموليَّة واتساعًا وعُمقًا منطلِقة من الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لمكافحة المخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة (2023- 2028) الَّتي أقرَّها جلالة السُّلطان في الرُّبع الأوَّل من عام 2023م، وتعظيم المسؤوليَّة المشتركة في تحقيق الأهداف الأربعة للاستراتيجيَّة الوطنيَّة لمكافحة المخدِّرات (2023- 2028)، والَّتي اتَّجهت نَحْوَ تعزيز وتطوير القدرة الوطنيَّة العُمانيَّة في مجالات الوقاية والتوعية، والعلاج والتأهيل وإعادة الدمج، والمكافحة، والرصد والدراسات، بالإضافة إلى ما أطَّرته من برامج عمليَّة تتناغم مع الأهداف الاستراتيجيَّة وتجسيدها في الواقع، وما طرحته في سبيل تحقيق هذه البرامج من سياسات وممكنات وموجِّهات بلغت 26 سياسة، تُمثِّل خيارات داعمة للانطلاقة مِنْها لتحسين جودة هذه البرامج.
هذه المعطيات تُشكِّل استشعارًا وطنيًّا لهاجس الخطر المترتب على انتشار ظاهرة المخدِّرات في المُجتمع العُماني والآثار السلبيَّة المترتبة عَلَيْها، وتداعياتها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة والأمنيَّة، كونها أشدَّ الآفات فتكًا بالمُجتمع والتلاحم الاجتماعي والأُسري، وأكثر مسبِّبات الصراعات والتفكك الأُسري، وتأثيراتها الاقتصاديَّة ناتجة عن حجم ما تحتاجه عمليَّات التوعية والتثقيف والمكافحة وإدماج المتعاطين للمخدِّرات في المُجتمع والأُسر وعمليَّات العلاج والرعاية وغيرها من موارد وإمكانات لمعالجتها في مختلف مراحل العمل، وبالتَّالي الهدر الَّذي يُمكِن أن يتسبَّبَ من خلالها، سواء على المال العامِّ والموارد الوطنيَّة أو كذلك الهدر في القدرات البَشَريَّة الوطنيَّة؛ لكون هذه المخدِّرات الطريق لهدم المُجتمع، وإيجاد إنسان مريض فكريًّا ونفسيًّا وجسديًّا غير قادر على الاعتماد على نَفْسه، ويشعر بحالة من الوهن والضعف والموت المتدرِّج في عدم استطاعته على العيش السَّوي في الحياة والمشاركة في المُجتمع. بالإضافة إلى حجم القلق الاجتماعي والتداعيات الأمنيَّة المرتبطة بالمخدِّرات في ظلِّ ما يتوقع من ممارسات الإجرام والاعتداء والتعرُّض للآخرين الآمنين، وممارسات أخرى ترتبط بفعل هذه الجريمة في انتشار العصابات الإجراميَّة في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والأمن الوطني والسَّلام الداخلي للمواطن.
ومع أهمِّية التكامليَّة في العمل الوطني الموجَّه نَحْوَ الحدِّ من هذه الظاهرة، والَّذي يُمكِن أن ينطلقَ من الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لمكافحة المخدِّرات، فإنَّ التساؤلات المطروحة وارتفاع مؤشِّر القلق الاجتماعي من المخدِّرات وتأثيرها على النسيج الاجتماعي؛ تستدعي مراجعة جادَّة ومِنْهجية لكلِّ الثغرات والتحدِّيات الَّتي تقف وراء اتساع نطاق محاولات تصدير هذه المخدِّرات إلى الأرض العُمانيَّة، وانطلاقة جادَّة في وضع محاور وأجندة وبرامج عمل واضحة في تعامل كلِّ قِطاع الدَّولة المعنيَّة معها، وإدراك مسؤوليها في العمل على تبنِّي سياسات جمعيَّة وتكامليَّة قادرة على صناعة الفارق ووقف هذه الهجمات الشرسة الَّتي تستهدف تغريب الناشئة العُمانيَّة والتأثير عَلَيْها وزعزعة الروابط الاجتماعيَّة والأُسريَّة، وبالتَّالي تلمُّس نقاط الضعف والأسباب الَّتي باتَتْ تروِّج لهذه الاختراقات أو محاولات الاختراق للحصون العُمانيَّة في سبيل إدخال هذه المخدِّرات، وعَبْرَ تعظيم دَوْر المواطن كشريك أساسي للإبلاغ عن هذه العصابات أو المشتبه بها، وتهيئة كلِّية للمُجتمع بكلِّ أطيافه وشرائحه في أن يكُونُوا صمام الأمان والحصن الحصين لأبناء الوطن وبناته من آفة المخدِّرات، فإنَّ استشعار الجميع لِدَوْره ووضوح مسارات العمل في التوعية بمخاطر المخدِّرات، وتحصين المُجتمع مِنْها من خلال رفع سقف الوعي بمخاطرها وتأثيرها وخطورتها وضرورة التصدِّي لها وعدم السماح لها بدخول التحصينات العُمانيَّة أصبح ضرورة محوريَّة وأولويَّة وطنيَّة، لذلك نعتقد بأنَّ تكامل تحقيق تلك المحدِّدات المشار إليها في الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لمكافحة المخدِّرات بات يطرح وجود برنامج عمل وطني واضح المعالم يتسع لمشاركة الجميع فيه، ولا يعفي أحدًا من المسؤوليَّة حتَّى أولئك الَّذين تسوِّل لَهُم أنْفُسهم تحقيق أرباح ماليَّة من نشر هذه الآفة في المُجتمع، ووضعهم في مسؤوليَّة إنتاج الحلول؛ كونهم جزءًا من الحلِّ، كما لا تكفي مسألة التوعية بالمخدِّرات والمؤثِّرات العقليَّة في المدارس والجامعات والأُسر والبيوت ووسائل الإعلام والمؤسَّسات وغيرها، بل تشمل أيضًا تصحيح ومعالجة كلِّ الأسباب الَّتي تدعو إلى مجرَّد محاولة التفكير في اختراق التحصينات العُمانيَّة لإدخال هذه الجراثيم السرطانيَّة الخبيثة إلى المُجتمع العُماني، وهذا أمْرٌ يستدعي تعزيز التشريعات والقوانين ورفع درجة التغليظ فيه، بما يضمن سدَّ هذه المنافذ وإغلاق فرص الطلب على المخدِّرات بما يُسهم في الحدِّ من هذا النشاط الغريب الَّذي يمارسه تجَّار المخدِّرات.
أخيرًا، فإنَّ ما يحصل اليوم من نشاط غير مسبوق لتجَّار المخدِّرات ومروِّجيها في محاولتهم لاقتحام التحصينات العُمانيَّة الَّتي فرضها رجال عُمان المخلصون من حماة الحقِّ حرَّاس المبادئ أبناء شُرطة عُمان السُّلطانيَّة، تستدعي أن يواكبَها في المقابل نشاط موازٍ لها في بناء القدرة الوطنيَّة المتكاملة لإرغام هؤلاء على التراجع وعدم التفكير في جعل سلطنة عُمان محور أهدافهم الدنيئة وممارساتهم المبتذلة. حفظ الله سلطنة عُمان وشبابها من خطر المخدِّرات.
د.رجب بن علي العويسي