وقعَ الهجوم ،والذي وصفته الخارجية الروسية بعمل ارهابي ،مساء اليوم الجمعة ( ٢٠٢٤/٣/٢٢) ، وهو ،بلا شك كذلك ، في كُلِّ ابعاده وحيثياته ، ويذكرّنا بالارهاب الذي شهدته روسيا ،خلال الحرب الروسيّة الشيشانيّة ،وخاصة في عام ٢٠٠٢ ( ازمة الرهائن في مسرح دوبروفكا) ، و يُعيد إلى الأذهان مشاهد وصور ارهاب القاعدة في المملكة العربية السعودية عام ٢٠٠٣ ،وارهاب القاعدة وداعش وأخواتهما في العراق وسوريا ولبنان و ايران ،ومنذ عام ٢٠٠٤ .
وليس بالأمر الجديد التوظيف السياسي للإرهاب العالمي ، بل الإرهاب صناعة وبضاعة تُنتجْ و تسوّق وتُصدّر ، ولهذه الصناعة اهداف سياسية استراتيجية .اصبح الإرهاب مِنْ احدى الوسائل (كالحرب والدبلوماسية ) لتحقيق اهداف سياسيّة . ولم يعدْ سّراً دور الصهيونية والإمبريالية في صناعة وتوظيف الإرهاب ، فقادة الدول المحكومة بالإرادة الصهيونية ،وفي مقدمتهم امريكا ،يتبادلون التهم ،ويتبنون التصريحات بتبني هذا اوذاك أمر صناعة ونشر الإرهاب .
جاء الهجوم بعد ثلاثة ايام من انتصار بوتين في الانتخابات الرئاسية ،وكل المؤشرات تدلُ على ان ” الرئيس بوتين الخامس ” نسبةً إلى ولايته الخامسة ، لن يكْ كبوتين الرابع او الثالث ،من حيث قوة القرار والتصميم في المضي قدماً في مساره العسكري في أوكرانيا ، وتحديه لمساعي دول الناتو في دعمهم و مشاركتهم في الحرب .
وقعَ الهجوم بعد اقل من اسبوع على تصريحات الرئيس الفرنسي ، في مقابلة تلفزيونية ، والتي هدّدَ فيها روسيا بمشاركة لقوات اوروبية في الحرب ، ودفاعاً عن أوكرانيا . توقيت الهجوم ،وبهذه السرعة والدقة والتسليح ،يدّلُ على انه كان مُخططاً له مُسبقاً و مُعدّا للتنفيذ ، ويدّلُ ايضاً على وجود خلايا نائمة مدعومة من الخارج ،و مرتبطه بجهات متخصصة بالإرهاب ومكتسبة خبرة وتجربة في صناعة الإرهاب .
مخاطبة ومطالبة المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية الولايات المتحدة الأميركية بتزويد روسيا بأي معلومات لديها عن الهجوم، هي اشارة روسية لاتهام مُبطّن لامريكا ، باعتبارها مصدر توظيف ودعم الجماعات الارهابية في آسيا و العالم .
روسيا في حالة حرب مع محور الغرب ( امريكا و حلف الناتو ) ، و ساحة هذه الحرب أوكرانيا ، وهي ( واقصد روسيا ) ، في حالة تقدم عسكري ميداني ملحوظ ، والغرب في حالة عجز في التسليح والذخيرة ، وتذمر واستياء حكومي وشعبي لدول الغرب ، فليس من المُستبعد ،ان يلجأ محور الغرب ،والمتمرس في توظيف الإرهاب ،للجوء إلى مثل هذا النوع من الهجمات والعمليات الإرهابية ، فَهم ( واقصد أوكرانيا والغرب ) المستفيدون من الجريمة .
من البديهي جداً ان تتوجه أصابع الاتهام إلى تلك الجهات التي أمتهنت قتل الأبرياء من الاطفال والنساء ، وليس أمامنا غير مشاهد القتل والدمار والإبادة في غزّة ،والتي تقوم بها ذات الجهات (الصهيونية والإمبريالية ،متمثلتان بإسرائيل وامريكا ودول الغرب الداعمة لهما ) .
روسيا ، هي الأخرى ، ستوظّف سياسياً وعسكريا الهجوم الارهابي : سياسياً في تعزيز الشعور والدعم الوطني، وعسكرياً في تقدّم ميداني و توجيه ضربات انتقامية مدروسة و محسوبة . لنْ تلجأ روسيا إلى فرض حالة الطوارئ ، وما يترتب عليها من تداعيات سلبية خارجياً و داخلياً .
ما يهّمُ روسيا ،اليوم ،هو السرعة في تحديد هوية الجناة ومن يقف خلفهم ، وكذلك الحيلولة من ان تنتقل الحرب في أوكرانيا إلى الداخل الروسي ،وفي صورة هجمات ارهابية متكرّرة .
تكرار هجوم كروكوس يعني ارادة أمريكية ناتويّة بنقل الحرب إلى داخل الجغرافيا الروسيّة ،ويعني ايضاً فشل هذه الارادة في حربها في أوكرانيا ، ومثل هذا الأمر او التوجّه نذير حربٍ كبرى .
د. جواد الهنداوي / سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات في بروكسل ،في ٢٠٢٤/٣/٢٢.