تفحص رجال القانون الدستوري والدولي تسلسلية القوانين والغاية من النص على حقوق الإنسان في الدستور، وبحثوا فيها وتباينت آراؤهم وإختلفت إختلافات كثيرة.
بالنسبة لدساتير الدول، ذهب بعضها إلى القول بتفوق المعاهدة على القانون المحلي ولو كان دستورياً، ومن هذه الدساتير، الدستور الهولندي لعام (1956)، مادة /63/ و/66/، ولا ضير في ذلك بين أن يكون القانون المحلي سابقاً على المعاهدة أو تالياً لها، ولكن يشترط لتفوق المعاهدة على الدستور أن يصادق البرلمان على المعاهدة بأكثرية الثلثين، وهي الأكثرية التي يستلزمها عادة تعديل الدستور بما يفيد تعديلها ضمنياً له.
الدستور المصري لعام (1923)، أعطى المعاهدة قوة تفوق قوة الدستور عندما نص في المادة /154/، منه: “لا يخل تطبيق هذا الدستور بتعهدات مصر للدول الأجنبية، ولا يمكن أن يمس ما يكون للأجانب من الحقوق في مصر بمقتضى القوانين والمعاهدات الدولية والعادات المرعية”، وأكد هذا النص، دستور العام (1930)، مادة /143/.
وجنح البعض الآخر، إلى القول بتفوق المعاهدة على القانون الداخلي أيضاً شرط أن يعرض الأمر على المحكمة الدستورية إذا ثار خلاف بينهما، لتقول كلمتها فيه. أي أن هذا الرأي ربط التمييز بين المعاهدة والقانون بالقضاء في حال الزعم بوجود خلاف بينهما، وجعله الفارق في هذا الموضوع، ومن أصحاب هذا الرأي دستور ألمانيا لعام (1949) في المادة /25/ منه ونصها: “تكون القواعد العامة للقانون الدولي العام جزءاً مكملاً للقانون الإتحادي”، ونصت المادة 100/2 على أنه: “إذا قامت خلال النظر في إحدى المنازعات شبهات معرفة ما إذا كانت إحدى قواعد القانون الدولي تعتبر جزءاً مكملاً للقانون الإتحادي أو ما إذا كانت تنشئ للأفراد حقوقاُ وإلتزامات مباشرة، فيجب على المحكمة أن ترفع الموضوع إلى المحكمة الدستورية الإتحادية لتصدر قرارها فيه”. من العاملين بذلك الدستور النمساوي الذي وافق الدستور الألماني في هذا الشأن.
ولكن، إتجهت بعض الدساتير إلى القول بسمو المعاهدة دون إخضاع الخلاف في حال كان موجوداً إلى أية رقابة دستورية كالدستور الفرنسي الحالي لعام (1958) من المادة /55/، والتي تنص على: “المعاهدات أو الإتفاقات التي يتم التصديق أو الموافقة عليها طبقاً للأوضاع المقررة ويكون لها بمجرد نشرها قوة أعلى من قوة القوانين، وذلك بشرط أن يطبق الطرف الآخر الإتفاق أو المعاهدة”.
أخيراً، ذهب الرأي الأخير إلى القول بتفوق المعاهدة على التشريعات المحلية في الدولة الإتحادية والتساوي بين المعاهدة والقوانين الإتحادية، وبهذا أخذ دستور الولايات المتحدة الأمريكية عام (1778) في المادة /6/ منه التي تقول: “وهذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي ستصدر فيما بعد طبقاً له، وجميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم تحت سلطة الولايات المتحدة ستكون القانون الأعلى في البلاد، وسيكون القضاة في كل ولاية ملزمين بها ولا تقوم قائمة لما يرد في دستور أية ولاية من الولايات، او في قانون من قوانينها مناقضاً لذلك”.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.