في سياق دراسة القانون والشريعة الإسلامية، تعد دعاوى الحيازة من بين المسائل الحيوية التي تثير الكثير من الاهتمام والتحليل، فهي تمثل جزءاً أساسياً من نظام العلاقات القانونية والشرعية المتعلقة بالعقارات والممتلكات، ومن هنا، يسعى الباحثون والمختصون في مجال القانون والشريعة الإسلامية إلى استكشاف عمق هذه المسألة وتحليلها بشكل دقيق وعلمي.
كما تتجلى أهمية دعاوى الحيازة في دورها في حماية حقوق الأفراد في الممتلكات والعقارات، وضمان استقرار العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، ومن خلال دراسة وتحليل هذه القضية، يمكننا فهم تأثير القوانين والأحكام الشرعية على تحديد حدود الحيازة وتقديم الحماية القانونية والشرعية للمتعاملين في هذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك، تعكس المعلومات والتحليلات القانونية والشرعية التي تم تقديمها في هذا السياق، قدرة الباحثين والمختصين على فهم وتحليل القضايا القانونية بدقة ومهنية، مما يساهم في إثراء المعرفة القانونية وتعزيز فهمنا للمفاهيم القانونية والشرعية ذات الصلة، بالتالي، يعد هذا البحث أحد المساهمات الأكاديمية المهمة في فهم وتحليل دعاوى الحيازة، ويقدم رؤية شاملة وعميقة لهذا الموضوع المعقد من منظور قانوني وشرعي.
من هنا، إن دعاوى الحيازة تهدف إلى حماية الحيازة وليس حماية الملكية، إذ تعتبر الحيازة أحد العناصر الأساسية في النظام القانوني الذي ينظم العلاقات العقارية، وتتمثل الحيازة في امتلاك شخص لعقار معين بشكل فعلي، سواء كانت هذه الحيازة حيازة ملكية أو حيازة انتفاع.
ويكون للحائز الفعلي للعقار، سواء كان مالكاً له أو غير مالك، الحق في رفع دعوى الحيازة للدفاع والمحافظة على حقه في الانتفاع بالعقار، وتتمثل المصلحة في المدعي في دعاوى الحيازة في استمرار الاستفادة من العقار أو الحفاظ على فوائده، بغض النظر عما إذا كان المدعي مالكاً للعقار أم لا.
بالإضافة إلى ذلك، يُنص على هذا الأمر على سبيل المثال، في القرار الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-4-2018م في الطعن رقم (59605)، حيث أكد القرار على أن دعوى الحيازة تُعتبر دعوى تحمي الحائز على العقار، سواء كان هذا الحائز مالكاً للعقار أو غير مالك، مؤكداً على أن الداعي في دعوى الحيازة لا يلزمه إثبات ملكيته للعقار المشمول بالدعوى، بل يكفي أن يثبت حيازته الفعلية عليه.
إذن، يُعتبر هذا القرار تأكيداً على مبدأ أساسي في القانون، وهو حماية حقوق الأفراد في الحيازة دون الحاجة إلى إثبات ملكيتهم، ويُظهر هذا القرار التوافق مع الأصول القانونية والشرعية، حيث يؤكد على مبدأ العدالة والمساواة في التعامل مع الأطراف في النزاعات العقارية.
على سبيل المثال، فيما يتعلق بماهية حيازة العقار في القانون المدني اليمني، فإنه يتم استخدام مصطلح “الحيازة” بالإضافة إلى مصطلح “الثبوت”، وفقاً للباب الأول من القسم السادس من القانون، وتُعرف الحيازة في القانون المدني اليمني بأنها “استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه”، وفقاً للمادة (1103) من القانون.
وبالإضافة إلى ذلك، تتنوع أنواع الحيازة في القانون المدني اليمني إلى نوعين رئيسيين: الحيازة ملك والحيازة انتفاع، في النوع الأول، أي الحيازة ملك، يتم ذلك عن طريق وضع الشخص يده على العقار الذي يمتلكه، حيث يتصرف الحائز بالعقار بنفس الطريقة التي يتصرف بها المالك، ويظهر في حيازته للعقار كمالك له حتى لو لم يبين سبب ملكيته وفقاً للمادة (1103) من القانون المدني، أما النوع الثاني من الحيازة، أي الحيازة انتفاع، فتتم عن طريق وضع الشخص يده على العقار بغرض استفادته منه وليس تملكه كما يحدث في حالة المستأجر للعقار، وفي هذا النوع من الحيازة، يكون العقار مملوكاً لشخص آخر غير الحائز للعقار، وبالتالي يكون للحائز حق الانتفاع بالعقار بصفة مؤقتة وفقاً للمادة (1103) من القانون المدني.
ومن وجهة نظر قانونية عامة، يتضح من خلال هذه الأحكام في القانون المدني اليمني أن النظام القانوني يهتم بتحديد طبيعة الحيازة وفقاً للغرض منها، سواء كانت حيازة ملكية تُعبر عن ملكية فعلية أو حيازة انتفاعية تُعبر عن حق استفادة مؤقتة من العقار.
وفيما يتعلق بالحماية القانونية للحيازة بنوعيها، أي حيازة الملك وحيازة الانتفاع، يُلاحظ أن القانون المدني اليمني يعتمد على تقسيم الحيازة إلى نوعين رئيسيين: الحيازة ملك والحيازة انتفاع، وقد يُؤكد القضاء على أن دعاوى الحيازة تُقام لحماية حق الحيازة بمختلف أشكالها.
فعلى سبيل المثال، يُنظر إلى دعاوى الحيازة على أنها وسيلة لحماية الحيازة نفسها بغض النظر عن ملكية العقار المحل الحيازة، وهذا يعني أنه لا يُفتح مجال لمناقشة مسألة ملكية العقار في دعاوى الحيازة نفسها، إذ يُعتبر ذلك موضوعاً يُطرح في الدعاوى الموضوعية التي تناقش مسألة الملكية بشكل مباشر، بالتالي، ما يُطلب في دعاوى الحيازة هو أن يثبت الحائز الفعلي حقيقة حيازته للعقار بمظاهرها المختلفة، مثل زراعته أو حفرها أو إصلاحها أو البناء عليها أو تسويرها أو الحفر على جوانبها لتمييزها عن الأراضي المجاورة.
وفي حال تعرض الحيازة للانتهاك، يحق للحائز أن يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة، سواء كان ذلك من خلال دعوى استرداد الحيازة لاستعادة حقه في الحيازة إذا فقدت أو نُزعت عنه بالقوة أو بالسر، أو من خلال دعوى منع التعرض أو إعادة الحال إلى ما كانت عليه وإزالة أي اعتداء على العقار.
بالتالي، إن دعاوى الحيازة تعتبر جزءًا لا يتجزأ من القضاء المستعجل، والذي يهدف من خلالها المدعي الحائز إلى الحصول على حكم مؤقت يدعم حقوقه بشكل مؤقت أو تحفظي دون المساس بأصل الحق، ويتم تنظيم هذه الدعاوى وفقاً لأحكام المواد (238 و 239 و 240) من قانون المرافعات.
وجدير بالذكر أن الأحكام والتدابير الوقتية التي تصدر في دعاوى الحيازة لا تمس أصل الحق، بما يتفق مع ما جاء في قانون المرافعات، ونظراً لأن القانون المدني قد نظم حيازة الانتفاع المخصصة للحائز الفعلي المستفيد من العقار، فإنه يحق لهذا الحائز الفعلي للعقار أن يقدم دعاوى الحيازة سواء لاسترداد حقه في الحيازة أو للدفاع عنها وحمايتها، وذلك وفقاً لأحكام القانون.
ويعكس هذا الترتيب القانوني دعم النظام القانوني لحقوق الأفراد في الحيازة، حيث يوفر لهم الوسائل القانونية للدفاع عن حقوقهم في العقارات وحمايتها من أي تعديات أو مخاطر قد تواجهها، وبالتالي، تُعتبر دعاوى الحيازة أداة قانونية فعالة تعزز الاستقرار القانوني والملكية الخاصة للأفراد في المجتمع.
باختصار، يُظهر تنظيم القانون لدعاوى الحيازة الدور الحيوي للنظام القانوني في حماية حقوق الأفراد في العقارات وتعزيز الاستقرار القانوني في المجتمع، من خلال منح الأفراد الوسائل القانونية للدفاع عن حقوقهم في الحيازة وحمايتها، يساهم القانون في تعزيز العدالة والنظام في المجتمع.
ومن جانبها، فإن الشريعة الإسلامية تولي أهمية كبيرة لحفظ حقوق الملكية والحيازة، حيث تعتبرها من الحقوق الأساسية التي يجب حمايتها. وتتعامل الشريعة مع هذه المسألة بشكل شامل وشافٍ، مع التأكيد على مبادئ العدالة والمساواة في التعامل مع الأفراد فيما يتعلق بحقوقهم في العقارات والحيازة، وبهذا، يُبرز دور القانون والشريعة معًا في إرساء أسس قوية لحماية الحقوق والممتلكات، وتعزيز الاستقرار والعدالة في المجتمعات.
عبدالعزيز بن بدر القطان / مستشار قانوني – الكويت.