لا أعلم ماذا ينتظر العرب بعد (6) أشْهُر من العدوان الصهيوني البربري الهمجي على أهْلِنا في قِطاع غزَّة؟ لماذا هذا التخاذل والانهزام أمام مُجرِم لَمْ تردعْه القوانين والأعراف الإنسانيَّة والدوليَّة؟ هذا المُجرِم الجبان الَّذي يستأسد على الأطفال والنِّساء والعجَزة من المَدَنيِّين العُزَّل ويرتكب في قِطاع غزَّة من المآسي والفظائع الوحشيَّة ما لَمْ يسبقْ في التَّاريخ الحديث، وحصار خانق من البحر والبَرِّ والجوِّ، وعمليَّات إعدام لأشخاص مكتوفي الأيدي وسحقٍ تحت جنازير الدبَّابات والجرَّافات، وحرقٍ وتدمير شامل آخر شواهدها ما جرى في مستشفى الشِّفاء؟! ألَا يستحي النِّظام الرَّسمي العربي المسؤول عن حماية الشعوب العربيَّة ومناصرة الأشقَّاء وهو يشاهد هذا الطُّغيان والانتهاكات بحقِّ شَعبٍ عربي شقيق؟! هذا الطُّغيان والفجور الصهيوني دُونَ أيِّ رادع ودُونَ محاولة أيِّ حراك يزيل عن هذه الأُمَّة غبار الذُّل والهوان؟! ما هذا الخذلان والاستهانة بهذه الأُمَّة العظيمة؟! ألَمْ يأنِ لِهذِه الأُمَّة التَّعبير عن نَفْسها في ظلِّ هذا الصَّلف والاستهتار والتَّمادي الصهيوني، وارتكاب هذه المجازر والإبادة الجماعيَّة المتكرِّرة كُلَّ يوم منذُ (180) يومًا. ألَمْ يستفِقِ النِّظام الرَّسمي العربي؟ ماذا ينتظر هذا التجمُّع الدولي الَّذي ينضوي تحت جامعة الدوَل العربيَّة؟! هل ينتظر أن تُبادَ غزَّة وفلسطين بالكامل ويُدمَّر المسجد الأقصى؟ ألَا مِن غيرة إسلاميَّة تستنفر الدَّم العربي واأسفاه… «بالله سل خلف بحر الروم عن عرب بالأمس كانوا هنا واليوم قَدْ تاهوا».
نعْلَم يقينًا أنَّ هذا النِّظام العربي لَمْ يصلْ إلى هذا الوضعِ من التَّخاذل والهوان إلَّا بعد سلسلةٍ من التَّنازلات بدأت منذُ عام 1978م، وهي مستمرَّة حتَّى اليوم، ولكن أن يصلَ الأمْرُ إلى هذا الخنوع وإلى هذا الحدِّ من الاستفراد الصهيوني بشَعبٍ أعْزَلَ والأُمَّة تُتابع هذا الذُّل والهوان، فهذا ما لا يُمكِن تحمُّله. كُنَّا نطالب النِّظام الرَّسمي في الشَّهر الأوَّل من العدوان باستخدام أوراق القوَّة المُتاحة السِّياسيَّة والاقتصاديَّة من سحبِ سفراء وطردِ سفراء الكيان المُجرِم، وإلغاء أو تجميد اتفاقيَّات الذُّل والعار الَّتي وفَّرت الحماية والحصانة للكيان المُجرِم، وحظرٍ نفطي شَبيهٍ بحظر عام 1973م وحظر الغاز عن الدوَل الدَّاعمة للعدوان، وتشكيلِ لجنةٍ عربيَّة للتواصُل مع دوَل العالَم وصولًا إلى التَّهديد بفتح الحدود للمتطوِّعين العرب ومَن يرغب من الشعوب الإسلاميَّة وشعوب العالَم الحُرَّة. لكن ـ للأسف ـ اتَّضح أنَّ هناك تنسيقًا مع العدوِّ الصهيوني بعضه معلَن وبعضه مخفي، ووجدنا جسورًا غذائيَّة داعمة لِلكيانِ الصهيوني، ووجدنا تراخيًا في اعتماد موقف عربي جماعي، ووجدنا أغلب النُّظم العربيَّة لا تكترث بما يحدُث للأشقَّاء في قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة في وقتٍ كان العالَم يغلِي وشعوبه تملأ الشوارع بمَسيرات ناقمة ومناوئة لِلعدوانِ الصهيوني، فإلى أين يُريد أن يصلَ بنا هذا النِّظام العربي ونحن نشاهد أشقَّاءنا في الدَّم والعروبة والدِّين يُقطَّعون أشلاء بمختلف أنواع الأسلحة والذَّخائر؟ هل يعتقد هذا النِّظام أنَّه يَسير في المسار الصَّحيح أو أنَّه في منأى عن المخاطر؟!
ما يحزُّ في النَّفْس هو غياب التَّنسيق العربي وغياب إرادة المواجهة وغياب الثِّقة بَيْنَ العرب، وهناك دوَل محوريَّة كان يعوَّل عَلَيْها لَمْ نسمعْ لهَا صوتًا، ولَمْ تسمحْ حتَّى بالوقَفات الدَّاعمة لِمناصرَةِ الأشقَّاء في فلسطين، فهل وصلَ بنا الحال إلى هذا المستوى من الذُّل والهوان؟!! فطالَما هذه الأمانة المُلقاة على عاتق النِّظام الرَّسمي العربي، وللأسف تخلَّى عن مسؤوليَّاته وأغلب الأنظمة في حالة صَمْتٍ وخذلان وتجاهلٍ للواجب العروبي والقومي والإنساني، فعلى ماذا نعوِّل مستقبلًا لَو استُبيحت كُلُّ البلاد العربيَّة؟ لماذا نتخلَّى عن واجباتنا العروبيَّة المصيريَّة؟ فوالله أنَّ الصَّهاينة أوهن من بيت العنكبوت ولَو لَمْ يكُنْ هذا الكيان المارق بهذا الضَّعف لَما حدَّث اجتياحه يوم السَّابع من أكتوبر، ولَو لَمْ يكُنْ هذا الكيان هزيلًا لَما استمرَّ (6) أشْهُر وهو عاجز عن تصفية المقاومة، وعاجز عن استرداد أسراه، وعاجز عن وقف الكمائن والصواريخ، وعاجز عن هزيمة فصائل المقاومة في القسَّام والجهاد وبقيَّة الفصائل رغم الحصار الشَّديد والدَّعم غير المحدود من قِبل داعم الإرهاب الصهيوني الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة ومَن يقف في فلكها؟!
أين هذه الأُمَّة الَّتي عجزت أمام هذا الحصار المفروض عَلَيْها؟ أين هذه الأُمَّة عن المطالبة بإسقاط اتفاقيَّات الذُّل والهَوان الحامية لحدود الكيان مع خالص التحيَّة والتَّقدير نبعثها للأشقَّاء في الأردن للمَسيرة الكبرى الَّتي لَمْ تخفت حتَّى الآن، في تجاوب وجداني عظيم مع الأشقَّاء في فلسطين؟ أين بقيَّة أبناء الأُمَّة العربيَّة، فنحن هنا لا نعوِّل على دوَل الشَّرق والغرب؛ لأنَّ الجِراح عربيَّة والدَّم المسفوح عربيًّا والآلام كُلَّها عربيَّة في فلسطين، ألَا وقَدْ بلغ السَّيل الزبى! أين نحن من شواهد التَّاريخ العربي نماذج العزَّة والكرامة؟! ما يقتلنا ألفَ مرَّة هو غياب إرادة المواجهة، وعدم القدرة على رفع الضَّيم والظلم عن الأشقَّاء في غزَّة، وتركهم يُقتَلون ويجوَّعون وتُمزَّق أجساد أطفالهم ونسائهم بالقذائف والقنابل. ألَمْ يبقَ في هذه الأُمَّة كرامة؟! هل بقِيَ هناك نظام رسمي عربي نعوِّل عَلَيْه بحماية الشعوب؟! ما حدث في قِطاع غزَّة من مجازر وإبادة جماعيَّة بلغت (33) ألفًا من الشُّهداء وبضعة آلاف من المفقودين وأكثر من (75) ألفَ مُصاب، وشهداء بسبب سياسة التَّجويع واستهداف المستشفيات ومشاهد تقشعرُّ لهَا الأبدان وصلَ الأمْرُ بالكيان الصهيوني المارق إلى التوغُّل أكثر في ولوغ دماء الأبرياء من المَدَنيِّين العُزَّل وفِرق الإغاثة الدوليَّة آخرها ما حدَث من استهدافٍ لِفريقِ المطبخ العالَمي وهذا يحدُث ـ للأسف ـ بعد قرار مجلس الأمن (2728) المطالِب بوقْفِ إطلاق النَّار؟! وما زالت التَّهديدات مستمرَّة لاجتياح رفح الَّتي تأوي أكثر من مليون ونصف المليون مواطن غزَّاوي وذلك مع رفع سياسة التَّهجير القسري الَّذي فشل في تحقيقه هذا الاحتلال الفاشي بعد مُضي (6) أشْهُر من العدوان والدَّمار الشَّامل، ألَا لعنةُ الله على الصَّهاينة المُجرِمين الَّذين لا يتناهَون عن منكرٍ فعلوه لِبئسَ ما كانوا يفعلون. اللَّهُمَّ يا فارج الهَمِّ يا كاشفَ الغَمِّ اكشف عن أهْلِنا في غزَّة وعموم فلسطين هذه المأساة، فليس لَهُم ناصر ولا مُعين ولا ظهير سواك يا ربَّ العالَمين، اللَّهُمَّ أرِنَا في الصَّهاينة المُجرِمين ومَن شايعَهُم وناصَرَهم أرِنَا فيهم عجائب قدرتِكَ، وافعلْ بِهم كما فعلتَ بثمود وعاد وفرعون ذي الأوتاد، اللَّهُمَّ اشْفِ غليل قلوبنا من الصَّهاينة المُجرِمين الَّذين انتهكوا حرمات عبادك، اللَّهُمَّ وقَدْ أكثروا في الأرض الفساد فشرِّدْ بِهم ومزِّقْهم واجعل الدَّائرة عَلَيْهم، اللَّهُمَّ قَدْ ضاقَ بأهِلنا في غزَّة السَّبيل، واستفردَ بِهم العدوُّ ولا سبيل إلَّا بنصرك وتأييدك وأنتَ الله الحكَم العدْل العظيم الجبَّار المنتقِم ترى حالَهم يا الله فارفع عَنْهم البأساء والضرَّاء، وانتقِم لَهُم من عدوِّهم يا ربَّ العالَمين، وآخر دعوانا الحمد لله ربّ العالَمين .
خميس بن عبيد القطيطي
صحيفة الثورة سوريا