حوار / نيوز
للأسف ،شاءت الارادات ،والتي شابها العيبُ والتدليس ،وربما القبول بالخواتم ، دون قناعة ورضا ( واقصد هنا اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣ بين السلطة الفلسطينية والكيان المُحتل ) ، أن يُولَد من رحم القضيّة توأمان يحملان ذات الاسم ( فلسطين ) ، و ذات الهويّة ، ولكنهما مُختلفان تجاه ركبْ التسّوية ونهج حملْ البندقيّة ،أحدهمُ السلطة الفلسطينية والثاني هي المقاومة الفلسطينية!
ومضتْ السنون ، من بعدها ( واقصد بعد الولادة ) ، تُرّسخُ الاختلاف والخلاف بين التوأميّن ، وابتعدتْ بينهما المسافة ، فأصبح التوأّم الاول يحملُ اسم وعنوان ” السلطة الفلسطينية في رام الله ” ، ويدّعي أرث القضيّة و مستقبلها ، واصبح الثاني يحملُ اسم وعنوان ” المقاومة الفلسطينية في غزّة “، وهو الآخر يدّعي ارث القضيّة ومستقبلها .صارَ لكُلٍ منهما مدرسة وعقيدة ومحور ومراجع ؛ فاتكَلَ الاول على مدرسة الغرب وعقيدة الحلول السلميّة والتعاون مع “سارق ومغتصب ارضه وناكث العهود معه ” ، وعلى محور “الاعتدال ” في حينها ،وتبيّن اليوم و بجلاء بأنه ” محور الابادة والإجرام” ، وعلى المرجعية الأمريكية و الغربية ،وهي ذات مرجعيّة عدوه !
و اتّكلَ الثاني على مدرسة النضال و المقاومة والجهاد وعقيدة الشهادة ومقارعة ” سارق و مغتصب ارضه ” ،وعلى محور المقاومة في الداخل ( الضفة وغزة وفلسطين ) وفي خارج فلسطين .
اكثر من ثلاثين عاماً مضت على ولادتهما ( تأسست حماس عام ١٩٨٧) ، ولنترك الحُكم للزمن ليُرشدنا أيهما كان على طريق الحق والكرامة ماضياً ، وفي مساره ونهجه صائباً ؟
لا أُريد إتخام المقال بسرد تأريخي معروف وواضح للداني والقاصي ،عما خسرته السلطة الفلسطينية،وعلى جميع الصُعد ، وعما خسره الشعب الفلسطيني ( شهداء وجرحى ) طيلة مدة التعاون بين السلطة والكيان المحتل ! و كم كيلومتر بقي من مساحة القدس و مساحة الضفة الغربية بانتظار قضمها وابتلاعها اسرائيلياً ،وتحت يافطة اتفاقيات أوسلو والتعاون بين السلطة الفلسطينية و الكيان المحتل ؟ وعلى ماذا هذا التعاون ؟
للأسف ، ونحن في أوجّ عدوان وحشي مادي ومعنوي ،قارنه الخصوم والأصدقاء بالنازية، تنفّذه إسرائيل وبمساعدة امريكا والغرب والرجعيّة على شعب فلسطين في غزّة ،تنهال السلطة الفلسطينية، وعبر منظمة فتح ،ببيان وتصريحات ، تتضمّن اتهامات وتوصيفات للمقاومة الفلسطينية في غزّة غير مناسبة ،لا في التوقيت و لا في المضمون .
البيان الصادر عن حركة فتح ، حمّلَ حماس والمقاومة في غزّة مسؤولية العدوان على غزّة، و وصف هجوم المقاومة في ٧ اُكتوبر بالمغامرة ، و”التي قادت إلى اعادة احتلال القطاع ، والى نكبة اكثر فداحة وقسوة من نكبة ١٩٤٨” ! ويتساءل البيان بالقول : هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية في ما قامت به في ٧ أُكتوبر !
صراحة ،اتهامات وتصريحات تُعّبرُ عما يدور في نفوس قادة إسرائيل وأمريكا ، و تتجاهل صحوة وانتفاضة الضمير الإنساني ،والذي تجلى في رفض واستهجان العالم شعوباً وحكومات ما ترتكبه إسرائيل من جرائم ابادة .
ثُمَّ ،دعونا نتناول صحة ومنطقيّة الاتهامات التي ساقها بيان حركة فتح !
ابدأُ من استغراب وانزعاج فتح لعدم قيام حماس بالاستشارة مع القيادة الفلسطينية قبل تنفيذها لعملية طوفان الأقصى ! ولا أدري هل مَنْ دَوّنَ البيان جادٌ في طرحه أم قصدهُ الاستفزاز ؟ أَوليس السلطة الفلسطينية متعاونة ،حتى النُخاع ،مع إسرائيل أمنياً وعسكرياً واستخباراتياً ؟ كم من المقاومين في الضفة وفلسطين هم الآن في سجون الاحتلال بسبب التعاون الامني بين السلطة الفلسطينية وعصابات الاحتلال ! ثُّمَ هل تشاورتْ منظمة التحرير الفلسطينية مع حركة حماس و المقاومة الإسلامية ،حين شرعت المنظمة في التفاوض مع إسرائيل سّراً في مدريد ، عام ١٩٩١ ، وبعدها توقيع وتنفيذ اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣ ، والتي بموجبها تنازلت المنظمة عما يقارب عن٧٨٪ من الأراضي الفلسطينية ، وفازت المنظمة بلقب ” السلطة الفلسطينية ” ؟
ثُّمَ ،هل حقاً ٧ اكتوبر نكبة ثانية للشعب الفلسطيني ام نكبة لإسرائيل ، والتي باتت تخشى ذكر يوم ٧ أُكتوبر ،و تطلب من أصدقائها العرب عدم ترويج التاريخ و استخدامه ؟
الشعب الفلسطيني وبعد نكبة ١٩٤٨ ،عاشَ في نكبة كبرى ، وهي بقاؤه ومنذ العام المذكور تحت الاحتلال والقتل والاعتقال والتشريد ، يُطرد ويُطارد من قرية لأخرى ، وقد تكون نكبته الثانية هي اتفاقيات اوسلو ، والتي مكّنت إسرائيل من الاستيلاء على ما تبقى من اراضي وتشريد وقتل واعتقال الفلسطيين ، وحوّلت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية من ساحة المقاومة والنضال إلى مشاهد المساومة دون طائل مع إسرائيل بدلاً من القتال . وهل حال الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ،وتحت رعاية السلطة الفلسطينية ، والذي يتعرض للحصار وللقتل والسجن وعربدة المستوطنين ، افضل من حال أشقائه في غزّة؟
ثُّمْ متى أصبحَ نضال ومقاومة شعب تحت نير احتلال فاشي ووحشي مغامرة مُعيبه؟ و بماذا غامرَت المقاومة وهي ترى القضية الفلسطينية في ردهة الموت الرحيم ،وفي طريق التصفية ؟
لولا ” المغامرات ” الفلسطينية ،ومنذ انطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٦٤ ،مروراً بمحطات النضال والانتفاضات ،لما بقيت شُعلة المقاومة والامل مُتّقدة .
من العجَبْ ان تكون عملية طوفان الأقصى وما حققّته من انجازات للقضية الفلسطينية،وعلى الصعيد الاستراتيجي ، موضوع انتقاد وتنكيل من قبل حركة فتح و مَنْ وراءها .
غزّة بطوفانها وبتضحياتها وبمآسيها ، هي تاريخ نكبة لإسرائيل ولامريكا والغرب ، وهي تاريخ ولادة القضية الفلسطينية ،هي تاريخ انتصار شعبي دولي للقضية .
غزّة هي قطاعٌ مُحاصر ، ولكنها ،في المقاومة والاستبسال والعطاء ،اكبر من دولة .
و اختمُ المقال بمقاطع مقتبسة من رسالة والد فلسطيني ، مّر بدروب النضال الفلسطيني فيخاطب ولده المقاتل في غزّة إذ يقول: ” فلا تكن مثلي ابداً ، وتعلم ياولدي ان الأمر لا يُقاس باللحظة الحالية ،ما يحدثُ في غزّة سيكون له حسابات مستقبلية خطيرة ،هي الارض الوحيدة التي لم تجثو على ركبتيها …لقد ركعت المانيا في الحرب العالمية الثانية ووقعت على الاستسلام ،واليابان بعظمتها … حتى إيطاليا الفاشيّة هي الأخرى ركعت و جثت على ركبتيها …هل شاهدت غزاوياً يوقعُ على الاستسلام ؟ ( انتهى الاقتباس ، ومصدره ،الموقع الإلكتروني لمنتدى التكامل الاقليمي ، منشور من قبل الصحافي الاستاذ قاسم قصير ،بيروت ) .
د.جواد الهنداوي – سفير عراقي سابق ، رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل