الحوار / نيوز
لم تتوقف تهديدات وتحذيرات امريكا والغرب بعودة “داعش” إلى مسرح العمليات وساحات عمله الإجرامي ،والتي هي جغرافية الدول المناهضة او المُعادية للسياسات الإمبريالية والصهيونية ، و لغيرها ،إنْ اقتضت الضرورة والمصالح . والتوظيف السياسي لداعش والإرهاب ،ومن قبل الإمبريالية والصهيونية لم يعدْ سّراً ، وابدعَ كثيرون في نشر وثائق وشرح مواقف وكشف خبايا تؤكّد حقيقة هذا التوظيف .
أصبحَ ،في الوقت الحاضر ، وقوع الهجمات الإرهابية لداعش او المنسوبة إلى داعش، يتزامن مع محطات ومواقف سياسية تمّرُ بها او تتبناها دول مناهضة لسياسة امريكا و الغرب او دول محور المقاومة ( بالمعنى الواسع للمصطلح ) ، كما هو حال الهجمات الإرهابية ،التي وقعت في كروكوس ،في موسكو ،بتاريخ ٢٠٢٤/٣/٢٢ ، والتي جاءت بعد فوز الرئيس بوتين بولاية خامسة ،والتقدم الميداني لقواته في أوكرانيا . وكذلك الهجوم الارهابي في جنوب ايران ،والذي تزامن مع الذكرى الرابعة لاغتيال القائد العسكري قاسم سليماني ،وتبنّته داعش ، ولاية خراسان ، بتاريخ ٢٠٢٤/١/٣ .
قبل اسبوع ،صرّحت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد ، بأنَّ تنظيم الدولة الاسلامية لايزال يشكّل تهديداً في العراق .التصريح يأتي قبل ايام من زيارة متوقعة لرئيس مجلس الوزراء في العراق إلى واشنطن، ومن ضمن مفردات اللقاء بين رئيس الوزراء والرئيس بايدن موضوع مغادرة قوات التحالف الدولي العراق ،ونتمنى الا يوظّف داعش مناسبة الزيارة والتحذيرات الرسمية التي صدرت في فرنسا وفي المانيا وغيرها من الدول ، لارتكاب جريمة أرهابية ،تُعكّر اجواء و حيثيات الزيارة .
الدول الغربية ،هي ايضاً تبنّت تصريحات تؤكد الحذر والترقب الأمريكي من عودة داعش ؛ فرنسا ،مثلاً ، رفعت حالة التأهب تحّسباً لاحتمال عوّدة لداعش -خراسان ،و مثلما صرّح الرئيس الفرنسي ،قائلاً انَّ بلاده تعرضتّ قبل ايام،لأكثر من محاولة ،أحبطتها القوات الامنية .
كذلك ،أدلت وزيرة الخارجية الألمانية بتصريحات مماثلة ، مشيرة إلى ان الأجهزة الامنية في برلين ،أحبطت خلال ال18 شهرا الماضيّة ،العديد من المحاولات الإرهابية . كذلك أعلنت النمسا ،انها أحبطت عمليات ارهابية ،كانت تستهدف مؤسسات دينية مسيحية، خلال فترة اعياد الميلاد قبل ثلاثة شهور . كما صرّحَ قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا امام الكونغرس عن خطر هجمات ارهابية قادمة من افغانستان ( جريدة الاخبار اللبنانية ، تأهب جماعي في اوروبا ، شبح انفلات داعش يعود ، مقال للكاتب سعيد محمد ،٢٠٢٤/٣/٢٨ ) .
الأمر المُلفت هو ان الدوائر الرسمية الغربية المعنية تستعلم وتُحّذر من هجمات ارهابية مُقبلة ،و تقعُ فعلاً الهجمات ، ولكن تقع وتستهدف روسيا و إيران وغيرهما من دول المحور المناهض لسياسة امريكا و الغرب ! ومن دون ان ننسى نشاط وهجمات داعش وبمختلف مسمياته في سوريّة ، والهجمات التي يقوم بها ،مستهدفة بين الحين و الاخر الجيش العربي السوري ،وبالتعاون المكشوف والواضح مع إسرائيل ومع القوات الأمريكية المتمركزة في شرق سوريّة .
لسلوك امريكا والغرب في تعاملها مع ظاهرة الإرهاب رسالتان إلى اعدائهم وخصومهم ،وحتى لحلفائهم و اصدقائهم: الرسالة الاولى هي تبيان قدراتهم المعلوماتية والاستخبارتية على رصد تحركات المنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة ، وأنهم ( اقصد امريكا والغرب ) متفوقون على غيرهم في استشراف الاحدات . الرسالة الثانية هي جعل الآخرين ،ممن يراودهم الشك ، على يقين بأنَّ امريكا هي التي تتحكم بتوظيف و توجيه داعش و الإرهاب ! قد يستغرب القارئ فحوى الرسالة الثانية .
ولكن كثيرا من الوقائع والحقائق المؤلمة ، التي تشهدها ساحاتنا وتعانيها شعوبنا ، تقف خلفها بوضوح الادارة الأمريكية وارادة الشّر الصهيونية ، دون اعترافهما بمسؤوليتهما . خُذْ على سبيل المثال الدور الأمريكي و الصهيوني في سرقة النفط من الحقول السورية ،والتي للأسف تحت سيطرة قوات ” قَسَدْ ” وبحماية ورعاية القوات الأمريكية ! الجميع على علمٍ بها ولا يختلف اثنان على حقيقة هذه السرقة ، ولا ننتظر تصريحا او اعترافا أمريكيا بسرقة نفط سوريّة .
مِنْ بين المشتركات الأمريكية الاسرائيلية ديدنهما في إظهار البطش و اللا اخلاق تجاه خصومهم واعدائهم ، معتبرين ذلك قوة ووسيلة لارهاب الخصم والعدو ، فلا عجب من سعيهما في توظيف ظاهرة الإرهاب وتوجيهها حيث ما ارتأت مصالحهما ( و اقصد المصلحة الإمبريالية و المصلحة الصهيونية ) .
د.جواد الهنداوي / سفير عراقي سابق، رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات “بروكسل”