في مجتمعاتنا اليوم، يُعتبر الطلاق من أكثر القضايا التي تثير الجدل والاهتمام، سواء من الناحية الشرعية أو القانونية، إنها قضية تعكس التوترات والتحديات الاجتماعية والثقافية التي يواجهها الأفراد والأسر في العالم الحديث، كما يعد الطلاق من الأمور التي تترك آثاراً عميقة على الأفراد والمجتمعات، سواءً من حيث الجوانب الشخصية، الاجتماعية، أو الاقتصادية.
من الناحية الدينية: يُعتبر الطلاق إحدى الخطوات الأخيرة والأكثر جدلاً في العلاقة الزوجية والتي يفضل تجنبها في الإسلام، فالله تعالى يبغض الطلاق وينظر إليه كأحد أبغض الحلال، كما ترى الشريعة الإسلامية الطلاق بأنه خيار لا يجب اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة واللازمة، وذلك لما فيه من تأثير سلبي على الأسرة والمجتمع.
من الناحية القانونية: يُعتبر الطلاق عملية قانونية تخضع للتشريعات والقوانين المحلية في كل بلد، وتتفاوت هذه التشريعات من بلد إلى آخر، حيث تحدد القوانين الشروط والإجراءات التي يجب اتباعها للحصول على الطلاق وتحديد الحقوق والالتزامات بين الأطراف المتعلقة بعد الطلاق.
ومن هذا المنطلق، يسعى هذا المقال إلى استكشاف جوانب الطلاق من الناحية الشرعية والقانونية، مع التركيز على آثاره ونظرة الدين والقانون لهذا الأمر الحساس، متطلعاً إلى فهم أعمق لهذه الظاهرة وتأثيراتها على المجتمعات والأفراد.
تنتشر حالات الطلاق التي يقوم فيها الزوج بالانفصال عن زوجته بدون أن يبلغها بالطلاق عن العديد من الأسباب، ومنها النية السلبية التي قد تكون للزوجة أو الأضرار التي يمكن أن تلحق بها وبأسرتها، حيث ينص قانون الأحوال الشخصية على الزوج بإعلام زوجته بالطلاق، ويتضح ذلك من المادة (348) التي تحدد الإجراءات اللازمة لذلك، مشددة على ضرورة إخطار الجهة المختصة بالطلاق خلال أسبوع من تاريخ وقوعه، وإلا فإنه يمكن أن يتعرض لعقوبات قانونية.
كما تعتبر العدة من الآثار الفورية للطلاق على الزوجة، حيث تبدأ من تاريخ إعلامها بالطلاق، ما لم تكن عالمة به مسبقاً، وفيما يتعلق بالنفقة، فإن الزوجة مستحقة لها عن الفترة السابقة حتى تاريخ الإعلام بالطلاق، وهو ما أكده حكم الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا لإحدى القضايا ذات الصلة في إحدى الدول العربية في هذا الحكم، حيث أشارت المحكمة إلى أنه يجب على الزوج توفير النفقة السابقة على إعلام الزوجة بالطلاق، دون أي إجحاف على الزوج.
أما فيما يتعلق بالطعن بالنقض، فقد أقرت المحكمة العليا الحكم الاستئنافي الذي أكد حكم المحكمة الابتدائية، مؤكدة عدم وجود مبرر جديد في الطعن يبرر إلغاء الحكم السابق، وهو ما تمت إقراره في أسباب حكم المحكمة العليا.
وفي العالم القانوني، يُعتبر الطلاق من الأمور الحساسة والتي تتطلب احتراماً للإجراءات المحددة بدقة، حيث يتمثل الطلاق في إصدار كلمات محددة تعبر عن رغبة الزوج في إنهاء العلاقة الزوجية، ويمكن أن يتم هذا الإعلان بشكل صريح أو بطرق غير مباشرة.
كما تأتي كلمات الطلاق عادة من الزوج أو وكيله، وقد يحدث ذلك حتى في غياب الزوجة أو دون علمها بالطلاق، ويُعد عدم علم الزوجة بالطلاق أمراً مهماً يجب أخذه بعين الاعتبار، ولتسهيل هذه العملية وتوثيقها، تقدمت وزارة العدل بتعليمات واضحة تنظم تحرير وثيقة الطلاق، بالإضافة إلى ذلك، تشترط هذه التعليمات أن يقوم الأمين الشرعي المختص بتحرير وثيقة الطلاق وفقاً لنموذج معين أعده قطاع التوثيق، حيث يقوم الزوج بالحضور أمام الأمين الشرعي ويقر بطلاق زوجته، وبناءً على ذلك يتم تحرير الوثيقة المناسبة.
وفي بعض الحالات، قد لا يقوم الزوج بالتلفظ بكلمات الطلاق بنفسه، وإنما يقوم الأمين الشرعي بتوثيق الطلاق استناداً إلى ما يُفيد ذلك. وفي كل الأحوال، يجب على الأمين الشرعي إخطار الزوجة بالطلاق وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون، وبهذه الطريقة، تُضمن تعليمات وزارة العدل سير الإجراءات بشكل سليم وتحمي حقوق كل الأطراف المعنية في عملية الطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، تشدد المادة (348) في قانون الأحوال الشخصية على أهمية إعلام الجهة المختصة بواقعة الطلاق، حيث تنص على ضرورة أن يُبلغ كل زوج عن طلاقه الجهة المعنية خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع من تاريخ وقوع الطلاق، وذلك لتجنب المسائلة القانونية في حال عدم الالتزام بذلك.
في هذا السياق، يُعتبر الأمين الشرعي الشخص المخول بتنفيذ إجراءات الطلاق، حيث يقوم بتحرير الوثائق الرسمية التي تثبت الطلاق، بما في ذلك الإقرارات الخاصة بالزوج والزوجة، كما يقوم الأمين بمسؤولية كبيرة لإعلام الزوجة أو عائلتها بالطلاق وفقاً للتعليمات التي وضعتها وزارة العدل.
وتأتي هذه الإجراءات لضمان سير العملية القانونية بشكل سليم وتحمي حقوق الجميع المعنيين، بالإضافة إلى ذلك، يعمل هذا النهج على تسهيل إثبات الطلاق وتجنب الخلافات المحتملة بين الأطراف بعد الطلاق.
أما في العصر الحديث، تثير قضية إثبات الطلاق العديد من التساؤلات والتحديات، حيث يُعتبر الطلاق في السياق الشرعي والقانوني من الأمور التي يمكن أن تحدث بإرادة الزوج بمفرده، ويتم ذلك عبر اللفظ الشفهي الصادر منه دون الحاجة إلى إجراءات إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، يختلف الرأي بين الفقهاء حول ضرورة الإشهاد على الطلاق، حيث يرى جمهور الفقهاء أنه لا حاجة للإشهاد بسبب مصداقية الزوج في الإعلان عن الطلاق، أما الشيعة الجعفرية، فإنهم يرون وجوب الإشهاد لتفادي الشبهات والاحتياط في مسألة الإثبات كما يحدث في مسألة الزواج.
وفيما يتعلق بإثبات وقوع الطلاق، فإن المادة (70) من قانون الأحوال الشخصية تنص على ضرورة التوافق بين الزوجين بشأن نوع الطلاق، سواء كان رجعياً أو بائناً، وإذا كان هناك اختلاف في الرأي، فإن القول يكون لمن ينكر وقوع الطلاق، ما لم يكن الزوج مقراً بإعلان الطلاق ثلاث مرات، وهذا يأتي لضمان الشفافية والعدالة في مثل هذه القضايا المهمة.
لكن، قانون الأحوال الشخصية لم يحدد بدقة كيفية إعلام الزوجة بواقعة الطلاق، مما يترك المجال مفتوحاً لاختيار الوسيلة المناسبة التي تؤكد على أنها تمت عملية الإعلام بشكل صحيح، وعلى الرغم من ذلك، فإن الطريقة المثلى لإعلام الزوجة عن الطلاق هي من خلال تقديم محضر رسمي من المحكمة.
أما في الواقع العملي، يتم إعلان الزوجة بطلاقها في الكثير من الحالات عن طريق أفراد أسرتها أو جيرانها، وقد يكون هذا الإعلان شفهياً وقد يكون مصحوباً بشهود، ورغم أن هذه الطريقة غير رسمية، إلا أنها تستخدم في كثير من الأحيان لتأكيد وقوع الطلاق.
وجدير بالذكر أن القانون يهدف في النهاية إلى حماية حقوق الزوجة وضمان أن يتم إعلامها بشكل كافي وصحيح عن الطلاق، سواء كان ذلك عن طريق الإعلان الرسمي أو غيره من الوسائل التي قد تكون متاحة في ظروف معينة.
أما في ما يتعلق بتأثيرات الطلاق، هناك اتفاق بين الفقهاء على عدة نقاط مهمة، وتشمل هذه النقاط أن المرأة المطلقة تحتسب عدتها من تاريخ علمها بواقعة الطلاق، وهذا ما نصت عليه المادة (80) في قانون الأحوال الشخصية، وتنص هذه المادة على أن العدة تبدأ من تاريخ وقوع الطلاق إلا إذا كانت المرأة غير عالمة به، في هذه الحالة تبدأ العدة من تاريخ علمها بالطلاق.
أما بالنسبة لحقوق المرأة المطلقة فيما يتعلق بالنفقة والمعاشرة، فإن المسألة تختلف حسب نوع الطلاق، في حالة الطلاق ثلاث طلقات، فإنه لا يحق للزوج استعادة المرأة، ولا يحق لها المعاشرة به، بينما في حالة الطلاق الرجعي يحق للزوج استعادة المرأة والمعاشرة بها.
ومن بين النقاط التي تشهد على الخلاف بين الفقهاء هو ما إذا كانت المرأة المطلقة غير المتعلمة بالطلاق ترث زوجها المتوفى الذي طلقها قبل وفاته دون علمها بذلك، وهنا يختلف الرأي بين الفقهاء، حيث يرون بعضهم أنها لا ترثه إذا كانت الطلاق مثبتاً، بينما يرون آخرون أنها ترث في هذه الحالة لعدم تحقق كل آثار الطلاق إلا من تاريخ علمها بالطلاق.
بالتالي، يُظهر النظر إلى قضية الطلاق من النواحي الشرعية والقانونية أهمية فهم عميق للتحديات والمسائل التي تُطرح في هذا السياق الحساس، فالطلاق، وفقاً للدين والقانون، يُعتبر خطوة أخرى وصعبة في حياة الزوجين، ويفضل تجنبها قدر الإمكان، وتظهر أهمية الالتزام بالأسس الشرعية والقانونية في إدارة العلاقات الزوجية وحفظ استقرار الأسرة والمجتمع.
كما أن “أبغض الحلال عند الله الطلاق”، فالإسلام يُحث على الحفاظ على استقرار الأسرة وتعزيز روابط المحبة والتفاهم بين الزوجين، ومن هنا يجب أن نفكر جميعاً في تعزيز الحوار والتواصل والبحث عن الحلول السلمية لحل المشكلات الزوجية قبل اللجوء إلى الطلاق.
أما من الناحية القانونية، تُظهر التشريعات والقوانين العديد من الإجراءات التي يجب اتباعها للحصول على الطلاق، مما يبرز أهمية الالتزام بالأطر القانونية وضمان تطبيقها بشكل عادل ومتساوٍ لكل الأطراف المعنية.
بالنهاية، يجب أن نعمل جميعاً على تعزيز ثقافة الاستقرار الأسري والحفاظ على الترابط الأسري، والبحث عن الحلول البناءة والمستدامة للتحديات التي قد تواجه الأسرة، مع التركيز على قيم الحب والتسامح والتعاون كمفتاح للحياة الزوجية المستقرة والمتوازنة في مجتمعاتنا.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.