لقد كان لعملاء المخابرات الأمريكية دور بارز في إشعال الحروب والفتن حول العالم، وذلك عندما تكون المسألة تخدم سادتهم الأمريكان، وقد صدّعنا هؤلاء، وخاصة تجار الدين، بفتاويهم الضالة، وذلك عندما يتعلق الأمر بمصالح الغرب، فاستنهضوا هِمَم النَّاس للدفاع عن مُسلمي الروهينجا في بورما (ميانمار)، ومُسلمي الإيجور في الصين، ومسلمي الشيشان في الاتحاد السوفيتي يومذاك، لكن لم يُفتوا بنجدة المسلمين في البوسنة والهرسك! لأنَّ الذين يقومون بالحرب هناك هم الأمريكان والغرب ضد الشعب البوسني المُسلم.
وقد كانت بعض الدول العربية تحارب مع حلف شمال الأطلسي “ناتو” ضد المسلمين البوسنيين العُزل، ولم يساعدهم أحد إلّا إيران، وهذا أمر ذكره الرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة وقت الحرب. وهناك دول ادعت أنها حامية حمى المسلمين، فقد كان دورها توفير الفتاوى المضللة ضد الأمة العربية والإسلامية.
ثم نجد عملاء حلف شمال الأطلسي يَبرزون من جديد ليُفتوا بجواز تدمير العراق وشرذمته وتشتيته شيعًا وأحزابًا لصالح إسرائيل والغرب، وقتل شعبه ورئيسه وعلمائه. ثم في سِنِي الضياع العربي الذي سُميّ بهتانًا وزورًا بـ”الربيع العربي” خرج علينا مفتُو الكذب والدجل لتدمير الدول العربية، فبدأوا بتونس وليبيا ومصر وسوريا ولبنان واليمن، فعاثوا في هذه البلدان فسادًا بفتاويهم الضالة، وقد فعلوا مثل هذا في الجزائر بما عرف بـ”عشرية النار”، وكذلك دفعوا المليارات الكثيرة من أجل التدمير وقتل الناس وتهجير بعضهم إلى خارج الحدود، كل ذلك خدمة لإسرائيل وحماتها من الأمريكان والغرب، فدمروا سورية تدميرًا ممنهجًا، وسهلوا دخول القوات الأمريكية والغربية، ومعهم حليفتهم تركيا عميلة إسرائيل والناتو.
فإذا كان الحديث الشريف الناهي عن الفتوى بغير علم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَفْتَى بغيرِ علمٍ لَعَنَتْهُ مَلائكةُ السماءِ والأرضِ”. وقيل في صيغة أخرى: “من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار”. هذا لمن أفتى بغير علم مع حسن النية فهكذا عقابه، فما بال من يفتي بسوء نية ويقصد الإضرار بالمسلمين، وقتلهم وتدمير بلدانهم، فأي عذاب أليم ينتظره، ما نقول إلا ما أصبرهم على غضب الله والملائكة والناس أجمعين.
وعندما عرف هؤلاء الضالون عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: “تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء (القدس)”، فسارع الغرب وأدواتهم في المنطقة لخلق شرذمة من الوحوش البشرية، تقتل المسلمين وتحرقهم وتغرقهم في الماء، أو تستخرج الأكباد وتأكلها نيئة، فعملوا لها رايات سوداء، واعطوها اسم الدولة الإسلامية “داعش” ووفروا لها المال والسلاح، والجند والجغرافيا، وقد فعلوا ذلك مسابقة لأمر الله، وحتى لا يكون لخرسان أي فضل في ذلك، لكن أمر الله ماضٍ في خلقه، ولو كره المشركون، والأهم من كل ذلك أنهم صدّقوا بذلك على افتراءات اليهود والنصارى على أن الإسلام دين إرهاب وقتل وتدمير، وهناك دليل على تبعيتهم للمخابرات الغربية، فإن من يصاب منهم يُرسل للعلاج في إسرائيل، ولن تجد تهديدًا واحدًا صدر من تلك الدولة “اللا إسلامية” ضد إسرائيل أو الغرب، وليفهم ذلك من به مثقال ذرة من عقل.
ولكن يا سبحان الله؛ عندما قامت حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية بمعركة 7 أكتوبر لإنهاء القهر والذل والظلم عن الشعب الفلسطيني، الذي يقوم به اليهود أعداء الله والدين والإنسانية ضدهم، فإنَّ ضفادع حلف شمال الأطلسي، قد توقف نقيقها وفتاويها الضالة، ولم نجد مسعورًا واحدًا ينبح في الساحة، ويحض الناس على الجهاد مع الشعب الفلسطيني الأبّي، وكأن بجهابذة الفتوى الضالة قد أخرسهم الشيطان عن النطق بكلمة الحق، عدا بعض الكلاب الضالة التي تطالب القائد أباعبيدة بأن يجاهد اليهود بالسنن، ولكن لا بأس عنده أن يحارب اليهود الشعب الفلسطيني بالقنابل المحرمة دوليًا، والطائرات والصواريخ والدبابات والمدافع، والاستعانة عليهم كذلك بالأساطيل الغربية، والحرمان من الماء والدواء والطعام.
ولكي تفرّغ هذه المعركة التي حدثت يوم 7 أكتوبر من مضمونها، وهي قد أتت كردة فعل للإجرام الذي ظل يُطارد به الفلسطينيون على مدى 75 عامًا من القتل والتنكيل والإذلال، واغتصاب الأراضي والحقوق وحرق الناس أحياء، أو قتل النساء والأطفال في الشوارع، فيأتيك شخص تافه فيقول؛ إن هذه المعركة كانت انتقامًا لاغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، وإن كان لا أحد من الفلسطينيين يُنكر فضل وجهود قاسم سليماني على تطوير وسائل القتال لدى فصائل المقاومة في فلسطين، وكذلك في لبنان والعراق واليمن، لكن الذي دفع بالمقاومة للقيام بهذه المعركة الشريفة أكبر بكثير من أن تكون انتقامًا لمقتل قائد واحد، وقاسم سليماني انتقمت له إيران، وذلك بضرب القواعد الأمريكية، وما تزال تتوعد بالمزيد، وهي قادرة على ذلك، ثم إن منظمات المقاومة لم تقل ذلك، وكذلك إيران لم تقل هذا، وإنما قالت نحن نساعد وندعم فصائل المقاومة كواجب ديني فرضه علينا القرآن الكريم تجاه إخواننا المسلمين، ولكن لا نتدخل في قرارات المنظمات الجهادية.
ثم يأتيك بعض المرجفين في الأرض، فيقول إن محور إيران وأدوتها في المنطقة، هم من يحاربون إسرائيل، أما هُم فلا دخل لهم في الذي يحدث. كل هذا التضليل يعطي لليهود الجرأة أكثر وأكثر في قتل الفلسطينيين أو إرغامهم على الهجرة من أرضهم، ولا يخجل البعض من المجاهرة بالعداوة ضد الفلسطينيين، ولا يخف عشمه في انتصار الصهاينة على الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة. وقد قال تعالى في هؤلاء الضالين حكمه الأزلي: “قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا” (مريم: 75). إذن تفيد الآية الكريمة بأن الذي سلك طريق الضلالة لن يهديه الله إلى طريق الحق، بل سيمد له السبيل، لكي يوغل في الضلال أكثر فأكثر حتى يظهر أمره عليه.
لقد أضحت غزة اليوم أكثر حرية من ذي قبل، رغم مساحتها وإمكانياتها المحدودة، وإنها الأكثر حرية من كل دول الوطن العربي، وذلك برغم الحصار والحرب العالمية التي تخوضها ضد دول حلف الأطلسي، وضد أدواته في المحيط القريب لها، فغزة التي تمثل عز العرب وكرامتهم، تجدها تمثل نبراسًا حاضرًا لكل الشعوب العربية، وهي تقف معها وتساندها بما تستطيع إليه سبيلًا، ولقد أتت ثورة الأحرار في السابع من أكتوبر كنقطة فارقة ليس في تاريخ فلسطين وحدها، وإنما في تاريخ العرب كافة، وذلك بغض النظر عن موقف الحكام، فمهما فعل المرجفون في الأرض، فإنَّ قطار التغيير قد انطلق، ولن يتوقف إلا في محطة النصر المؤزر في القدس الشريف، وأن قرار التحرير أصبح في أيدي الشرفاء من أهل غزة، وأن مشعل الحرية والعزة والكرامة، قد أشعل صباح يوم 7 أكتوبر 2023م ولن يطفأ- بإذن لله- إلّا وقد تحررت كل الدول العربية من التبعية إلى الخارج من أعداء الأمة.
إنه لجهاد نصر أو استشهاد (الله أكبر والنصر للمؤمنين) ولا نامت أعين المرجفين من المنافقين والخونة والعملاء.
حمد بن سالم العلوي