في عالم متنوع ومتعدد الثقافات، تتداخل القيم الدينية والمفاهيم القانونية العالمية بشكل متزايد، مما يثير تساؤلات حول التوافق والتناقض بين الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان العالمية، إن مناقشة هذا الموضوع لا تقتصر فقط على الجانب الفلسفي، بل تتسلل إلى المجال القانوني والسياسي، حيث تتباين وجهات النظر حول كيفية تطبيق مبادئ الشريعة وتقاليد الإسلام مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان، في هذا السياق، يستحق فهم أعمق للتوازن بين القيم الدينية والقوانين الوضعية، وكيفية تحقيق التوافق بينهما لضمان حماية حقوق الإنسان وكرامته بشكل شامل وعادل في مجتمعاتنا المتنوعة.
في العقود الأخيرة، شهد الشرق العربي تحولاً مهماً نحو الديمقراطية، حيث أصبح تضمين حقوق الإنسان في الدساتير الحديثة للعديد من الدول الإسلامية أمراً ضرورياً، ويركز مقالنا اليوم على دور حقوق الإنسان في الإسلام، وتأثيرها على السكان المسلمين، بالإضافة إلى تحليل علاقة حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية مع الحقوق والحريات العالمية.
وتعتبر حقوق الإنسان في الإسلام جزءاً أساسياً من التشريع الإسلامي، حيث تؤكد الشريعة الإسلامية على حماية حقوق الإنسان وكرامته، كما يُعتبر القرآن الكريم والسنة النبوية مصادر رئيسية لحقوق الإنسان في الإسلام، حيث يتم التأكيد فيها على مبادئ العدل والمساواة وحقوق الإنسان الأساسية، ومن بين الحقوق الأساسية التي تكفلها الشريعة الإسلامية هي حقوق الحياة والحرية والملكية والدين والتعبير، كما يؤمن الإسلام بحق الإنسان في العيش بكرامة ويحظر التعذيب والمعاملة اللا إنسانية أو المهينة، كما يكفل الإسلام حقوق المرأة والطفل والشيوخ والمعوقين.
ومع ذلك، تواجه حقوق الإنسان في الإسلام تحديات، بما في ذلك التفسيرات المتنوعة للشريعة وتطبيقها في العالم الحديث، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تضمن حقوق الإنسان، إلا أن هناك حاجة إلى تفسيرها وتطبيقها بما يتماشى مع القيم والمبادئ العالمية، يشهد الشرق العربي تطورات مهمة في مجال حقوق الإنسان، مع تكريس الدساتير الحديثة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. يجري هذا التحول بموجب التزام الدول الإسلامية بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وتعزيز التعاون الدولي في هذا الصدد، يبرز أهمية فهم علاقة حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية بالحقوق العالمية، وضرورة تعزيز التفاهم والتعاون بين الدول الإسلامية والمجتمع الدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الأفراد.
ويعود سبب الاهتمام المتزايد بمسألة حقوق الإنسان في الشرق إلى عدة عوامل:
أولاً، ينبعث ذلك من عدم التوافق بين مسألة حقوق الإنسان والشريعة الدينية في المجتمعات الشرقية، حيث كانت تتجلى هذه الشريعة في تنظيم العلاقات القانونية الداخلية في المجتمعات الإسلامية القبلية؛
ثانياً، يشهد النظام القانوني للدول الإسلامية مؤخراً دخول أفكار حقوق الإنسان الغربية، مما يستدعي الحاجة إلى فهمها وتوافقها مع نظرية الشريعة الإسلامية؛
ثالثاً، تسعى الدول الشرقية والمجتمعات الإسلامية إلى تحقيق التنمية الناجحة، وهو ما يتطلب التوفيق بين حقوق الإنسان والمبادئ الشرعية. فعلى الرغم من أن نظام حقوق الإنسان في الفهم الغربي يعكس قيماً ومبادئاً تختلف في كثير من الأحيان مع القيم التقليدية للإسلام، إلا أن هناك حاجة إلى إيجاد توازن بينهما.
وبناءً على ذلك، يهدف هذا البحث إلى توضيح مكانة ودور الحقوق والحريات الفردية في الشريعة الإسلامية التقليدية، وذلك لتعزيز الفهم المشترك والتوافق بين حقوق الإنسان والقيم الإسلامية، وسنتناول في هذا السرد ملامح الشريعة ووضع الفرد في الشريعة الإسلامية الذي يكشف عن عدة نقاط مهمة، ومن بين هذه النقاط، يُلاحظ أن الشريعة الإسلامية لا تتماشى بشكل مطلق مع الثقافات القانونية الأخرى، وهذا يؤدي إلى تطبيق معظم الدول الإسلامية لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان في أنظمتها القانونية، مع الحفاظ على الأحكام الأساسية للقرآن الكريم والسنة النبوية.
ومع ذلك، تعتبر المشكلة الرئيسية في هذا السياق هي أن المعيار الغربي لحقوق الإنسان، الذي يعتبر الطبيعة العالمية لحقوق الإنسان، لا يأخذ في الاعتبار الخصوصية الوطنية لتقاليد وثقافات الشعوب الشرقية، وهذا يتسبب في صراعات داخلية في الدول العربية عند محاولة تنفيذ معايير حقوق الإنسان الغربية.
بناءً على ذلك، هناك استنتاج يفيد بأنه من الممكن توفير توازن بين مبادئ الشريعة الإسلامية ومعايير أوروبا الغربية في مجال التنظيم القانوني لحقوق الإنسان، فالدين الإسلامي كان ولا يزال دين يُسر لا عسر.
وعلى الرغم من وجود مبادئ الديمقراطية بدرجة متفاوتة في معظم الدول العربية على مدى عقود، إلا أن مسألة حقوق الإنسان والحريات في الشريعة الإسلامية لم تكن موضوعاً مطروحاً إلا في العقود الأخيرة من القرن الماضي، خاصة بعد السبعينيات، وقد وجدت جميع دول العالم العربي نفسها تخوض عمليات تحول ديمقراطي، حيث كان للإسلام دور ملحوظ في التطور الاجتماعي والسياسي لهذه العملية الحضارية.
ومع مرور الزمن وظهور الحقائق السياسية والقانونية في الواقع الراهن، يتبين أن تطور الأنظمة المؤسسية لا يعتمد فقط في بلدان الشرق الأوسط، بل في العالم بأسره على نتائج التحول الديمقراطي، وفي الوقت نفسه، يعتبر من الصعب دمج قيم الحضارة الغربية، التي تركز على حقوق الإنسان وتهدف إلى تحقيق مستوى عالٍ من التنمية الصناعية، مع القانون الديني التقليدي للشرق، إذ يلعب الدين والإيمان دوراً حاسماً في هذه الثقافات، وتحدد عقائدها التزامات مختلفة تجاه الله تبارك وتعالى والدولة والمجتمع.
بالتالي، إن موضوع الحقوق والحريات الفردية يعد من أبرز المسائل التي تثير الصراعات والتحديات في العالم الحديث، خاصة مع ظهور ونمو الأقليات المسلمة في الغرب، وتتلقى الأديان، بما في ذلك الإسلام، اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان والحريات، مما يعكس تقييماً سلبياً على الأسس القانونية للإسلام، وتجد النظرة السلبية لموقف الإسلام تجاه حقوق الإنسان تعبيراً في اعتقاد البعض بعدم توافق الشريعة الإسلامية مع المفاهيم الحديثة للقانون، وبأنها غير مناسبة للعصر الحالي.
لذا، يتطلب فهم معنى حقوق الإنسان في الإسلام تحليلاً دقيقاً لتأثيرها على الشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية الحديثة، وذلك ضمن سياق ديمقراطية النظام القانوني للدولة، ومن المهم أيضاً استكشاف مفهوم حقوق الإنسان في الإسلام بمنظور يشمل تنوع البلدان والشعوب والثقافات والحضارات.
ويؤكد النقاش القانوني والفكري المعاصر على أهمية تحديد معايير حقوق الإنسان بما يتناسب مع الثقافات والخصائص الفريدة لكل دولة، بينما يبرز الاتفاق الدولي على “معيار مشترك” لتحقيق حقوق الإنسان، يفترض هذا المعيار بشكل أساسي أنه لا يمكن تعديل حقوق الإنسان استناداً إلى الخصائص الثقافية والتاريخية للدول، وأن أي نظام إقليمي يجب أن يلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
لكن في السنوات الأخيرة، زادت الدعوات إلى الحفاظ على هوية الشعوب وثقافاتها، مما دفع ببعض المفكرين إلى التشكيك في مدى قابلية تنفيذ معايير حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، وبدأ البعض يشير إلى الطبيعة الأحادية لمعايير حقوق الإنسان، مشيرين إلى عدم ملاءمتها للحضارات غير الغربية.
في الواقع، تظهر القيم العالمية والقانونية لحقوق الإنسان، التي أعلنت في المواثيق الدولية، عدم تناسبها الكامل مع الثقافات والخصائص المتنوعة للشعوب في العالم، وتثبت التجارب السابقة أن بعض الدول غير الغربية قد قبلت أو فرضت معايير حقوق الإنسان بطرق مختلفة، مما يوضح التحديات التي تواجه تطبيق معايير حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والثقافي، وفي مجال تحليل القضايا القانونية والفلسفية المعاصرة، يتناول النقاش بشأن تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان في مختلف الثقافات والبلدان، مما ينتج عنه مفهوم “النسبية الثقافية”.
النسبية الثقافية:
تتضمن هذه النظرية تيارين رئيسيين، الأول هو التيار الراديكالي أو الأصولي الذي يرفض بشكل تام فكرة حقوق الإنسان كمفهوم دخيل يفرضه الغرب على العالم، يرى هؤلاء الناشطين أن الحقوق الإنسانية تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول، ويعارضون بشدة أي تدخل دولي لحماية حقوق الإنسان في الدول ذات النظم القانونية والثقافية المختلفة.
أما التيار المعتدل فيفترض أن حقوق الإنسان العالمية والشخصية تستند إلى قيم أخلاقية ومعنوية عالمية، ومع ذلك، يشدد على ضرورة تطوير معايير حضارية لحقوق الإنسان تعكس الثقافات والتاريخيات المختلفة، ويُظهر هذا النهج الاعتدالي الدعوة إلى اعتماد منطقية وموضوعية في تحديد حقوق الإنسان التي يجب احترامها وتطبيقها، مع الاعتراف بأن هناك اختلافات كبيرة بين الثقافات والحضارات.
باختصار، تظل النقاشات القانونية والفلسفية حول حقوق الإنسان والنسبية الثقافية موضوعاً مهماً في العصر الحالي، حيث تسعى المجتمعات العالمية إلى تطوير إطار قانوني يحقق التوازن بين القيم العالمية والثقافية المحلية في مجال حقوق الإنسان.
ورغم أن الحقوق الطبيعية متأصلة في كل إنسان وراثياً بحكم ولادته، بغض النظر عن موقعه وانتمائه لأي دولة، إلا أن قيمتها وفهمها ومعناها تختلف باختلاف الثقافات القانونية للدول المختلفة، بالتالي، من الواضح أن النزعة العالمية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان تتطلب التعامل بحذر ومرونة، ولكن يجب تجنب التهوّر في تكييفها ميكانيكياً بحيث يتوافق كلٌ منهما مع الآخر دون مراعاة الاختلافات الثقافية والقانونية، لذا، يُشدد العلماء على أهمية عدم الإصرار على الوجود الحقيقي للحقوق العالمية، بل يُفضل التحدث عن الحد الأدنى من المبادئ التوجيهية لقواعد الحقوق في الأنظمة القانونية الوطنية، حيث يُمكن أن يتم تكييف هذه المبادئ وفقاً للظروف والثقافات المحلية في كل دولة.
كما لا يمكن فرض حقوق الإنسان بالقوة على الناس الذين لديهم ثقافة ودين مختلفين، تظهر الأحداث الحالية في العالم بوضوح نتيجة الإدخال القسري للديمقراطية إلى دول الشرق الأوسط بما فيها الأعمال العسكرية، حيث يُعتبر من الطبيعي أن يكون لدى العديد من الفقهاء وعلماء السياسة العرب موقف سلبياً تجاه فكرة حقوق الإنسان، حيث يُنظر إليها على أنها وسيلة للتوسع الأيديولوجي ومحاولة لاستيلاء على الثقافة وفرض القيم الغربية، لذلك، يُعتبر رفض فكرة حقوق الإنسان وتغريبها في العديد من الدول الإسلامية محاولة للحفاظ على ثقافتها القانونية الخاصة بها، وهذا حق للحفاظ على الهوية الإسلامية، لأن الإسلام يهتم بالحقوق وهو من أول الواضعين للمقاصد ذات الصلة.
وتتنوع الدول العربية الحديثة إلى فئتين، الأولى ترفض المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتسعى لأسلمة الحياة السياسية والاجتماعية، مما يؤدي إلى القضاء على المؤسسات العلمانية، أما الفئة الثانية فتحاول دمج المؤسسات الإسلامية مع السلطة السياسية العلمانية، ومعظم الدول العربية تعترف بحقوق الإنسان على المستوى الدستوري، إلا أن موقف المجتمع الإسلامي تجاهها لا يزال معقداً، حيث يُعتبر غالباً حقوق الإنسان عناصراً غريبة في القانون الديني التقليدي في الشرق.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تفسير منطقي يمكن تقديمه لهذه النقاط، الإسلام ليس مجرد دين، بل هو نظام حياة شامل وثقافة وحضارة مستقلة، يتجلى هذا التفرد في الشريعة الإسلامية، التي تنظم جميع الجوانب الاجتماعية بشكل وثيق، حيث ترتبط القواعد القانونية والمعتقدات الدينية في الشريعة بشكل جيد لدرجة أنهما يعملان كمنظمين معياريين للحياة في الدول الإسلامية.
أما بالنسبة للسمة المميزة في الشريعة الإسلامية التي تتعلق بخضوع الإنسان لإرادة الله في سلوكه الظاهري، فتتمحور حول فكرة الالتزامات التي يتحملها الإنسان، بدلاً من حقوقه، في المقابل، يسود في المفهوم الغربي فكرة الحرية الفردية، على الرغم من ذلك، فإن المسؤوليات تسيطر في النطاق الديني في الإسلام، مثل أداء الشعائر الدينية والصيام، بينما يحظى الإنسان بحرية كبيرة في الحياة اليومية والعملية.
وبالتالي، يتم تنظيم السلوك البشري في الشريعة من خلال مجموعتين من القواعد؛ الأولى تتعلق بالواجبات الدينية وتستند إلى التنظيم الحتمي، بينما توفر المجموعة الثانية فرصاً وافرة للمبادرة الحرة، هذا يخلق توازناً بين الالتزام الديني والحرية الفردية في الحياة الإسلامية، حيث يعتبر الوحي الإلهي المباشر مصدر الأوامر الدينية، ويُظهر الإسلام الشريعة كنظام من الواجبات الذاتية بدلاً من الحقوق الذاتية.
بالتالي، تتعدد قواعد الشريعة الإسلامية لتشمل الحياة اليومية بشكل مختلف عن القواعد الدينية، حيث تقوم الشريعة بتوفير مجموعة متساوية من الحقوق والواجبات في الحياة الدنيوية، مما يؤكد على الحرية الواسعة في التصرف، وفي هذا السياق، يُعتبر كل ما لم يُحرمه الله حلالاً، مما يُعطي إطاراً واسعاً لحرية الإنسان في الحياة اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، تتميز القواعد القانونية للإسلام بالازدواجية بين الواجبات في المجال الديني والحفاظ على البنية التقليدية في الحياة الدنيوية، حيث لا حقوق بدون واجبات ولا واجبات بدون حقوق، وعندما ننظر إلى المفهوم الإسلامي لحقوق الإنسان، نرى أنه يُفهم على أساس مجموعة من الأعراف المقبولة في الإسلام لتنظيم علاقة الدول الإسلامية بالمسلمين وغير المسلمين، وتعتمد هذه الأعراف على مبادئ “المصالح الحصرية” و “المقاصد الشرعية”، ويجب مراعاة المصالح العامة في القضايا التي لا تنظمها الشريعة، وتأخذ المقاصد الشرعية الأولوية في تقييم الحقوق والواجبات، ويحدد الإسلام خمسة أهداف رئيسية لهذه المقاصد، وهي الدين والحياة والعقل والإنجاب والملكية، وتتبع الأولويات بحسب هرميتها.
وبالتالي، على الرغم من تباين أنظمة الدول القانونية في الدول الإسلامية، فإن مسألة الحرية المدنية وحقوق الإنسان تُدرَس بمنظور إسلامي من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
وتتضح الملامح القانونية لأحوال الشخص وفق الشريعة بشكل يختلف عن النهج الحديث في أوروبا الغربية، وهو ما يعكس التحديات التي تواجه توافق القوانين بين الثقافات، أما في سياق العولمة، يظهر تناقض التوافق الثقافي بين المعايير القانونية الإسلامية والعلمانية، مما يؤدي إلى صراعات ثقافية وتقييد تأثير الشريعة الإسلامية في العصر الحديث، ومع ذلك، تمثل المعايير القانونية المقبولة عموماً بشأن حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية تطوراً يؤدي إلى تغيير محتوى الوضع القانوني للأفراد في الدول العربية.
في الشريعة الإسلامية، يُعتبر الوضع القانوني للفرد غالباً غير محدد في المجال القانوني العام، حيث تُبرز الهياكل والمفاهيم القانونية والمعايير القانونية الواضحة في المجال القانوني الخاص، لكن الدور القيادي للمبادئ الدينية والأخلاقية لا يزال محفوظاً في المجال القانوني العام، مما يُحدِّ من تأثير الليبرالية.
ورغم المحاولات للجمع بين المؤسسات التقليدية والمؤسسات الحديثة، فإن التنظيم القانوني لحقوق الإنسان في العديد من البلدان العربية لم يصل بعد إلى فعالية مطلوبة، مما أدى في الكثير من الأحيان إلى تعقيد تنفيذه وحتى انتهاكه.
وباستحضار هذه الخصوصية، يجب علينا الاعتراف بالاختلاف العميق في المفاهيم بين الفكر الإسلامي والليبرالية فيما يتعلق بحقوق وحريات الفرد، ففي حالة المنهج العلماني الغربي، ينطلق مصدر السلطة والقانون من إرادة الشعب، بينما يعتبر في الشريعة الإسلامية مصدر القانون إرادة الله تبارك وتعالى، وبالرغم من تشابه مفهوم الحقوق الأساسية والحريات بين الأنظمة، تتأثر طبيعة مؤسسة حقوق الإنسان بشكل كبير بالتزامها بمتطلبات الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تغييرات في التنظيم القانوني.
بالنسبة للفقه الإسلامي الحديث فهو يقبل في نهاية المطاف معظم حقوق الإنسان والحريات كما هي في مفهوم الأنظمة الليبرالية، ولكن يشترط الامتثال للشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تغييرات في طبيعة مؤسسة حقوق الإنسان، ورغم أن الإسلام يفصل بين الجوانب الدينية والدنيوية للحياة البشرية، فإنه يؤكد على توحيد معاييره مع المعايير العالمية المعترف بها، مما يعكس قدرته على التوافق مع المسار العالمي نحو دمقرطة الأنظمة القانونية.
وبالرغم من وجود اختلافات في فهم حقوق الإنسان، فإن التفاعل بين المفاهيم الإسلامية والغربية يمكن أن يثري تطبيق حقوق الإنسان، وبالتالي، ينبغي أن نعترف بأن معايير حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي والغربي قد تختلف في التفسير، ولكنها في النهاية تسعى إلى هدف واحد: حماية كرامة الإنسان وضمان حقوقه الأساسية.
باختصار، يتضح من خلال ما تم ذكره آنفاً أن هناك تفاعلاً معقداً بين مفاهيم الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان العالمية المعترف بها، بالرغم من وجود اختلافات في الفهم والتطبيق، إلا أن الإسلام يؤكد على قدرته على التوافق مع المعايير العالمية والتطلع نحو حماية كرامة الإنسان وضمان حقوقه الأساسية، حيث يعكس هذا التفاعل استعداد الدين لاعتماد المبادئ الإنسانية العالمية، مما يشكل قاعدة قانونية تعترف بحقوق وحريات الفرد بشكل شامل، في النهاية، يكمن التحدي في إيجاد التوازن بين القيم الدينية والمبادئ العالمية في سبيل تحقيق العدالة والحرية للجميع، مما يدفعنا للبحث عن الطرق التي تجمع بين تطلعات الأديان ومتطلبات العالم الحديث لضمان احترام حقوق الإنسان بشكل شامل ومستدام.
عبدالعزيز بن بدر القطان/كاتب ومفكر – الكويت.