علماء الاقتصاد دائمًا يضعون الخطط البديلة لأيِّ مورد ذي عمر معيَّن، وبالتَّالي فهم يعرفون حقَّ المعرفة بأنَّ الموارد النفطيَّة سوف تنضب يومًا ما، وأنَّ آبار النفط ومشتقَّاته سوف تنتهي بتاريخ معيَّن. ومن خلال البحوث والمنشورات الَّتي تخصُّ الموارد النفطيَّة بصورة خاصَّة والاقتصاديَّة بصورة عامَّة، بدأت المدارس الدبلوماسيَّة وضِمن مظلَّة الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة تنظر وتؤكِّد على ما هو دائم الوجود ولا ينضب، وبعد دراسات مستفيضة من بعض الدبلوماسيِّين المخضرمين في عدَّة دوَل متقدِّمة لغرض رفد موارد بلادهم بعيدًا عن بوَّابة النفط وموارده. المعروف لدَيْنا بأنَّ هناك ملحقًا تجاريًّا في كُلِّ هيكل للسفارات، ولكن هذه الدوَل بدأت تقسِّم فنَّ الدبلوماسيَّة وتحوِّله إلى موارد ماليَّة جمَّة لغرض رفدِ الدخل القومي لها، لذلك ابتكرت تقسيمات ومجالات جديدة وعصريَّة لفنِّ الدبلوماسيَّة والَّتي لها فوائد كبيرة لميزانيَّة البلد ومِنْها: (الدبلوماسيَّة السِّياحيَّة التراثيَّة، الدبلوماسيَّة الصحيَّة، الدبلوماسيَّة الثقافيَّة الأكاديميَّة، الدبلوماسيَّة العسكريَّة، الدبلوماسيَّة الرياضيَّة، الدبلوماسيَّة الدينيَّة، الدبلوماسيَّة الصناعيَّة، الدبلوماسيَّة الزراعيَّة).. وغيرها من المجالات الأخرى، وكُلُّ هذه الفروع تقع ضِمن فنِّ الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة. تتفاخر المدارس الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة المتقدِّمة والحديثة والَّتي تبحث بالمجهر عن كيفيَّة الحصول على إيرادات ماليَّة للبلد بعيدًا عن الموارد النفطيَّة.
نلاحظ كثيرًا من الدوَل بدأت بتعيين دبلوماسي متخصِّص للترويج عن تاريخ قلاعها وتراثها، ودوَل أُخَر بدأت بتعيين دبلوماسي متخصِّص للترويج عن معالم البلد الدينيَّة وما موجود بها من معالم ومساجد تاريخيَّة تعُودُ إلى حقبة العصر الإسلامي. نلمَسُ بأنَّ هناك كثيرًا من البُلدان تعتمد (80%) من إيراداتها الماليَّة من السِّياحة التراثيَّة أو السِّياحة الطبيعيَّة، لذلك من واجبات هذا الدبلوماسي أن يكُونَ على دراية متعمَّقة، ومتمكنًا من إقامة ندوات ومؤتمرات ولقاءات صحفيَّة دَوْريَّة شهريَّة للترويج عمَّا يملكه في حقيبته، على أن يبدأَ بالترويج الوافي عن تاريخ القلاع والحصون والأماكن التاريخيَّة بشكلٍ جميلٍ وراقٍ لجذب الشركات السِّياحيَّة، واعتمادها في ساحة عمل الملحق الدبلوماسي الَّذي أُنيطت له المُهمَّة بشرط تقديم لَهُم منشورات وأفلام فيديو قصيرة، ولا يجوز إطلاقًا تكليف أيِّ دبلوماسي بالسفارة بهذه الحقيبة إن لَمْ يكُنْ مُلهمًا ومتخصِّصًا بجميع مفردات الدبلوماسيَّة السِّياحيَّة التراثيَّة لغرض إدارة هذا الملف بكُلِّ حنكة ومهنيَّة.
ومن أهمِّ الأدوات الدبلوماسيَّة السِّياحيَّة التراثيَّة الواجب حملها والتسلُّح بها هي مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي في إدارة العلاقات العامَّة، وكيفيَّة التواصل مع الجهات الأجنبيَّة الموجودة في ساحة عمله من خلال إقامة حفلات الشَّاي أو المؤتمرات أو اللقاءات الصحفيَّة وغيرها من وسائل الاتِّصال والتواصل مع شرائح المُجتمع المختلفة، سواء على المستوى الرَّسمي أو الاجتماعي الشَّخصي، بالإضافة إلى أنَّ هناك مفردات كثيرة، ومِنْها إتيكيت إدارة الحديث وفنِّ المجاملة، وإتيكيت تبادل الهدايا ومهارة إدارة الوقت على أن يضعَ خططًا تكتيكيًّة لغرض تحقيق الأهداف المرجوَّة، والاستمرار في اللقاءات بصورة دَوْريَّة لغرض التذكير، بالإضافة إلى بيان وإظهار الفوائد من خلال هذه الزيارات.
السِّياحة منجم ذهب لا ينتهي وحدوده لا نهاية له، وأدواته الرئيسة هي الدِّعاية الخارجيَّة (سواء من الداخل عن طريق الإعلام المرئي ـ بواسطة بعثاتنا الدبلوماسيَّة) وهذا واجب وطني كبير يرتِّب على عاتقهم المسؤوليَّة الكبرى لغرض الترويج عن معالم سلطنة عُمان التراثيَّة التاريخيَّة القديمة. تنفرد سلطنتنا الحبيبة بمعالم ومميّزات وجماليَّة طبيعة لا مثيلَ لها، وهي هِبة من الله الكريم لنَا عَلَيْنا استغلالها بأكمل وجْه لغرض دعم اقتصادنا ويكُونُ بديلًا رصينًا عن النفط ومشتقَّاته. لدَيْنا الجبال الجميلة، على سبيل المثال، في ولاية الحمراء الَّتي تنفرد بجماليَّة الجوِّ حتَّى في منتصف الصَّيف، وخصوصًا جبل شمس ومسفاة العبريِّين، بالإضافة إلى الأودية الخلَّابة والاستراحات الجميلة، أمَّا محافظة مسندم الَّتي تنفرد بجبالها ومناظرها الخلَّابة على مضيق هرمز وكذلك صلالة الَّتي تنفرد بأجواء ربيعيَّة في منتصف الصَّيف، وهي فضلٌ من الله على عباده، وجميع محافظاتنا الجميلة وولايتنا الَّتي كُلُّ واحدة مِنْها تنفرد بجماليَّة راقية وطبيعة بَيْنَ الجبل والوادي والكثبان الرمليَّة وبَيْنَ السَّاحل البحري الَّذي يمتدُّ أكثر من 3600 كم بميزات يفتقر إلَيْها كثير من الدوَل المجاورة.
إنَّ الدبلوماسيَّة السِّياحيَّة التراثيَّة هي صناعة احترافيَّة ومدروسة ضِمن بنود وفقرات تستند إلى كثير من المفردات والمجالات على الشخص المسؤول عن هذا الملف بأنْ يكُونَ من أذكى وأرقى الموظفين الموجود في بعثة السفارة، وأن يجتازَ دَوْرات وحلقات متخصِّصة في ذلك ويمنح إصلاحيَّات استثنائيَّة من الناحية الإداريَّة والماليَّة؛ لِتحقيقِ الهدف المرسوم له من الجهات العُليا، ولا يُمكِن إطلاقًا تسليم هذا الملف لدبلوماسي لا يمتلك كاريزما الشَّخص القيادي لهذا المجال؛ لأنَّه سوف يخفق في تحقيقٍ أقلّ ممكن من الأهداف المُخطَّط لها.
د. سعدون بن حسين الحمداني- دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت