مهنة الطب مهنة إنسانية نبيلة قديمة، لها مجموعة من القواعد الطبية والأخلاقية والعلمية يتبعها مقدمو الرعاية الصحية، وهي ذات طابع خاص وحساس لتعاملها المباشر بجسم الإنسان وحياته، أكسبتها الحقب الطويلة تقاليد ومواصفات يحتم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الإنسانية للمرضى في جميع الظروف، وأن يكون قدوة حسنة في سلوكه ومعامتله، مستقيمًا في عمله، محافظًا على أرواح الناس، وأعراضهم، وأسرارهم، رحيمًا بهم، وباذلًا جهده في خدمتهم، ساهرًا على شفائهم.
ويعد العمل الطبي ذا طابع إنساني لحفظ صحة الإنسان وعلاجه من الأمراض، وتدخل الطبيب في عمله الطبي الغاية منه رفع الألم والمعاناة عن المريض، وتقديم العلاج المناسب للشفاء، والطبيب أثناء ممارسته لمهنته قد يخطئ، وخطأه هذا قد يستوجب مسؤوليته المدنية أو الجزائية أو كلتيهما، والخطأ الطبي هو الإخلال أو الخروج عن الأصول والقواعد الطبية وقت ممارسة العمل الطبي، وترتب على ذلك الإخلال أضرار جسدية أو مادية، مع ضرورة توافر السببية بين الخطأ والضرر، وقد يكون الخطأ ماديًا، كنسيان مقص في بطن المريض، أو خطأ فنيًا في التشخيص أو العملية أو العلاج
ويقصد بالأصول الطبية القواعد العلمية الطبية الثابتة والسائدة في الطب، والمتعارف عليها بين الأطباء والتي لا خلاف عليها، وعلى الطبيب أن يُلم بهذه الأصول العلمية وقت قيامه بالعمل الطبي، وأن يلتزم ببذل العناية الخاصة والجهود الصادقة أثناء مباشرة عمله مع المريض. وإذا التزم الطبيب بالقواعد والأصول الطبية أثناء تأديته لعمله في علاج المريض وبذل العناية وأخذ الحيطة واليقظة بالقدر المطلوب في عمله الطبي، فإنه لا يسأل عن عدم شفاء المريض، لأنه قام ببذل العناية وتطبيق القواعد الطبية، وبذلك لا تتحقق مسؤوليته العقدية، أما إذا وقع الطبيب في خطأ وأخل بالواجب وتسبب خطأه بالإضرار بالغير، فإنه يُسأل عن خطئه، متى ما كان الخطأ واضحًا وثابتًا.
وكثيرة هي الشكاوى والبلاغات التي ترد لإدارات المستشفيات حول وقوع أخطاء طبية سواء أثناء التشخيص أو العلاج، وقد يحدث الخطأ الطبي في بعض الأحيان نتيجة إجراء عملية جراحية بطريقة قد تؤدي إلى وفاة المريض أو إحداث عاهةٍ مستديمةٍ به، ومن الواجب الطبي على الطبيب المحافظة على حياة المريض وحقوقه الصحية، وتقوم اللجنة الطبية العليا بعد تحويل الشكوى إليها من قبل وزارة الصحة أو الإدعاء العام أو المحكمة المختصة، بدراسة الشكوى واستدعاء الفريق الطبي المعالج والتحقيق معه، وتتم مناقشة الشكوى إن كان هناك خطأ طبي أو أية مشاكل موجودة في طريقة العلاج أدت إلى الإضرار بالمريض، وتبقى المواضيع المتعلقة بمسألة الأخطاء الطبية هي مواضيع حساسة للغاية ويجب تحري الدقة والمصداقية والموضوعية في التعاطي معها كونها قد تؤثر سلبًا على الطبيب المعالج وتفقده ثقة المجتمع به، والأمر يستدعي التمسك بشرف مهنة الطب وإعطاء المرضى والأطباء حقوقهم، من منطلق القاعدة الشرعية “لا ضرر ولا ضرار.. والضرر يزال”.
وتمر العلاقة بين الطبيب والمريض بمراحل متعددة، وتبدأ صور الخطأ الطبي من خلال تتبع هذه المراحل، فتبدأ أولى المراحل بمعرفة توافر الرضا بينهما على العمل الطبي، ثم مرحلة فحص المريض من قبل الطبيب، وتشخيص مرضه، ووصف العلاج له، ومباشرة تناول العلاج واستعماله، وقد يستدعي الأمر تدخل جراحي، وما ينطوي عليه من حساسية خاصة بسبب تداخل عدة عوامل بسبب الطبيعة الفنية للعمل، كالفحص الأولي والتشخيص، وعمل فحوصات مخبرية وشعاعية، وتخدير، والاستعانة بالمساعدين من الكوادر الطبية الأخرى، وما إلى ذلك من الأمور التي تعد من لوازم العمل الطبي. وصور الخطأ التقني الطبي عديدة أهمها: الخطأ في التشخيص، والخطأ في اختيار العلاج، والخطأ في تطبيق العلاج، أو تنفيذ عمل جراحي، والخطأ في المراقبة الطبية.
وقد انتشرت ولله الحمد والمنة في بلادنا الحبيبة عُمان الكثير من المستشفيات والمجمعات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، تعمل بعضها على مدار الساعة، وتقدم الطواقم الطبية الخدمات العلاجية للمرضى والمراجعين بكل إخلاص وتفاني وأمانة، كما تقوم المراكز الصحية بتوعية وتثقيف وإرشاد النساء الحوامل والأمهات، لاتباع الطرق السليمة في المحافظة على صحة المرأة الحامل، وصحة جنينها، وتزويدها بالنصائح والإرشادات اللازمة لذلك، وبما أن الأمور المتعلقة بالنساء والتوليد، هي فرع من فروع الطب المُهمة، وعملية التوليد من الممارسات المحفوفة بالمخاطر، فإن مسؤولية الطبيب وفريقة الطبي تبدأ من ساعة حدوث الحمل، وتتم مساءلته عن كل علاج غير مناسب وصف للمرأة الحامل من شأنه أن يُلحق الضرر بسلامة الجنين أو والدته، كأن يصف للمرأة الحامل أدوية تلحق الضرر بجنينها أو أن تؤدي إلى إجهاضها، أو إجراء التوليد العادي أو القيصري بطريقة مخالفة للأصول الطبية الفنية، أو إهمال العلاجات اللازمة للأم أو الوليد، فكل هذه الأفعال الصادرة من الطبيب، إذا كانت صادرة عن جهل أو تقصير أو إهمال، أو عدم إتباع للأصول الطبية والفنية، فإنه يكون مسؤولًا عنها.
ولا نستطيع التقليل من كفاءة ومهنية وأخلاقيات الطب والأطباء والكوادر الطبية في بلادنا الحبيبة عُمان، لكن لكونهم بشر فهم ليسوا معصومين من الخطأ، وللأهمية البالغة على الدولة رفع مستوى مهنة الطب وتنظيمها وحمايتها والدفاع عنها وعن الأطباء والكوادر الطبية وتلبية طلباتهم، والمحافظة على حقوقهم وكرامتهم، وآداب مهنتهم، الأمر الذي يتطلب صدور قانون للحماية والمساءلة الطبية، لحماية حقوق المرضى من خلال تقديم رعاية صحية ذات جودة عالية، وحماية الأطباء والكوادر الطبية من أية إجراءات تعسفية ضدهم، وضمان تطبيق معايير الجودة في المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، وحصول المرضى على التعويض المناسب في حال وقوع أخطاء طبية عليهم.
وأخيرًا.. لا يسعني إلّا أن أتقدم بالشكر والتقدير والثناء والعرفان لوزارة الصحة والمجلس العماني للاختصاصات الطبية والمؤسسات الصحية الحكومية والخاصة والأطباء والكوادر الطبية على جهودهم المبذولة وعطاءهم المثمر، وأطالب بزيادة نشر الوعي والثقافة الطبية والقانونية لدى المواطن، حتى يتمكن من معرفة حقوقه والإجراءات القانونية السليمة الواجب اتباعها للحصول على تعويض عادل عن نتيحة الخطأ الطبي الذي يتعرض له بسبب أخطاء الأطباء، كما أطالب برفع كفاءة وجودة الخدمات الصحية والعلاجية وتوفير بيئة عمل صحية مثالية في كافة المستشفيات والمجمعات والمراكز الصحية بالدولة، وإعطاء الأطباء والكوادر الطبية حقوقهم كاملة لأنهم يستحقون الإشادة والتكريم والتقدير على جهودهم المبذولة ليتمكنوا من التقدم والتطور وتحقيق النتائج المرجوة منهم بجودة وكفاءة عالية.
حمد الحضرمي – محامٍ ومستشار قانوني