تمهيد :
كتقييم أولي أن الثلاث أسابيع المقبلة اي حتى نهاية شهر يناير الحالي مليئة بالمفاجآت .اي ربما يتوسع الصراع في غزة لِما بعد اليمن وحينها ستدخل المنطقة بواقع جديد ومخيف. لا سيما عندما يقوم الحوثيون بإحصاء الدور اللوجستي الذي قدمته الدول الخليجية لدعم الضربات الاميركية البريطانية ضد اليم؛ لأن الطائرات التي نفذت الضربات ضد اهداف داخل اليمن أقلعت من قواعد داخل دول المنطقة وعبرت اجواء دول في المنطقة وبالتالي سيعرفها الحوثيون آجلا او عاجلا ، وطبعا باستثناء دولة البحرين التي وضعها الحوثيون في خانة العدو لانها هي اختارت الوقوف العلني مع اميركا ضد الحوثيين ، ولا نتوقع سوف تسلم البحرين من الاستهداف الحوثي ، وهذا كله مرتبط باصرار نتنياهو الاستمرار حتى النهاية في حربه في غزة واحتمال العبور وارد جدا نحو الضفة الغربية ايضا لاجبار التهجير نحو الاردن ومصر وحتى العراق ودول اخرى ، ولن يتأثر اي نتنياهو بالمحكمة في لاهاي ولا بالحصار البحري الذي ينفذه الحوثي ولا بالضغوطات الداخلية مادام يلقى الدعم من الادارة الاميركية والرئيس بايدن و بقوة !.
ولكن من يريد توسيع الحرب ؟
نكاد نجزم ان الذي لا يريد لنتنياهو السقوط والذهاب الى المحكمة هي الحركة الصهيونية العالمية واليهود اصحاب المال وعصب الاقتصاد في امريكا واوربا ، والذين يؤمنون بالتلمود والاساطير التوراتية ( فهؤلاء لا يريدون ايقاف الحرب كونها حرب مقدسة من وجهات نظرهم، وان نتنياهو يقود هذه الحرب المقدسة ) وهم الذين ورطوا الولايات المتحدة في حرب غزة بل في مستنقع غزة من خلال اجبار الرئيس الصهيوني جو بايدن ، واخيرا ورطوا بريطانيا وامريكا في اليمن للدفاع عن نتنياهو وعن اسرائيل وعن هذه الحرب المقدسة ، ومن هنا باتت المؤشرات تشير الى اتساع الحرب لحماية نتنياهو ومن ثم حماية اسرائيل ، وعندما تتوسع الحرب سوف تتطاحن الدول العربية فيما بينها واولها الدول الخليجية. وحينها سوف تتفرج اسرائيل على هذه المطحنة وتديمها ، وسيكون عنوان الصراع ( القوي سيأكل الضعيف ) وسوف تستثمرها الحركة الصهيونية لصالح اسرائيل وبدعم امريكا وبريطانيا والمانيا والغرب.
لماذا السرعة بضرب اليمن ؟
هناك انتقاد عالي المستوى من اعضاء في الكونغرس الاميركي واغلبهم من الحزب الديموقراطي ضد قرار الرئيس الاميركي جو بايدن بالسماح بضرب اليمن ، ويقولون ان هذا التصرف خارج الدستور لانه يفترض بالرئيس بايدن اخبار الكونغرس :
أولاً : وحتى مسؤول البنتاغون السابق آدم كليمنتس قال” الهجمات على اليمن خاطئه جدا ولن تنجح في تحقيق هدفها المتمثل بردع الحوثيين”ناهيك عن استنكار كثير من الدول ومنها روسيا وسلطنة عمان والسعودية والعراق … الخ !، ولكن الرئيس بايدن اعطى الأمر كصهيوني يمتثل لقادته في الحركة الصهيونية !.
والسؤال : لماذا استعجل الرئيس بايدن باعطاء الموافقة على ضرب اليمن ؟
- لن نستبعد ضغط اللوبي اليهودي الصهيوني في امريكا على الرئيس الصهيوني بايدن ليعطي الضوء الاخضر لتلك الضربات ضد الحوثيين وبسرعة وذلك لتغيير قواعد الاشتباك في منطقة باب المندب الاستراتيجية التي تتحكم بالعصب الاقتصادي العالمي بشكل عام ، والعصب الاقتصادي لإسرائيل ومصر والاردن بشكل خاص!.
- جاءت الضربات بضغط من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وذلك لابعاد الانظار والاعلام عن فضيحة المعبد اليهودي . اي ( للتغطية على الفضيحة الضخمة التي تكشفت خيوطها حول الأنفاق السرية تحت المعبد اليهودي في نيويورك). والفضيحة عندما تم العثور داخل الأنفاق على أشياء غريبة مثل “الكراسي العالية للأطفال، وعربات الأطفال، ومراتب ملطخة بالدماء، وملصقات على الحائط كتب عليها “مرحبًا يا موشياخ” (المسيح)”فصار لابد من لملمة الفضيحة باي طريقة وابعاد الاعلام والانظار عنها !
- وايضا جاءت الضربات ضد الحوثيين بتنسيق اميركي بريطاني اسرائيلي للتشويش على محاكمة اسرائيل في محكمة لاهاي والتي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا والتي تعاطف معها ثلاث ارباع العالم . والتي قاطعت نشرها القنوات( CNN, BBC, FoxNews, MSNBC, CNBC, CBS, NBC, DW, SkyNew جميعها)اي تجاهلت بشكل تام نقل وقائع مرافعة جنوب أفريقيا التي تفضح أفعال ونوايا الإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة. والخسة والنذالة تم نقل وبالمباشر من ذات القنوات نفسها لأكاذيب ومزاعم إسرائيل في جلسة “حق الدفاع”، وبازدواجية قلَّ نظيرها اسقطت هالة الاعلام الحر وهالة حقوق الانسان واسقطت حرية التعبير .. الخ !.
- وايضا هي عملية هروب من مستنقع غزة الذي ورط نتنياهو فيه كل من واشنطن ولندن وبالتالي ( فمثلما هربوا من مستنقع اوكرانيا نحو غزة لنسيان اوكرانيا ، والان هربوا صوب اليمن لنسيان غزة)،اي اشغال العالم باليمن لينسى العالم خسارة امريكا والغرب في اوكرانيا وعجزهم عن تحقيق شيء في غزة !.
- هناك حاجة ماسة للهروب للأمام من قبل رئيس الوزراء البريطاني “الهندي الاصل” سوناك لان هناك حملة سياسية في بريطانيا هذه الايام ضده واتهامه بالفساد عندما كان وزيرا للمالية بزمن رئيس الوزراء الاسبق جونسون وغايتهم الاطاحة به من رئاسة الوزراء ومن رئاسة حزب المحافظين خصوصا وان هناك غضب بريطاني من جعل بريطانيا ذنباً للولايات المتحدة !.
الخلاصة : - ومثلما أشرنا في سياق هذا المقال تريد الولايات المتحدة اخذ زمام المبادرة في باب المندب، وتحاول بريطانيا العودة لتركتها الاستعمارية القديمة في باب المندب ، ولكن هذه الضربات بالطائرات لا تحل المشكلة بل سوف تعقدها أكثر؛لان الحوثيين ليسوا اقلية وليسوا قراصنة وليسوا تنظيم ارهابي بل هذا بلدهم وتلك ارضهم . وان جماعة أنصار الله الحوثيين يسيطرون على نحو 280 كيلو متر من السواحل الاستراتيجية على البحر الأحمر. وهذا امتداد استراتيجي مخيف يجعلهم منصة ضخمة وكبيرة تطل على أهم ممر مائي واستراتيجي في العالم ويتحكم في اقتصاديات العالم ويتحكم في أهم خطوط الطاقة في المنطقة والعالم. وبالتالي من الصعب جدا تأمين خذه السواحل الاستراتيجية.
- فقطاع غزة الذي يبلغ طوله 41 كم، وعرضه من 6 إلى 12 كم ولم تستطع إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا السيطرة عليها فكيف بهذه المساحة الهائلة والمعقدة في اليمن سوف تسيطر عليه وتفرض ارادتها ؟ انها مقامرة خاسرة وسوف يعاد سيناريو الصومال عام ١٩٩٣ضد القوات الاميركية وحال نزولها او انتشارها وحتى وان كانت بحريا !.
د. سمير عبيد
١٣ يناير ٢٠٢٤