لأول مرة، يواجه الكيان الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين الحبيبة، غضب الرأي العام العالمي، فقد ملأ المتظاهرون والمحتجون الساحات حول العالم، دعماً لفلسطين ولقطاع غزة، يهتفون بملء الحناجر ضد ممارسات هذا الكيان المجرم والمارق، ما رفع منسوب القلق لدى حكومة هذا الكيان المجرم، ولأول مرة لم يعد التعتيم مفيداً لهم، لقد رأى وشاهد العالم أجمع بأم العين كيف يقتل الكيان المجرم الأبرياء من النساء والأطفال، وراوا كيف تدمر آلة الحرب الصهيونية المنازل والمساجد والكنائس والمشافي والمدارس دون أدنى وازع أخلاقي، هل هي الصحوة؟
نعم لقد استيقظ الغرب لكن ليس الغرب من ذاك الجيل الداعم للكيان الصهيوني الذي نعرفه، اليوم هناك شريحة شباب واسع لم تعد تنطلي عليه أكاذيب حكوماته أو ادعاءات الكيان الصهيوني، لقد استيقظ هذا الجيل على حقائق تم حجبها عنه ومنع من رؤيتها طويلاً، لذلك نجد اليوم أن هذا الحراك الثائر وصل إلى الطلاب وأين داخل كبرى الجامعات الأمريكية، فلا يصدق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ما يراه أو يسمع به، ليخرج ويقول إن ما يحدث ليس إلا “معاداة للسامية”، داعياً إلى وقفه فوراً، لكن هذا الحراك لا ينفكُّ يكبر يومياً بالرغم من محاولات قمعه، فكانت انطلاقة الشرارة من جامعة كولومبيا في نيويورك الأمريكية.
وهذه الاحتجاجات ليست الأولى من نوعها، فإذا ما عدنا بالزمان إلى الوراء، نستذكر مباشرةً ذكرى الاحتجاجات الطلابية المناهضة لحرب فيتنام عام 1968، وفي ظل الاحتجاجات الحالية في الجامعات الأميركية على حرب غزة، خاصة مع استدعاء الشرطة لتفريق المعتصمين في كلتا الحالتين، فإن الوضعين متشابهين رغم الاختلاف الزمني بينهما، فمن خلال التركيز على سرد أحداث عام 1968، فإن تشابه الظروف يأخذنا إلى المقارنة بين جيلين غاضبين من الحرب في ظروف سياسية متشابهة، قبيل انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي، وفي وجه انتخابات مهمة بالنسبة للمرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن.
وهذا يعني أن هناك جيلين من الشباب في كلتا اللحظتين مستعدان للاحتجاج، أولهما أنضجته حركة الحقوق المدنية والحداد الوطني بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي والسيناتور روبرت كينيدي والقس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور، والثاني نشأ مع الحركات الاحتجاجية، مثل “احتلوا وول ستريت” و”حياة السود مهمة” وحملة باركلاند بولاية فلوريدا، وحملة السيطرة على الأسلحة الطلابية.
أما الجيل الحالي من فئة الشباب حصراً، فهو يتابع الحرب الصهيونية على غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويشعر الكثيرون منهم بالرعب مما يرونه في سابقة غير معتاد عليها حتى الحكومة الأمريكية لم تكن لتتوقع أن يصل الأمر إلى هذا الحد، ليبدأ انتشار الاحتجاجات المناهضة للحرب من حرم الجامعات التعليمية، أي أن الشريحة الغاضبة هي شريحة مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية – الدولة العظمى.
وفي هذا السياق دعا أكثر من ألف قس أسود الرئيس بايدن إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، كما كان مارتن لوثر كينغ جونيور، قد أعلن معارضته للحرب في فيتنام، قائلاً إنه “مضطر إلى رؤية الحرب كعدو للفقراء ومهاجمتها على نحو ما”.
كما يسهل ملاحظة أهمية الدور الذي لعبته الحركات الطلابية في العالم كله على مدار التاريخ، إذ كان لها إسهام حقيقي في تحريك المياه الراكدة، على الرغم من أنها قد تبدأ بمطالب بسيطة تتعلق بالتعليم أو الحياة الجامعية، إلا أنها غالباً ما تتحول إلى خطاب سياسي شامل يطالب بالتغيير في مختلف المجالات، هذه الحركات تظهر عادة عندما ينحسر دور وتأثير الأحزاب السياسية والتفاعل السياسي التقليدي، دعونا نستعرض بعض اللحظات المهمة في تاريخ الحركات الطلابية:
اعتصامات غرينسبورو 1960:
بدأت بأربعة مراهقين سود في جامعة كارولينا الشمالية، حيث رفضوا المغادرة من طاولة غداء كلية وولوورث، فقد قادت هذه الوقفات إلى تغييرات هامة في قوانين الفصل العنصري في الأماكن العامة.
الحركات الطلابية في فرنسا:
تعتبر من أقوى الحركات في العالم، حيث أثرت في سياسات البلاد والحريات والحقوق والنظام الاجتماعي والثقافي.
الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية:
لها أهمية خاصة في تاريخ الشعب الفلسطيني، فقد ساهمت في تحريك المياه الراكدة وتحقيق نتائج فعلية مؤثرة، وفي النهاية، يظل صدى الحركات الطلابية مدويًا، حتى لو انهزمت في بعض الأحيان.
أما في أوقاتنا الحالية، تظل الحركات الطلابية لها أهمية كبيرة في العالم، ومن جوانب هذه الاحتجاجات المهمة:
أولاً، النشاط البيئي وتغير المناخ: حيث يشارك الطلاب في حركات مناهضة لتغير المناخ والتي تطالب باتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على كوكب الأرض، كما تشمل هذه الحركات مظاهرات الجمعة من أجل المستقبل ومبادرة “أنا لست وحدي”.
ثانياً، المساواة وحقوق الإنسان: حيث يناضل الطلاب من أجل المساواة وحقوق الإنسان في مختلف المجالات، مثل حقوق المرأة وحقوق العمال والقضاء على العنصرية وحقوق الأقليات، كما يتظاهرون ضد التمييز والعنصرية والظلم.
ثالثاً، التعليم والرفاهية الاجتماعية: هنا يطالب الطلاب بتحسين نظام التعليم وتوفير فرص أفضل للتعليم، ويناضلون كذلك من أجل الحد من الديون الطلابية وتوفير الرعاية الصحية والإسكان والأسرة.
رابعاً، التكنولوجيا والخصوصية: هنا يتداخل الطلاب مع قضايا التكنولوجيا والخصوصية، مثل حماية بياناتهم الشخصية والتصدي للتجسس الرقمي.
خامساً، السياسة والمشاركة الاجتماعية: في هذا الأمر نجد أن الطلاب تشارك في الانتخابات ويعبرون عن آرائهم في القضايا السياسية، بالإضافة إلى ذلك، فهم ينظمون مظاهرات وندوات للتعبير عن مواقفهم.
أما فيما يتعلق بالحراك الطلابي ضد الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية فنجده يشهد تصاعداً ملحوظاً في الجامعات الأمريكية، هذه الاحتجاجات تأتي رداً بأعلى الصوت على الحرب الصهيونية الإجرامية والعبثية على قطاع غزة، وتسعى للضغط من أجل تحقيق التغيير، ومن بعض النقاط المهمة التي يسعى إليها هذا الحراك نجد، أن المطالب الرئيسية:
أولاً، وقف إطلاق النار الفوري في غزة: يعتبر هذا المطلب الأبرز.
ثانياً، سحب الاستثمارات من داخل الكيان الصهيوني، حيث أن الطلاب يطالبون بسحب الاستثمارات المالية من الشركات التي تستثمر في تل أبيب، أما بالنسبة للتظاهرات والاعتصامات، فالطلاب ينظمون تظاهرات واعتصامات في الجامعات للتعبير عن رفضهم للسياسة الصهيونية في سابقة فعلاً أربكت الحكومتين الأمريكية والصهيونية معاً، فما كان من دول الديمقراطية الحديثة إلا أن أطبقت على هؤلاء الطلبة بأن تم توقيف أكثر من 500 طالب في عدة جامعات أمريكية خلال الأسبوع الماضي.
إلا أن الرسالة المراد إيصالها، هي التأثير على الجامعات والمجتمع الأمريكي، فالحركات الطلابية تؤثر على الجامعات كأماكن للدراسة والمناقشات الحرة، خاصة وأن هناك معارضة لاستدعاء الشرطة لحل الخلافات بين الإدارة والطلاب، لكن في النهاية، يظل دور الحركات الطلابية مهمًا في تحقيق التغيير والتأثير على المجتمعات والعالم بشكل عام.
بالتالي، نعم، يمكن أن تكون الاحتجاجات الطلابية لها تأثير في الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، فعندما يتجمع الطلاب ويعبرون عن رفضهم للحرب والعنف، يمكن أن يكون لهذا تأثير على الرأي العام والقادة السياسيين، كما يمكن أن تساهم هذه الحركات في توجيه الانتباه إلى القضية وتحفيز الحوار والتغيير، ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الأمور معقدة وأن القرارات السياسية تعتمد على العديد من العواملـ لذا، يجب أن يستمر النشاط الطلابي والاحتجاجات في التأثير على الوعي العام والمجتمع الدولي لتحقيق التغيير المطلوب.
أما خشية الكيان الصهيوني بالتالي، من هذه الاحتجاجات كثيراً، فهي تأتي لعدة أسباب منها:
أولاً، الضغط الدولي: تجذب هذه الاحتجاجات الانتباه الدولي وتعزز الوعي بالقضية الفلسطينية.
ثانياً، التأثير على العلاقات الدولية: قد يؤدي التأثير العلني للطلاب إلى تغيير سياسات الدول والشركات تجاه الكيان الصهيوني.
ثالثاً، التأثير على الجامعات: تعكس هذه الاحتجاجات دور الجامعات كمنصات للتغيير والمناقشة الحرة.
رابعاً، التأثير على الرأي العام: تساهم في تشكيل الرأي العام وتحفيز الحوار حول القضية.
من هنا، إن السلاح ليس مقتصراً على الرصاص والقصف الجوي والحصار، ففي بعض الأحيان، يكون الموقف والصوت هما الأقوى، فهذه الاحتجاجات الطلابية تمثل قوة هائلة للتغيير والتأثير، وقد يكون لهذا الجيل اليوم دور كبير في وقف الحروب والتأثير على القرارات السياسية، ولنستمر في نشر الوعي والتحرك من أجل عالم أفضل، ومن أجل إنقاذ ما أمكن من غزة، فهذا الموقف واجب على الجميع ولا يأس من الاستمرار حتى تحقيق السلام لهذا الشعب الصامد والذي دفع ثمناً باهظاً، وهنا إن المقاومة الإسلامية ممثلة بحماس استطاعت قلب الطاولة على الكيان الصهيوني وداعمه الأول الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قلبت شعوبهم عليهم، وما هذا الوضع سوى البداية، لقد كُشف المستور، ولم يعد يُخفى على أحد أن مدمري العالم هما الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني المجرم.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.