يأتي رمضان على شوقٍ ويمضي على عجل، فبالأمس كنَّا أول رمضان، واليوم قد مضى الثلث من الشهر، فسبحان من وصفك بأيام معدودات، فيارب تقبل منَّا ما مضى واعنَّا على ما بقي، وأعتق رقابنا من النار، فأيام رمضان سريعة لا تتوقف، والأحداث تتسارع من حولنا، وفتن الدنيا تموج بنا، والأموات يتسابقون أمامنا، والعاقل والسعيد منا من ملأ صحيفته بالصالحات، فعلينا أن نقف ونحاسب أنفسنا، قبل فوات الأوان والرحيل عن هذه الدنيا، فعلينا انتهاز فرصة هذه الأيام والليالي المباركات من شهر رمضان، ونتنافس في الطاعات والأعمال الصالحات.
والصيام فريضة توسع الصدر وتقوي الإرادة وتزيل أسباب الهم، وتعلو بصاحبها إلى أعلى المنازل فيكبر المرء في عين نفسه، ويصغر حينها كل شيء في عينه، وهو حالة من السمو الروحي لا يبلغها إلا من يتأمل في حكمة الله من وراء هذه الفريضة، وشهر الصيام موسم للطاعات، تتنزل فيه الرحمات، وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفيه من الفضائل ما لا يعد ولا يحصى، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والصوم جنة، أي وقاية وستر، لأنه يقي من عذاب النار، والمسلم عندما يصوم تصوم معه الروح والعقل والجوارح عن المحرمات. وأيام رمضان تمر سريعًا والسعيد من أودع في هذه الليالي المتسارعة الأفعال والأعمال الطيبة.
فيا شهر الصيام ترفق بنا وتمهل، فبهذه السرعة أنت خفيف الظل عظيم الأجر، فنفوس العابدين وقلوب الراكعين والساجدين تحن إليك فلا تغادر على عجل، فقد هل الهلال وارتفع النداء، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. والسؤال المطروح الآن ماذا أودعنا في هذه الأيام والليالي المباركات من أعمال؟ وكيف أحوالنا في الطاعات؟ وكيف خشوعنا وخضوعنا في الصلوات؟ وهل اجتهدنا في طلب العتق من النيران؟. إن هذه الأيام والليالي المباركات تمر وتنقضي بسرعة، وعلينا التقرب إلى الله بفعل الطاعات والبعد عن المحرمات.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، فيكثر فيه من الصدقة والإحسان وأعمال الخير، وعلينا التأسي برسول الله لأنه قدوتنا، والإسراع بإخراج الصدقات والزكوات، والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، والمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد مع الجماعة، وقراءة القرآن بالليل والنهار، والتوبة والاستغفار والذكر وقيام الليل لمناجاة ربنا الكريم المنان، ونصلي ونصوم صلاة وصوم المودعين، لأننا لا نعلم متي يكون الرحيل، وهل سنكمل صوم رمضان هذا العام أم يحل الأجل، وهل سندرك رمضان العام القادم، أم نكون تحت التراب، فيا رب لا تجعل هذه الأيام والليالي تنقضي إلا وقد أعتقت رقابنا ورقاب آباءنا وأمهاتنا وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا وأرحامنا والمسلمين والمسلمات من النار، وأدخلنا الفردوس الأعلى من الجنة، بلا حساب ولا سابقة عذاب.
وكل عام وأنتم إلى الله أقرب، وبفعل الطاعات أسبق، وإلى الجنة أرغب، ونسأل الله أن يرفع عنا وعنكم الشر، ويكرمنا بليلة القدر، ويسعدنا طول الدهر، وأن يجعل شهر رمضان خير وبركة على كافة المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال ولا تنسون إخوانكم المستضعفين في كل مكان من دعائكم وخصوا في دعائكم أهل غزة وفلسطين لأنهم يتعرضون لحرب إبادة جماعية بشعة من الصهاينة، واستغلوا هذه الأيام والليالي المباركات من شهر رمضان المبارك في التغيير الإيجابي في كل شيء لتخرجوا من هذا الشهر وقد غفر الله لكم ذنوبكم وعتق رقابكم من النار وأصبحت أرواحكم طيبة ونفوسكم طاهرة وأعمالكم صالحة.
حمد الحضرمي – محامٍ ومستشار قانوني