كنت نائما ضحوة يوم صيفي بعد اختبارات الثالث الثانوي النهائية سنة 1998م غير مبال بشيء من الدنيا ولا راسم حلما في رأسي لما بعد الثانوية العامة فلم يكن جيلنا يسمع عن الأهداف والخطط وكيفية تحقيقها وانما كان قصارى الواحد أن يجتهد فيأتي بأعلى نسبة ممكنة ثم تفتح أمامه الأبواب بقدر ارتفاع نسبته ليدخل منها نحو تخصص يؤمن له وظيفة يحقق من خلالها أحلامه بالمسكن والمأكل والزواج والمكانة الاجتماعية ولم يوقظني من نومة الضحى اللذيذة تلك الا البشير بأنني حصلت على نسبة 95٪ فاحترت أكثر مما فرحت فماذا أفعل بهذه النسبة التي تفتح أغلب إن لم يكن كل التخصصات المتاحة حينها فحيرتها كحيرة من يقدم له بوفيه بأطايب الطعام المشتهى فتنسد نفسه وتكع الأكل بجملته،لقد كنت أحب دارسة اللغة العربية وأعشق علومها وأرغب في التبحر فيها ولكن كيف لي أن أفرط في هذه النسبة الكبيرة بمقاييس تلكم الأيام وأخيب فرحة العائلة وأصدم المجتمع المحيط بي والذي يسبب لك ضغطا نفسيا يجعلك مقيدا باختيارهم لا اختيارك ولطالما رسمت الناس للمرء طريقا لم يرده وشكلت له مستقبله الذي لم يرغب فيه وجعلته رهين إكراهاتها ولم نتعلم في ميعة الصبا تلك أن على المرء أن يحارب من أجل رغباته وأن عليه أن يصنع مستقبله بنفسه رضي من رضي وسخط من سخط فكان ان اخترت تخصص الهندسة بجامعة السلطان قابوس على كره مني رغبة في أن يكون التخصص على قدر النسبة لا حبا في التخصص ولا ميلا إليه وزاد الطين بلة أنه في تلكم السنة قررت إدارة الجامعة أن لا توفر للطلاب الجامعيين سكنا بل تعطيهم مبلغا من المال وليدبر الطالب بعد ذلك أمر سكنه وأكله ونقله فتعذبنا في الأكل وتبهدلنا في النقل وتعبنا في طلب السكن فزاد كرهي للدراسة بالجامعة واجتمعت كراهة التخصص مع عدم توفير السكن الجامعي فكانت ظلمات بعضها فوق بعض، درست بالجامعة ثلاثة فصول وبينما كنت جالسا بمكتبة مسجد الجامعة إذا بصاحبي خلف السليماني يهمس في أذني بحديث غير مجرى حياتي بكاملها ورسم لي طريقا حفت أقدام سالكيها بالمكارة.
حمد بن مبارك الرشيدي
(يتبع)