حوار / نيوز
بعد التهديد والوعيد والترقّب و الانتظار ،ردّت ايران ،ليلة امس ٢٠٢٤/٤/١٣ ، بهجوم مُسّير و صاروخي على مواقع عسكرية في إسرائيل . صاحبَ الهجوم تصريح دبلوماسي للبعثة الإيرانية في الامم المتحدة وتضمّنَ توضيحيّن : انَّ الردّ الايراني هو دفاع عن النفس ووفقاً للمادة 51 من ميثاق الامم المتحدة ، وهو ردّ على اعتداء اسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريّة ، والتوضيح هو إعلان انتهاء المهمة ، واستعداد ايران لتكرار الهجوم وبسلاح أقوى إذا ما قامت إسرائيل بالاعتداء .
كان النزال إيرانياً إسرائيلياً ،واكتفى حلفاء الطرفيّن بدعم محدود . حلفاء ايرن أعانوها برشقات صاروخية استهدفت الجليل والجولان وقربهما ،وحلفاء اسرائيل حموها بقببهم الحديدية وبطيران لإسقاط الصواريخ .
هي الجولة الاولى من المعركة ،او ربما هي المعركة إنْ ردّت إسرائيل .وهي محدودة جداً بنتائجها العسكرية ،ولكنها غير ذلك بأبعادها السياسية. لم تتضررْ كثيراً إسرائيل ، و أعلنت بانها أسقطت 99% من الصواريخ التي استهدفتها وبمساعدة امريكا و بريطانيا والمملكة الأردنية ،وقد استبقت المملكة الأردنية الحدث وتفادي الحرج ، و أعلنت رسمياً غلق مجالها الجوي وعدم السماح بمرور عسكري عبر أجوائها ، ويُفهم من هذا التصريح تصديها لأيّ طيران او صواريخ عابرة لسمائها من هذا الطرف او من ذاك .
واعتقد أن من مصلحة إسرائيل التقليل مما اصابها من أضرار ، كي تبرّر عدم الردّ والحيلولة دون التصعيد وكسب رضا امريكا ،التي تتفادى التصعيد ،ولذلك سارعت الادارة الأمريكية ،عند بدء الهجوم ، بالطلب من إسرائيل التشاور معها ان عزمت الردّ على الهجوم الإيراني .
لا تريد الأطراف المتحاربة الذهاب ابعد من ذلك ، ولكن هل الغطرسة الاسرائيلية ستسمح لإسرائيل بالقبول والسكوت عما حصلْ؟
هنا يأتي الدور الأمريكي لاقناع إسرائيل بعدم الردّ ،وقد ابلغ فعلاً وزير خارجية امريكا نتنياهو بأنَّ امريكا لن تشارك بأي عمل ستقوم به إسرائيل ، مع الاخذ بعين الاعتبار ما جبلت عليه الادارة الأمريكية من كذبٍ ونفاق في العلاقات الدولية ، و خاصة في ما يتعلق بمصالح إسرائيل .
اعتقدُ أن الرابح الاول من هذه المنازلة ، هم شعوب ودول المنطقة ،حيث تحرّروا من القلق والتوتر و خطر نشوب حرب اقليمية ،والتي ربما تقود إلى حرب عالمية ، ونتمنى ان يعي المجتمع الدولى والقوى العظمى ( بالسلاح وليس بالاخلاق ) بمسؤوليتهم عما يواجهه الشعب الفلسطيني في غزّة وفي الضفة الغربية من قتل وتجويع وتشريد وتدمير، وضرورة تطبيق القرارات الدولية لإنصاف الشعب الفلسطيني و ردع اسرائيل،نواة وبؤرة عدم استقرار و حروب و دمار .
وردَ تصريح لنتنياهو ،عقب اجتماعه المصغّر مع اركان حربه ،قال فيه: ” الآن نمتلكُ الشرعية الدولية ” بمهاجمة ايران . كان اذاً ينتظرُ هذه المناسبة ، وهو لم يتوقف ومنذ مدة عن البحث عن مناسبة او عذر لمهاجمة المنشآت النووية في ايران . الآن جاءت الفرصة ،فهل هو قادر على تنفيذ ما كان يهدد و يتوّعد به ؟
الآن ،كرة السلاح النووي عند نتنياهو وهو في وضع مُحرج : إنْ احتفظ بها دون رميها على عدوه ( ايران ) فسوف تتعزّز صفة الكذّاب والجبان لدى الرأي العام الإسرائيلي والدولي ،و إنْ سارعَ في قذفها ، ستتدحرج الكُرة وسيكون ملعبها اكبر بكثير مما يتصوره نتنياهو .
خسرت إسرائيل معادلة التكافؤ الاستراتيجي بينها وبين ايران ، وكلاهما ( الكيان المحتل والجمهورية الإسلامية الإيرانية ) دخلا في حالة حرب ، وهي اوسع من حالة العداء ، وربما ستكتفي إسرائيل ببيان يتعهد بالرد على العدوان الإيراني فيالوقت والمكان المناسبين ،كما خسرت ،من قبل معادلة ” توازن الرعب ” بينها وبين حركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن و العراق .
كان الردّ الإيراني مدروساً من الناحية السياسيّة ، وقبيل واثناء الهجوم تبنّت إيران تصريحات ،وهي بمثابة رسالة إلى أمريكا ،مفادها ان المعركة هي بين إيران والكيان المحتل ،وننصح امريكا بالابتعاد ،كما طمأنت الدول المجاورة لها والتي تحتضن قواعد أمريكية ،بأنها هي والقواعد في مأمن طالما لم تشارك في دعم اسرائيل او الاعتداء على الأراضي الإيرانية و انطلاقاً من القواعد الأمريكية المتواجدة على اراضي تلك الدول .
اعادة فتح المجال الجوي لإسرائيل ولكافة الدول في المنطقة هو مؤشر على غياب ردّ إسرائيلي .
هل استخدمت ايران افضل ما تملكه من سلاح ، وافضل ما لديها من قدرات مناورة وخداع ؟
للسؤال اهمية استراتيجية ، وخاصة لإسرائيل ،والتي حسبما تدعي بانها أسقطت 99% من الصواريخ ، الأمر الذي يدفع إسرائيل للتهوّر والمغامرة وعدم التردّد باستهداف إيران مباشرة ، طالما سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني نجحَ باسقاط 99% من الصواريخ التي اطلقتها ايران .
د. جواد الهنداوي- سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٤/٤/١٤ .