في غمرة الاهتمام بحقوق الإنسان على الصعيد العالمي وفي ضوء التحركات الدولية والإقليمية للحديث عن هذه الحقوق التي كثيراً ما كانت ساحة تواجه من قبل الغرب ضد العالمين العربي والإسلامي، أدرك كثيرون من قادة الرأي والفكر في الوطن العربي الأهمية الكبرى لوجود حماية دولية لحقوق الإنسان العربي، وإشتدت الدعوة لإصدار ميثاق لحقوق الإنسان العربي يكون محمياً من قبل جامعة الدول العربية وبضمان محكمة عدل عربية. يقابل ذلك، نشاط لبعض الأقلام الإسلامية لتؤكد على أن الإسلام، كما أشرنا في مقالات سابقة، قد عرف حقوق الإنسان وأن ما أتى به الإسلام يغني عن إستيراد أفكار تلك الحقوق من الخارج.
فلقد كان شعار ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من العام 1977 – 1995، مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة “متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”. وعمر بن الخطاب (584 – 644) هو أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي المُلقب بـ “الفاروق”، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي.
ومع أن أكثر الدول العربية والإسلامية إنضمت إلى المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، لكن بقيت الدعوة نظرية بسبب وجود خصوصية معينة إسلامية لحقوق الإنسان في الفكر الإسلامي؛ بالتالي، ينبغي التفرد بإنتهاج هذه الحقوق لوحدها وصياغتها بإعلان إسلامي مستوحى من الشريعة الإسلامية.
لذا، إن مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان في نطاق الجامعة العربية كان إستجابة للدعوات الملحة في هذا الشأن، وبخاصة في مؤتمرات إتحاد المحامين والحقوقيين العرب، وتمثل إهتمام المنظمة آنذاك بقرار مجلس الجامعة بتشكيل لجنة خاصة في الأمانة العامة لدراسة موضوع مساهمة جامعة الدول العربية في الإحتفال، العام 1968، كعام دولي لحقوق الإنسان، طبقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. أعقب قرار مجلس الجامعة صدور قرار آخر يقضي بتشكيل لجنة توجيهية لحقوق الإنسان إلى جانب (اللجنة الخاصة في الأمانة العامة) تضم ممثلين عن دول الجامعة.
ولما كانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد أصدرت قرارها في العام 1967 بدعوة الدول الأعضاء إلى دراسة موضوع إنشاء لجان إقليمية لحقوق الإنسان، فقد أوصت اللجنتان العربيتان المشكلتان بالإستجابة لهذه الدعوة على أن تتم في إطار المنظمات الحكومية الإقليمية. أخذاً بهذه التوصية، أصدر مجلس الجامعة قراراً بإنشاء لجنة إقليمية عربية دائمة لحقوق الإنسان.
وطبقاً لخطة العمل التي وضعتها هذه اللجنة، فهي تختص بكل الأمور التي تتعلق بحقوق الإنسان على الصعيدين العربي والعالمي، وبالأخص العمل على حماية حقوق الإنسان العربي وتنمية غرس الوعي لحقوق الإنسان لدى الشعب العربي.
وبصرف النظر عن مدى أهمية الدعوات، الملاحظ أنه في القضايا المتعلقة بإنتهاكات الكيان الصهيوني لحقوق الإنسان، في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان والجولان السوري تحديداً، لم تستطع اللجنة الموضوعة تحقيق أية فائدة مرجوة في هذا المجال ما يعني أن ما تم وضعه بقي نظرياً يفتقر إلى التطبيق العملي.
وإزاء العقم الرسمي لدى الأنظمة العربية الرسمية وجامعتها في نطاق حقوق الإنسان، خرجت بعض الشخصيات العربية السياسية والفكرية إلى بحث هذه الحقوق وتقييم الأوضاع القائمة وإعداد مشروعات من جانبها، فإنقسمت الآراء بين من يرى لزوم العودة إلى الشريعة الإسلامية معتبرين أن حقوق الإنسان فيها سبقت الإعلانات الغربية والأمريكية، وأنه يحب أن تنطلق هذه الحقوق عربياً من الإيمان الذي نشأت عنه الديانات والتي كان الوطن العربي مهداً لها، في حين يرى البعض الأخر لزوم إنتهاج المنحى العالمي وأنظمة العالم المعتمدة في هذا الشأن.
من هنا، يمكن ملاحظة الإختلاف بين منطق القائلين بحقوق الإنسان الإسلامية وبين منطق الغرب، حيث تقوم حقوق الإنسان في الإعلان العالمي وإعلانات الغرب على إرادة الجمعية العامة للأمم المتحدة. أما إن مشروعات البيانات العالمية لحقوق الإنسان في الإسلام فإنها تنطلق كما عبر عنها البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام، حيث جاء ما يلي:
“نحن معشر المسلمين، من إيماننا بأن الله ولي الأمر كله في الدنيا والآخرة، وأنه وحده يملك هداية الإنسان إلى ما فيه خيره وصلاحه، وتسليمنا بعجز العقل البشري عن وضع المنهاج الأقوم للحياة مستقلاً عن هداية الله ووحيه، نعلن هذا البيان بإسم الإسلام، عن حقوق الإنسان، مستمدة من القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهرة، إنها حقوق شرعها الخالق سبحانه، فليس من حق البشر كائناً من كان أن يعطلها أو يعتدي عليها”.
بذلك، يتضح جلياً أن النصوص الغربية هي نصوص علمانية مبنية على التجربة العلمية ويمكن لها أن تتطور وتتغير، أما النصوص الإسلامية هي وثيقة دينية من أصل إلهي مستمدة من الوحي لا يمكن تغييرها.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.