اتَّفقت جميع المدارس والمعاهد الدبلوماسيَّة المتخصِّصة بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت على أنَّ اختيار وتقديم الهدايا (بمختلف أنواعها ومِنْها العطور) والزهور بَيْنَ طرفَيْنِ مهما كانت درجتهم، هي أعلى درجات الاحترام والتقدير، بالإضافة إلى أنَّها تدلِّل على مدى التَّقارب والمَحبَّة وحُب التَّواصل طبقًا لمبادئ وأهداف العلاقات العامَّة والَّتي هدفها السَّامي تقارب وديمومة التواصل بَيْنَ الطرفَيْنِ، سواء على المستوى الرَّسمي أو المستوى الاجتماعي. يؤكِّد المتخصِّصون أنَّ أغلى الهدايا ـ وإن كانت صغيرة أو رخيصة الثمن ـ هي هديَّة الأبناء إلى والديهم (الأب، الأُم، والأجداد) لكونها تحمل أسمى معاني الحُب والوفاء والإخلاص لِمَا بذلوا من تعَبٍ وشقاءٍ لغرض إسعادهم. ويذهب علماء الاجتماع إلى أنَّ الهدايا ومِنْها (العطور أو تقديم الزهور) بَيْنَ الأهل والأقارب تُعَدُّ حجَر أساسٍ لبناء عائلة رصينة ومترابطة وذات مستقبَلٍ مرموق؛ لكونِ تقديم (الهدايا أو الزهور) يأتي من احترامهم وتقييمهم للمناسبة وللشَّخص، وكذلك حُبُّهم للاستمرار والمحافظة على هذا الرابط الاجتماعي. إنَّ علماء النَّفْس الاجتماعي يقولون في كتاباتهم بأنَّ هدايا النَّاس البسطاء والفقراء والمُقدَّمة من قِبلهم للطَّرف الآخر هي أثمن بكثير من تبادل الهدايا بَيْنَ الأغنياء والمترَفين؛ لِمَا فيها من معانٍ خالصة ونقيَّة بعيدًا عن المصلحة الشَّخصيَّة والتَّباهي بها. والخطأ الشَّائع لدى الكثير من عامَّة النَّاس أو حتَّى المسؤولين هو تقديم العطور كتكريم (الموظَّفين المُجيدين أو المُبدعين) وهذا تَعدُّه المدارس المتخصِّصة بمفاهيم الإتيكيت الحكومي، من الأخطاء الَّتي لا تُغتفر؛ وذلك بسبب أنَّنا لا نعرف ذوق هذا الشَّخص، وثانيًا قَدْ يُعاني من مرَض الحساسيَّة أو أيِّ مرَضٍ آخر يتحسَّس معه من الروائح والعطور. وعَلَيْه، لا يُحبَّذ أبدًا إهداء العطور لأشخاص لا نعرف ذَوقهم وحالتهم الصحيَّة. وعِند شراء العطور عَلَيْنا اعتماد العلامات (الماركات) المعتمَدَة والرَّصينة، وليس الرَّخيصة والَّتي هي من مُكوِّنات الكحول والَّتي تضرُّ بالصحَّة العامَّة، والجِلد بصورة خاصَّة. لذلك إذا تكلَّمنا بمقال اليوم عن العطور ـ وهي الهدايا المتعارف عَلَيْها بوقتنا الحاضر ـ فإنَّ (العطر Parfum) يُعَدُّ من أهمِّ مُقوِّمات نجاح وشخصيَّة الإنسان، سواء للرجُل أو المرأة، ولا تكتمل كاريزما الإنسان إلَّا بنَوْعِ وطبيعة العطر؛ لأنَّه يدلُّ على الذَّوق الرَّفيع وثقافة ومهنيَّة وتاريخ الشَّخص. بدأت المدارس الغربيَّة المتخصِّصة في مجال العطور تضع مفاهيم جديدة، مِنْها كيفيَّة اختيار العطور حسب مواسم السَّنة المختلفة، لذلك يختار النَّاس الرَّوائح الخفيفة في الصَّيف والرَّوائح الثَّقيلة والقويَّة في الشّتاء مِثل: (العنبر والمِسك والحمضيَّات والفانيليا)، حيث يعتقد صانعو العطور أنَّ كيمياء الجسم الفريدة للشَّخص تؤثِّر على الطريقة الَّتي يتفاعل بها العطر مع الجِلد. على سبيل المثال، تختلف مستويات الأس الهيدروجيني لدى الأشخاص وهو أحَد أهمِّ أسباب اختلاف رائحة العطور من شخص لآخر، بالإضافة إلى درجة حرارة جسم الإنسان والبيئة المحيطة. ويظنُّ الكثيرون أنَّ الفَرق بَيْنَ (الكولونيا) و(العطور) و(تواليت)، والرَّوائح الأخرى هو شَكْل الزجاجة من الخارج. يُمكنِنا القول: إنَّ جميع العطور تتشابَه بالفعل، ولكن يتمُّ إعطاؤها أسماء حسب تركيز الزَّيْتِ الخاصِّ بالعطر مع الكحول والماء. وهنا أضع أمام القارئ بعض هذه المصطلحات للفائدة العامَّة: (Real Men Real Style) يعني هذا المصطلح أنَّ هذا العطر يصلح للجنسَيْنِ، أيضًا يُشير إلى أنَّ هذا العطر من النَّوْع المُخفَّف في الكحول والماء ويحتوي على كميَّة معيَّنة من زيت العطر. ( Eau Fraiche) يعني أنَّ هذا النَّوْع من العطر مُخفَّف جدًّا، وأنَّ تركيز زيت العطر فيه لا يتعدَّى من (1%) إلى (3%) فقط، بالإضافة إلى أنَّ رائحته تستمرُّ أقلَّ من ساعة فقط. (Eau de Cologne الكولونيا) وهي تُعَدُّ من أقدم العطور الذكوريَّة الشهيرة تمتاز الكولونيا بأنَّها خفيفة وطازجة مِثل: الفاكهة تتكوَّن عادةً من نسبة تركيز ما بَيْنَ (2٪) إلى (4٪) زيوت عطريَّة في الكحول والماء يستخدمها الشَّباب الأصغر سنًّا عادةً ولا يستمرُّ عطرها أكثر من ساعتَيْنِ فقط. (Eau de Toilette تواليت) هي تركيبة مميَّزة من العطر النَّقي، ويبلغ تركيز زيت العطر فيها ما بَيْنَ (5%) إلى (15%) مُذاب في الكحول، وتستمرُّ رائحة العطر فيها حوالي ثلاث ساعات. (Eau de Parfum) يُستخدم هذا المصطلح في وصف العطور من الجنسَيْنِ على حدٍّ سواء، الرجُل والمرأة، ولكنْ كُلٌّ مِنْهما حسب العطور المختلفة، يحتوي (البرفيوم) على نسبة تركيز لزيْتِ العطر تتراوح ما بَيْنَ (15%) إلى (20%)، وتدوم رائحة العطر لمدَّة ثماني ساعات. (fumum) يدلُّ هذا المصطلح على أنَّ هذا النَّوْع من أكثر العطور تركيزًا وارتفاعًا في الثَّمَن أيضًا، حيث يمتاز العطر بنفاذيَّته الشَّديدة ورائحته القويَّة الجذَّابة، وتصل نسبة تركيز زيت العطر النَّقي به ما بَيْنَ (20%) إلى (30%)، وتستمرُّ رائحة هذا العطر ليومٍ كاملٍ أي (24 ساعة كاملة).
د. سعدون بن حسين الحمداني- دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت