وفقني الله عز وجل إلى حضور المحاضرة القيمة التي ألقاها مساء اليوم الجمعة ١٠ شوال ١٤٤٥ الموافق ١٩ إبريل ٢٠٢٤ المهندس صالح بن عيسى العبري في جامع بهلا الذي بدأ ينشر إشعاعه الروحي، ويستعيد بريقه العلمي بعدإعادة بناءه بالجهود الأهلية المخلصة..
تناول المحاضر الذي يعد أحد القامات المؤثرة في الجوانب الاقتصادية والثقافية على مستوى السلطنة، وله حضور واسع في القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو مؤلف كتاب العمر المالي للإنسان الذي يقدم خارطة طريق للمتلقي خاصة فئة الشباب ..
تناول المحاضر من خلالها فلسفة الوقف في الإسلام من منظور اقتصادي، وهذه المحاضرة هي الخامسة ضمن سلسلة محاضراته التي ألقاها في شهر رمضان المنصرم في جوامع مختلفة من ولايات السلطنة، وكلها تتصل بفلسفة الاقتصاد والمال والثروة في الإسلام..
وقد استطاع المحاضر أن يسافر بالحضَور إلى آفاق قصيّة في المنهجية الوقفية التي اعتمد عليها المجتمع العماني على امتداد حقبه الزمنية، وفي الشدة والرخاء ، وكانت الوقوفات هي القوة الضاربة التي تنفق بسخاء على المنافع الحياتية الموقوفة لها كالمساجد ومدارس وطلبة العلم والمقابر بما تتطلبه من حفر القبور والأكفان وغيرها الكثير من الوقوفات التي تجاوزت الاحتياج المحلي، فأوجدت وقوفات تعنى بإطعام طيور الحمام في الحرمين المكي والمدني، فيا لعظمة أحاسيس تلك النفوس النقية وروعتها..
ولذلك عاش المسلمون على وجه العموم والمجتمع العماني بخاصة حياة كريمة تحت كنف المظلة الوقفية التي استظلوا بظلالها الوارف على امتداد مراحل حياتهم التي لم يكن للبنوك وشركات التمويل يومها أي ذكر أو وجود ..
وعرّج المحاضر إلى العديد من المآثر الوقفية للسلف الصالح الذي ضرب أروع الأمثلة في إيثار الآخرة على حطام الدنيا من خلال توقيف أغلى وأحب ممتلكاتهم ألى نفوسهم ابتغاءً للأجر الذي سيستمر حتى قيام الساعة، كما تحدث عن حكمة الشيخ العادل أبي زيد عبدالله بن محمد الريامي المولود في قرية العين بولاية إزكي ، وعاش في الفترة ( ١٨٨٤ – ١٩٤٥) في عهد الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي، الذي عينه والياً على ولاية بهلا، وكان مدرسة جامعة في فنِّ إدارة الأمور الاقتصادية وبالأخص الأموال الوقفية .
واختتمت المحاضرة بالتأكيد على أهمية المحافظة على أصول رأس مال الوقف وعدم التفريط فيها، والاستمرار في تثمير عوائدها الاقتصادية واستغلالها في تحقيق الأهداف الموقوفة لها..
وعلى الجهة المسؤولة عنها مداومة البحث عن آليات لتطويرها، وتنمية مهارات القائمين عليها من الأمناء والوكلاء، بغية تحقيق منظومة وقفية مستدامة يعم خيرها سائر مناحي الحياة، وصولاً إلى الإسهام الفاعل في تقليل الاعتماد على النظم الاقتصادية الرأسمالية المستوردة التي استعبدت البشر، وأهلكت الحرث والنسل ومحقت البركة وأحلتنا دار البوار، فما أحوجنا في هذا الزمان إلى وجود استثمارات وقفية تقرض الشباب المقبل على الزواج، أو الراغب في بناء منزل لأسرته، وتعين من يرغب في تأسيس مشروع يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة، ولعل الحاجة داعية وبإلحاح إلى تخصيص هيئة مستقلة لإدارة وتطوير المنظومة الوقفية، ولله عاقبة الأمور.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي