منذ أن خلق الله البشرية وإلى هذه اللحظة التي تقرأ فيها أخي العزيز و أختي العزيزة هذه الكلمات،هُناك قادم إلى الدُنيا وراحلٌ منها ، وهذه سنة الله في خلقه وطبيعة الحياة الدُنيا،فالجميع سوف ينتقل يوماً ما،وهذا الإنتقال لا يعلم الإنسان متى وقته وحينه،وإخفائه عنا حكمة منه سبحانه،ولو علمناه لأصبحت حياتنا مضطربة، يسودها القلق و الخوف وعدم الإستقرار .
والموت هو الإنتقال من هذه الدار (دار العمل) إلى دار الآخرة (دار الجزاء)، و يأتي عالم البرزخ بين الحياة الدنيا والآخرة، يقول سبحانه : ( ومن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )، وبعدها يأتي البعث والحساب ،والأن كيف لنا أن نخرج من هذه الدُنيا ونحن مؤدين لعباداتنا وواجباتنا والحقوق، حتى إذا جاءت تلك اللحظة نكون في الطريق السليم ،على اﻷقل لا لنا ولا علينا،يقول سبحانه:{ وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡیَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ سَعۡیُهُم مَّشۡكُورࣰا }، أسأل الله لي ولكم الفردوس الأعلى من الجنة بإذن الله.
الإسلام أعطانا حرية الإختيار، ووضح لنا الجزاء والنتيجة لك اختيار ، وعندما يقول أحد هذه العبارة أن (الله لم يهدني بعد) فهذه العبارة غير صحيحة،يقول سبحانه :{ إِنَّا هَدَیۡنَـٰهُ ٱلسَّبِیلَ إِمَّا شَاكِرࣰا وَإِمَّا كَفُورًا }، فالعاقل يسعى جاهداً لتحقيق الغايه من وجوده، ويعيش حياته حياة الناجي ، مُتّبعاً المنهج الرباني الواضح ،يقول سبحانه: { قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا }،مبتعداً عن حياة (مشي حالك)،وهي الحياة التي لا يعلم صاحبها هل هو في الطريق الصحيح أم الخطأ ! ،وللأسف الشديد البعض يعلم ولكن يسوّف ويؤجل،وهناك من يغش نفسه،يقول سبحانه وتعالى: { وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا }.
القرآن الكريم يُشجع الإنسان ليختار الأحسن و الأسلم له ولغيره،ووضح لنا آليات العيش لحياة طيبة بعيده عن الشقاء،فلنبدأ التغيير وتفعيل هذه المعاني واستثمار كل ما اتيح لنا من مال وجهد ووقت وصحه في مساعدة أنفسنا ،وذلك بالقيام بما طُلب منا من عبادات يومية والحفاظ على الواجبات وتطبيق الأخلاق الحسنة في حياتنا ،والابتعاد كل البعد عن الموبقات وكل ما هو مؤثر سلبي يجلب لنا السيئات ، واعلم أنك محاسب، فأحسن الإختيار بالأمتثال لأوامر الله ورسوله .. ،وهنا سوف أوضح بعض النماذج و اﻷمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عن أهمية الإختيار الصحيح وهي كالآتي:
١-{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأۡكُلُوا۟ ٱلرِّبَوٰۤا۟ أَضۡعَـٰفࣰا مُّضَـٰعَفَةࣰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ }، في هذه الآية الكريمة يحث سبحانه الذين آمنوا أن يبتعدوا عن أكل الربا، فلا تغرك العروض و المؤسسات الداعية إليه، فأحسن الإختيار بالتّجنُب.
٢- { لِّلرِّجَالِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا }، للرجال و للنساء نصيب شرعه الله لهم ،صغاراً كانوا أو كباراً ، قليلاً كان أو كثيراً ، فأحسن الإختيار في القسمه و أعطِ كل ذي حق حقه.
٣-{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن جَاۤءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإࣲ فَتَبَیَّنُوۤا۟ أَن تُصِیبُوا۟ قَوۡمَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ فَتُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَـٰدِمِینَ }، يأمر الله تعالى بالتثبت والتبين و التأكد و عدم الإسراع في الحكم، فأحسن الإختيار .
٤- يقول الرسول ﷺ : ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ).
لا يليق بالمسلم أن ينام وهو شبعان وجاره جائع و في حاجه وهو يعلم، بادر ولو بالقليل ،أحسن الإختيار.
وتذكر أنك سوف تُنسى، وسوف يُذكر صلاحك وتقواك لله ، والأمر الوحيد الذي يستحق تركيزك وجهدك ووقتك وصحتك هو رضى الله وطلب مغفرته ، ولا تنسى أن سعيك وفِعلك للخير محسوب ومعلوم عند الله، يقول سبحانه: { وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ } ،{وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ} فلا تنتظر من أحد أن يؤدي عنك عباداتك وواجباتك أو أن يتصدق عنك، وتذكر جيداً أن هناك أمل ما دمت تتنفس، وفي أحد المقالات ذكرت بعض النصائح عن أهمية المبادرة للأعمال الصالحة والعودة لله وعدم الإنتظار، فتزودوا إخواني و أخواتي وأكثروا من عمل الصالحات والقربات لله، وتذكر دائمًا أن الإسلام كرّمك منذ ولادتك وحتى وفاتك، فأكرم نفسك وأحسن معاملتها واعنها على الخير ولا تحرمها من الفضل العظيم،أسأل الله لي ولكم الفلاح في الدارين بإذن الله، اللهم إنا لا نعلم متى يحين موعد رجوعنا إليك، فاللهم احسن خاتمتنا ولا تأخذنا من هذه الدنيا إلا وأنت راضٍ عنا. ورحم الله موتانا وموتى المسلمين أجمعين.
وفي النهاية أدعوك لتأمل هذه الآيات ولا تستعجل ركز فيها جيداً، يقول سبحانه وتعالى:
{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}.
هذه الآيات توضح لنا الطريق للوصول إلى جنات الفردوس الأعلى بإذن الله، وأيضاً لا تنسى أن يكون لك نصيب من هذا الحديث الشريف ،يقول النبيُّ ﷺ: “إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” ، عند وفاتنا ينقطع العمل ويبقى اﻷمل فالأول، (صدقة جارية)، والثاني ،(علم يُنتفع به)،والثالث(ولد صالح يدعو لك) .
أحمد بن درويش الهادي