لم أعهد منذ وعيتُ أن الولايات المتحدة الأمريكية التزمت نصا من نصوص هذه الحياة، كانت من النصوص الأدبية والأخلاقية العالمية، أو من قوانينها، ولا بمؤسساتها التي تسهر على تطبيق هذه القيم والمبادئ والآداب العالمية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها.
باختصار الولايات المتحدة بتكوينها الامبريالي ونظامها القائم تعد دولةً مختطفةً من قبل لوبي صهيوني عفن، متغلغل في مفاصلها، ومواطن قراراتها، وليس لشعبها إلا الانتفاض وتحريرها، وحتى ذلك الحين تبقى الولايات المتحدة دولةً مارقة، جديرا بها وبقياداتها المحاكمة والقصاص، إلا أنَّ ما يمنع ذلك هو عدم وجود قطب مقابل ذي كفاءة وجرأة يؤكد على تطبيق القانون الدولي ومحاسبة أي كان على مخالفته، سواء كانت دولة أو معسكرا أو مؤسسة دولية.
إن غطرسة هذه الدولة المارقة بحق تتبدى بشكل قاس في موقفها القذر من منع السفن الصهيونية من الوصول إلى فلسطين المحتلة من قبل أشراف العرب من الأخوة اليمنيين، فرغم أن الملاحة الدولية عبر باب المندب قائمة بشكل اعتيادي عدا تلكم التي تخدم الكيان المحتل لفلسطين، ورغم أن اشتراط مرورها بسيط وإنساني ويدعم القوانين والأعراف الدولية، وهو دخول الاحتياجات الضرورية للحياة لأهلنا في غزة، رغم بساطة المطلوب وأهميته، إلا أن الولايات المتحدة بعبثيتها المعتادة وعنجهيتها وعدم اكتراثها آثرت أن تدافع عن الكيان وحصاره وحربه الجائرة، رغم أنها كانت تستطيع حل الأمر بإدخال الاحتياجات الإنسانية لغزة؛ بإدخال الحليب للأطفال، والماء للعطشى، والطعام للجوعى، والدواء للمرضى، والآليات لرفع الأنقاض عن رؤوس المهدومة بيوتهم، ولكن أنّى لها هذا الشرف وهذه الإنسانية وهذه الأخلاق، وهي شريكة مباشرة في الحصار والمجازر بأهل غزة، أنى لها وإجرامها وإرهابها أكبر من إرهاب الكيان الصهيوني ذاته.
هو هذا النظام الآثم الذي يراد له أن يحكم العالم ليتحول إلى غابة لا مرجعية لها، يأكل فيها القوي الضعيف، وتسقط فيها الإنسانية، ويتزعزع المجتمع، فلا قيمة لبشر ولا حجر فيها، ولا وجود لعدل ولا حقوق ولا مباديء، عالم يضج بالفوضى، وتعصف به الظلمات، نظام تتبدى فيه داعش والمنظمات الإرهابية والإجرامية العالمية في شكل دولة عظمى تمارس كل صنوف الوحشية باقتدار وتفان كبير، تعطل القوانين والمؤسسات لخدمة أجندتها الإجرامية، وتدوس على الإنسان والإنسانية والبشرية وحقوقها بقدميها القبيحتين، وتنهش جسده البريء بمخالبها السوداء، وتجلده بوجهها القبيح منذ نشأته، ترهب الدول والمؤسسات بترسانتها الكبيرة ولا تبالي..
ليس لهذا النظام الإرهابي المجرم إلا الإسلام والبقية الباقية من الشرائع السماوية المتسقة معه الثابتة على أصلها الرباني، والتي أراد النظام العالمي المجرم طمسها، الإسلام الذي يحاربونه اليوم في صورة غزة، الإسلام القرآني العدل، الذي يحترم الإنسان والأديان السماوية ومقدساتها، الإسلام الذي نشأ عليه الصحابة وتربوا عليه بين ظهراني المصطفى الإنسان عليه الصلاة والسلام، بعيدا عن أي غلو أو ترهل أو ظلم، مقابل الصهيونية التي تتبنى شاهرا ظاهرا الاصطفاء العرقي، وتحقر من الإنسان الآخر طفلا وشيخا وامرأة، وتستمتع بسحله وقتله، النظام العنصري الذي تتبناه الولايات المتحدة، وتطبقه على الأرض، بعد ما تبدّى خُدَّامها وعبيدها المنافقون والمرتدون وظهرت وجوههم القبيحة، وتجلت الطبقات الثلاث التي ذكرها القرآن (عدوَّ الله وعدوَّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)، فشاركوها الخندق والهدف…
نعم الإسلام فقط في قرآنه وشريعته هو المنقذ لهذا العالم وإنسانيته وأبسط حقوق العيش فيه، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا… وهو قائم لا محالة، ولن يفوز بشرفه الخائنون.. وعلى مَنْ به بقية من حكمة ووعي وشرفٍ دولةً وحكومةً ومؤسسةً وحتى أفرادا أن يتراجع، ويحمد ربه على إدراكه الكيدَ وقد تبدى له وهو بصحة وعافية، وأن يجمد ويرفض كل أشكال التعاون بينه وبين مؤسسات هذه الدولة المارقة أو تلك التي تستظل بظلها البائس من الغرب العنصري القبيح -لا سيما بريطانيا رائدة الشر الكبرى- في المجالات التربوية والمنهجية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، ويستنقذ ذاته من أي مقترحات تقدمت بها تحت عناوين فضفاضة من أمثال تطوير المناهج، وتعزيز قيم الحرية والعدالة والمساواة، وحقوق المرأة وحقوق الطفل وغيرها وهم أبعد عن هذا كله.. وأن يجعلوا لتراثهم وثقافتهم مساحة للتوجيه والتأثير… وأن يعبروا لسفراء أمريكا والغرب عموما عبر استدعائهم الرسمي لأروقة وزارة الخارجية عن استيائهم لسياسة دولهم، وطردهم إن أمكنهم، وقد سفكوا دماء الأبرياء وعطلوا قوانين الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية عامة… وأن يجدوا بدائل تمنع هذه الفوضى والعبثية والظلم العالمي.. إما بالانسحاب الجماعي مع باقي أحرار العالم ودوله من هذه المؤسسات عديمة القيمة والوزن (الأمم المتحدة ومجلس الأمن)، أو القيام بالحفاظ عليها مع نقل مقراتها من الولايات المتحدة إلى شيء من عواصم العالم الحر الكثيرة، وإلغاء المعطلات من الصلاحيات غير العادلة ولا الديمقراطية كحق النقض الفيتو وغيره، والتكتل بما يضمن لهذا العالم العدل والأمان والمرجعية الحقيقية الفاعلة، فبقاء هذه المؤسسات في أرض سبخة تعمل على تعطيلها وتدميرها خيانة لها وللعالم أجمع.
على الذين قالوا “يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون (الغرب) إنه لذو حظ عظيم”… فسبحوا بحمده وداروا في فلكه، فقلدوا منه كل شيء، فتفسخوا وانسلخوا.. وتمصخوا… وأصبحوا دمى أو بضع عقول فارغة حُشيت تبنا.. ليس عندها قيم ولا مروءة ولا ذرة إحساس إنساني سوى التقليد والتقليد الأعمى فقط… عليهم وقد تبين لهم كيف سقط قارون والغرب في وحل الظلم والظلام وانفلات قيمهم وكيف خُسف بهم وكُشف نفاقهم على الملأ … عليهم أن يَنفَضُّوا وينتفضوا وقد تبين لهم كيف فعل الله بهم، حتى أصبحوا عدوا للعالمين ولإنسانيته وقيمه.. وملعونين في كل محفل وحين.
أخيراً نؤكد على الطاقة الهائلة التي تكتنزها الدعوات من القلوب الحرة الصادقة المرفوعة لخالقها نصرةً للمظلمة الواقعة على غزة وأهلها الكرام، واستغاثتهم مهما كانت خلفياتهم وثقافاتهم، ونحث كل حر في العالم على عدم الفتور والضعف، وعلى الثقة بالإنجاز والإجابة والإغاثة، وأن يجعلوا نصيبا من صلواتهم في يومهم يدعون الله فيه لنصر المظلومين، ودحر الظالمين، وأن لا يبخلوا على العتاة الظلمة عربا وعجما، حكاما ومحكومين، فيُصلوهم بصِلِّياتِ الدعوات المختلفة، ويتفنون لهم فيها، يرصونهم اسماً اسما بلعنهم وسحقهم، وشفاء قلوب المكلومين منهم عاجلا غير آجل، فإن ربهم سميع عليم..
نصر الله المجاهدين في سبيله في فلسطين واليمن والعالم أجمع، وأخزى الله عدوه وعدو البشرية جمعا… وسَوَّدَ الله وجوه المنافقين المرتدين الأتاتوركيين، الذين وصل بهم الانحطاط مقام النعال، فرخَصُوا ورَخَصَت بهم قيمتهم… جعل الله نصره للمجاهدين آية للعالمين وحسرة على الكافرين.. وشفاء لصدور المومنين وإذهابا لغيظ قلوبهم.. وذلا وخزيا وعارا على المنافقين…والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي
الإثنين
١٨ جمادى الآخر ١٤٤٥ هـ
١ يناير ٢٠٢٤ م