سجَّل تاريخ ليلة الـ(14) من أبريل إحدى أهمِّ الضربات العسكرية التي تعرَّض لها كيان الاحتلال الصهيوني من حيث الأهمية الاستراتيجية باستهداف هذا الكيان المحتل عسكريًّا. وتأتي هذه الضربة لِتسجلَ ثالث ضربة موجعة بعد حرب السادس من أكتوبر 1973م في معركة العبور العظيمة، وبعد السابع من أكتوبر 2023م في معركة طوفان الأقصى. ولا شكَّ أنَّ هذا الهجوم الجوِّي الذي حدَث عَبْرَ مئات الطائرات المسيَّرة والصواريخ البالستية تجاوز الـ(300) بين مسيَّرات وصواريخ بالستية عابرة جاء ردًّا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان وعدد من المستشارين والقادة العسكريين، وقد سجَّلت العملية ردود أفعال ومواقف مختلفة.
من أبرز الرسائل والدلالات السياسية للضربة الإيرانية أكدت أنَّ الكيان الصهيوني ليس بمعزل عن الاستهداف من قِبل الدوَل المحيطة وبالذَّات دوَل المقاومة، وأنَّ أيَّ اعتداء صهيوني سوف يقابله مستقبلًا ضربات متعدِّدة الجبهات، وهو ما جعل الولايات المتحدة تسارع بالضغط على تل أبيب بعدم الردِّ لِمَنعِ حدوث اتِّساع المواجهة مع دوَل وأطراف متعدِّدة قد تشعل حربًا عالمية ممَّا يؤكد أنَّ العالم فعلًا على صفيح ساخن، وأنَّ غبار المعارك في أيِّ بقعة بالعالم لها تبعات خطيرة على الأمْن والسِّلم الدوليين عمومًا .
من الرسائل التي سجَّلتها الضربة الإيرانية هشاشة البيت الصهيوني، وأنَّ ضربة واحدة مع ما سبقها من سيناريو وتحذيرات وفقدان المفاجأة فيها مع استخدام إيران لأجيالٍ متوسطة من الطائرات المسيَّرة والصواريخ البالستية أحدثت مِثل هذه المواجهة والذُّعر بين دوَل الغرب التي تصدَّت لها بتحالف دفاعي جوِّي ممثلًا في أميركا وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى (إسرائيل) وهي غالبًا الدوَل المشاركة في العدوان على غزَّة ولها سوابق تاريخية منذ 48م، و56م، و67م وقد نذرت نَفْسَها لحماية كيان الاحتلال والحفاظ على أمْنه ولكن إلى متى ستتوفَّر هذه الحماية الغربية، فإذا كانت هذه الضربة انبرت لها هذه الدوَل للتصدِّي لها فما بالك لو حدثت مواجهة متعدِّدة الجبهات بقدرات صاروخية فرط صوتية وبشكلٍ مباغت على كيان الاحتلال مستقبلًا؟!
أبواق الغرب ارتفعت بإدانة الضربة الإيرانية، في حين صمَتَت وخرسَتْ كُلُّ المنابر الغربية جرَّاء العدوان الصهيوني على قِطاع غزَّة والذي أكمل (190) يومًا في انتهاك صارخ لكُلِّ القِيَم والأخلاق والأعراف الإنسانية والدولية، وهذا الموقف الغربي يتكرر دائمًا في دعمه للظلم والعدوان الصهيوني وليس بجديد، بل كان مشاركًا في العدوان على غزَّة بدعم الكيان الصهيوني سياسيًّا وعسكريًّا، وهذا الموقف المزدوج الذي يمارسه الغرب في العلاقات الدولية أدَّى غالبًا إلى إحداث خلَل في السِّلم والأمْن الدوليين، وهو ما سيعود عليه لاحقًا وعلى العالم برُمَّته .
الردُّ الإيراني للدِّفاع عن سيادة أراضيه والذَّود عن مصالحه يُعَدُّ حقًّا مشروعًا كفَلَه القانون الدولي، ووجَّه درسًا لِلكيانِ الصهيوني وداعميه على أن يستعدَّ الكيان لِتلقِّي الضربة في حال الاعتداء على الدوَل المجاورة، وأنَّ أيَّ حماقة يقوم بها كيان الاحتلال سيكونُ معرَّضًا لِتَوسيعِ دائرة المواجهة، وأنَّ الثَّمَن الذي سيدفعه سيكونُ كبيرًا، وسوف يعرِّض المنطقة عمومًا إلى مزيدٍ من التوترات ولا يستبعد نشوب حرب عالمية بسبب ممارسات هذا الكيان المجرم.
خميس بن عبيد القطيطي