الفراعنة الذين ظهروا في أرض مصر، قد طغوا وبغوا في الأرض، وذلك عندما شعروا بفائض القوة، وفي العام الذي ولد فيه رسول الله موسى عليه السلام، حذَّر السحرة والمنجمون فرعون من ولادة مولود سيكون خطرًا عليه وعلى حكمه، فكما تقول الروايات؛ أن فرعون أمر بقتل كل مولود يُولد في ذلك العام، وذلك بهدف الاستحاطة لنفسه ومنع الخطر عنه، ولكن إرادة الله كانت الأقوى والأمضى من احتياط فرعون، فأرسل إليه الطفل (موسى) عبر اليم ليُربيه هو بنفسه حتى يكبر وتتحقق المشيئة الإلهية، وذلك ليري فرعون وجنوده قدرته على نفاذ أمر الله ولو كره الكافرون، فعندما كبر موسى أصبح كمدًا وحسرةً على فرعون.
وقد بلغ الجبروت الفرعوني أن يُعلن نفسه إلهًا على الأرض والنَّاس، ويقنعهم أنَّه يحيي ويميت، وأن الأنهار تجري بأمره، وقد صدّقه الكثير من السذج، ونتيجة لتلك السذاجة والطاعة الصارمة والانقياد الأعمى والمذل، أصاب الغرور فرعون، فتمادى في تجبره وطغيانه وفساده.
ذلك كان عن الفراعنة ما قبل الميلاد؛ حيث لم يكن لهم من الوسائل ومعالم الإدراك ما يعينهم على الإدراك الصحيح، ويساعدهم على معرفة عمّا يدور حولهم من عوالم أخرى، فاكتفوا بما وجدوه أمامهم من ممكنات ووسائل، فلم يجدوا ما يوعظهم، ليهذّبوا سلوكهم مع الآخرين، فغرّهم أن يُؤمِروا فيطاعوا دون معارضة من أحد، لذلك صدّقوا أنفسهم أنهم بلغوا مرحلة الألوهية والعظمة، حتى عندما أتاه نبيّ الله موسى عليه السلام مُرسلًا خشي إن هو أستمع إليه، أن يفقد المكاسب التي ترسخت في نفوس الناس عن قدراته وربوبيته لهم، لذلك؛ كابر وعصى الرسول، وخشي على الناس أن يتأثروا بمواعظ الرسول فقال مقولته الشهيرة “لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.
وهكذا يفعل اليوم فراعنة العصر من الأمريكان، فإذا كان فرعون سيطر على الخلق وأمرهم بعبادته مستغلًا جهلهم؛ فالفرعون الأمريكي الذي يعيش في زمن العلم والمعرفة، ألغى التعريف الإلهي للخلق “الذكر والأنثى” فلم يجد من يعترض عليه؛ بل صف العالم الذي يُسمي نفسه متحضرًا في صف الفرعون الأمريكي، فهذا النمرود الذي يملك قدرًا كبيرًا من القوة، وقد استمد الكيان الصهيوني قوته منه، فصار لا يعير أي اهتمام للقوانين والأعراف الدولية، فإذا كان فرعون مصر أمر بقتل المواليد في عام واحد، فإن الكيان الصهيوني أباح قتل مواليد فلسطين وأطفالها ونسائها على مدى 75 عامًا، وما يزال مستمرًا في القتل، فهو بذلك يتبع النشأة الأمريكية؛ حيث قضت على السكان الأصليين من الهنود الحمر، وذلك لكي يستقر لها المقام؛ فإسرائيل التي أتت إلى فلسطين بمقولة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض؛ أي كانت النية مبيتة لتصفية الشعب الفلسطيني.
وأن الفرعنة الأمريكية الضامنة لهذا الكيان الغاصب، هرعت إلى المنطقة على إثر معركة السابع من أكتوبر 2023 ليقينها أن إسرائيل التي لا تستحمل هزيمة كبيرة كهذه، تقع اليوم في دائرة الخطر الحقيقي، لذلك أحضرت أساطيلها وحاملات طائراتها واستنجدت بتوابعها من الأوروبيين للتعاون في القضاء على المقاومة الفلسطينية، والتي تجرأت بالهجوم على الدولة التي تُقهِر ولا تقهَر، وهذه المقاومة كانت في السابق في دور المدافع.
وقد أتى فراعنة العصر لنجدة إسرائيل، وفي حسبانهم منع الدول العربية وهي مردوعة من الأصل؛ بل وفي ذهنها محور المقاومة لترهبه وتمنعه من إسناد المقاومة الفلسطينية، فكان رد حزب الله، أننا لا نخاف أساطيلكم، وأننا أعددنا العدة لها، إن هي تجرأت علينا، فأخذ الأمريكان كلام المقاومة اللبنانية على مأخذ الجد، فابتعدوا عن المنطقة، وليس ذلك وحسب وإنما نصحوا إسرائيل بعدم شن حرب على لبنان حتى لا يقع ما هو في الحسبان.
ولكن الذي ليس في الحسبان، هو الدور اليمني الذي فاجأ العالم أجمع، وقد كان يظن الفرعون الأمريكي، أنه مجرد أن تقترب الأساطيل الأمريكية من اليمن، سيرفع اليمنيون الراية البيضاء، خاصة وأنهم كانوا قد خاضوا حربًا ضروسًا استمرت تسع سنوات مع تحالف قوي بقيادة السعودية، وهي أغنى دولة في المنطقة، فيفترض أنَّ اليمن أصبحت بلدا منهكا من الحروب والحصار، فلا يقوى على الوقوف في وجه أمريكا وبريطانيا العظمى، وربما كان ذلك بناءً على مشورة من وزير الدفاع الأمريكي آخذًا بحكمة أطلقها ابن جلدته عنترة ابن شداد الذي قال: أضرب الضعيف ضربة يطير لها قلب الشجاع، فخابت نصيحته فوقع مع الشجاع نفسه دون مُقدمات.
لكن اليمن خالف التوقع وتصدّى للقوة الفرعونية، وكان هدف فراعنة العصر، أن يخلقوا فجوة بين القيادة المتمثلة في أنصار الله والشعب اليمني، ولكن حصل العكس، حتى أن بعض القبائل التي كانت على خلاف مع أنصار الله، وجدت نفسها في حرج من خلافها البسيط مقابل مناصرة الشعب الفلسطيني، فأعلنت عن طي صفحة الخلافات، والوقوف مع الأنصار دعمًا للقضية العربية الأولى، ألا وهي: قضية فلسطين الكبرى، فنزل الناس في مظاهرات مليونية إلى الشوارع والميادين اليمانية.
وهنا أضاف اليمن إلى قائمة السفن المتوجهة إلى أم الرشراش (إيلات) السفن التجارية الأمريكية والبريطانية، إضافة إلى السفن الحربية المعادية، فكما يقول المثل: أتوا لتكحيلها فعموها؛ فصاروا الأمريكي اليوم يبحث عن مخرج من اليمن ينقذ هيبتهم التي مرغها اليمنيون الشجعان بالتراب.
فلا نقول إلا صبرًا أهل غزة العزة إن النصر آتٍ، وأن لا أحد سيموت بغير تقدير من الله، وهم مكرمون بالشهادة والحياة الأبدية.. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.
حمد بن سالم العلوي