استمتعتُ بالمشاركة في مُلتقى معاً نتقدم في نسخته الثانية، فـ مُلتقى كهذا إنما هو اِستجابةً لتوجيهات سلطاننا المُفدى هيثم حفظه الله بمد جسور التواصل مع كل شرائح المجتمع ويشي بأهمية المواطن كونه جزء لسعي الدولة الدؤوب للتحسين والتمكين والتطوير.
و كوني شغوفة بـ الخطابات و تقييمها ؛ فقد شدّني جداً خطاب وآداء معالي د. هلال السبتي في مُلتقى معاً نتقدم .. وأعتقد أنّه نموذج رائع للخطاب المتكامل في تسلسله و طرحه و طريقة عرضه والسرد!
و به من نقاط القوة ما يجب أن يدرسها أي مُتحدث يُريد أن يكون مُؤثراً
اِستهل حديثه بـ شكل متواضع ( أنا هلال، جئتُ من فنجا.. مهنتي طبيب، و وظيفتي وزيراً للصحة)
و الفرق بين المهنة و الوظيفة عظيم : فـ بخلاف الوظيفة التي هي سريعة الزوال، فإن المهنة تتطور و تنمو معك وأنت تقوم بها بشغفٍ وحُب!
و أضاف : أعيش معاً للناس وبالناس، وأحملُ ( كما يحمل كل واحدٍ منكم ) ديناً عظيماً في رقابنا تجاه هذا الوطن، أنتم اللذين تجشمتم العناء لإيمانكم بأهمية المشاركة ،
هنا وضع الجمهور في نص خطابه، وخاطبهم بلغة سلسة للولوج إلى قلوبهم و شحذ عقولهم للتفاعل مع ما هو بصدد الحديث عنه ؛فأعطى كلّ واحدٍ في الحضور أهميته و أشركهُ بطريقه اِحترافية في أهمية ما سيقوله، وهذه نُقطة قوة!
و بعد السلام و الترحيب: طرح سؤالاً : من منكم (أو قريبكم من الدرجة الأولى) تلقى رعايةً صحيةً هذا اليوم أو بالأمس أو قد يكون الإسبوع الماضي؟
و لعمري أن طرح الأسئلة التي يُريد من خلال إجابتها البسيطة (وإن كان برفع اليد) أن يُحفّز الهمة للإنصات لتتمة الحكاية باحترافية!
وهذا فعلاً ما كان منه :
تطرق إلى أهمية الصحة التي يحظى بها الفرد من مرحلة ما قبل المهد (منذ أن يتشكل الطفل في بطن أمه إلى أن يرحل عن الوجود) ، وكيف أن الوزارة لم تكتفِ بذلك فحسب؛ بل هي بصدد البدء في توفير الرعاية لمرحلة ما قبل الزواج (الفحوصات الطبية)؛ فلا يوجد سن معين لتلقي العلاج : وهذا يُدلل على أهميتها بشكلٍ مُقنع، وتوفير الحكومة لها ؛ و هذا أسلوب توعوي يتسلل للأذهان بسهولة و يسر و يُغيّر مفاهيم السلوك الخاطئة!
في أثناء عرضه الشيّق: كان مع كُلّ نقطةٍ يسردها : يُوضح سببها و آليتها؛ فلا تجدُ كـ متابع إلّا أن تهزّ الرأس إيجاباً!
يقول : ” أننا نهتم بالإنسان بكل جوانبه” لماذا؟
لأنه كما يوضح معاليه : “الوطن يُبنى بسواعد وعقول الأصحاء”
و لذلك فلسفة الوزارة هي فلسفة أن الرعاية الصحية حق للجميع!
يقول : “أن رؤية عمان 2040 لديها مستهدفات مهمة و التوجه الرئيسي هو نظام صحي”
و يوضح مجدداً: “أن رؤية الوزارة أن يكون هناك نظام صحي رائد بمعيار عالمي” و كيف أن اللامركزية هي أحد أهم الأشياء هنا!
و دائماً المتحدث الجيد يأتي بالأمثلة الواقعية كونها الأصدق و الأكثر تأثيراً؛ فـ تطرق لإيمانه الشديد بأهمية الموارد البشرية؛ وعلل ذلك بلغة بسيطة ومثال واضح، فيقول أنه يستغرق الأمر 6 أشهر لتأتي بأشعة رنين مغناطيسي لأي مستشفى ، بينما يأخذ الأمر 6 سنوات لتُعدّ طبيباً يقرأ هذه الأشعة!
و ضرب مجدداً مثالاً واقعياً وهي تعنّي الكثير للبحث عن العلاج في الخارج؛ بينما لدينا كفاءات وخبرات عُمانية نفاخر بها؛
وقبل أن يُثبت أنه ليس متحدثاً جيداً فحسب بل قائداً مُلهماً؛ جاء بـعدد 12 كادر طبي كان يُشير إليهم بأنهم (أبطاله my champions ) كـ دليل على أهمية الموارد البشرية وتعزيز كفاءتها،وبأنهم متوزعون من جنوب عُمان لـ شمالها، ولم يغفل عن ذكر أنهم موجودون هناك لـ يُمثلوا 60 ألف عامل صحي في عُمان!
فآتا كل ذي حقٍ حقه؛ وأثبتْ أن الإنجازات التي تحدث عنها ما كانت ستكون لولا تكاملية الأدوار!
في ختام حديثه؛ أعجبني جداً أنه ذكّر الجمهور بجرعة إيجابية من الإنجازات تباعاً ( افتتاح مراكز وتعيينات وتأهيل وترقية)، و يُخبرهم أن الطريق طويل ومتغير و المرونة ضرورة.
و ربط الختام بعنوان الملتقى (معاً نتقدم) فقال: “نحن بكم ومنكم وإليكم نفتخر؛ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم” : وهذا ذكاء خطابيّ : يُثبت تواضع المتحدث وأنه (كما في المقدمة) مواطنٌ عادي كأي واحدٍ فيهم وإن كان وزيراً!
أما بالنسبة للتحرك في المنصة : فتلاحظون في المقدمة و الخاتمة كان يأخذنا بدهشة لمركز المنصة ، بينما وزع حضوره في منتصف الحديث في أغلب أرجاءها!
ابتسامته وعفويته خير دليل على ثقته و إيمانه بما يقول: وهذا انعكس إيجاباً على المستمعين!
برأيي الشخصي: بغضّ النظر عن كونه وزيراً للصحة فهو من المتحدثين الذين ينتظر الجمهور فيضهم ؛ حيث حديثهم بلا شك لا يسكنه إلّا جمالاً ؛ فـ أهلاً وسهلاً به كثيراً و طويلاً على منصات الحديث مُلهماً وقائداً محفزاً يُفجّر طاقات فريقه و يستخرج مكنونات إبداعاتهم ليزداد العطاء والآداء وتتحقق الأهداف؛ لينعم الإنسان فهو ثروة النهضة المتجددة!
هذا المُلتقى الذي تفضل برعايته في هذه النسخة سيد الشباب صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم يجعلنا نتطلع بشوقٍ وفخرٍ لقادم إنجازاتِ عُماننا الحبيبة التي فعلاً معاً (بها) نتقدم بإذن الله.
بقلم : د. رقية الوهايبي