كتبتُ مقالًا في وقت سابق بتاريخ ٤ يناير ٢٠٢١ تقريبًا تحت عنوان: (نحو مركز وطني للتأهيل والتدريب المهني)، ليعمل على مستوى عالٍ لتأهيل أي مواطن يرغب في العمل في أي مهنة أو وظيفة كجزء من استراتيجية وطنية تتمثل في تهيئة أبناء الوطن للعمل في كافة الميادين والمجالات، والاعتماد على الذات في كل الأعمال على اختلافها، وحتى لا نوجد أعذارًا للبعض ممن يكيلون الاتهامات للجهات المختصة بعدم تأهيلها لأبنائنا، وتطرقت إلى الخطأ الذي وقع عند تحويل الكليات المهنية لتبعية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ فهذه الوزارة منظمة للتعليم العالي، وتشرف عليه ولا تقدمه أصلًا، وتحولت عنها ومنها: الكليات التطبيقية إلى جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، فكيف نسند لها إدارة التدريب المهني.
لقد اقترحت يومها في المقال إنشاء لمعهد وطني عالي المستوى، وتكون له الفروع في المحافظات والولايات لتأهيل أبنائنا على المهن إذا كنا فعلًا جادين في هذا المسعي، وفي تأهيل أبناء الوطن ودفعهم للانخراط في سوق العمل.
فأنشأ هيئة وطنية للتدريب تتمتع بإمكانيات عالية وصلاحيات أوسع، هو أحد السبل للولوج لسوق العمل، أما ما يحدث الآن فلن يبرح مربع ذر الرماد في العيون لا أكثر ولا أقل، مع محاولات من هنا وهناك وتفتقر إجمالًا للرؤية المستقبلية والمنهجيات والآليات التنفيذية، وغيرها التي لا تفضي إلى نتيجة ولا تصب في بحيرة رؤية عُمان 2040.
فاليوم ومرة أخرى، وبعد أكثر من ثلاث سنوات نُجدد ذات المطالبة بإيجاد هيئة أو معهد أو مؤسسة وطنية تُعنى بتدريب الكوادر الوطنية كأحد الأولويات الوطنية العُليا التي يجب أن تحظى بكل الاهتمام وتسخر لها الإمكانيات اللازمة، فلا مجال للتسويف والمماطلة إزاء ضرورة وحتمية إنجاز هذا المشروع الوطني الذي سيغدو بمثابة مفتاح التطور والتقدم الذي نرغب في أن نراه فعلًا في وطننا.
إن هيئة التدريب الذي نرى أن تؤسس كهيئة مستقلة من قبل كافة الجهات ذات العلاقة، ويكون وزير العمل رئيسًا لمجلس إدارته، وبمشاركة أطراف الإنتاج على اعتبار أن هذه الجهات لها علاقة بسوق العمل ومتطلباته واحتياجاته.
ومن شأنها أن تقترح برامج نوعية التدريب التي يحتاجها سوق العمل، وأن تكون له صلاحيات واسعة في تمويل أي برامج تدريب جديدة؛ تلبية لمناشدات واحتياجات السوق أو رواد الأعمال، ويتميز بسرعة اتخاذ القرار، ومن ثم الإنجاز لتمكين الشباب العُماني من العمل، ونربط بالتالي برامج التدريب بالإحلال في المهن والوظائف بشكل ممنهج يتطلب حظر عمل الوافدين فيها في الولايات، فضلًا عن إيجاد برامج تدريب ثابتة كأرضية تمهيدية تهدف لتعزيز المهارات لدى المواطنين وتمكينهم من القيام بالأعمال البسيطة من تلقاء أنفسهم كجزء من رؤية بعيدة المدى لجعل المجتمع العُماني منتجًا وفاعلًا وقادرًا على أداء الأعمال من تلقاء ذاته؛ فضلًا عن فتح آفاق أوسع أمام الجميع للتأهيل المستمر.
إن وضع التدريب والتأهيل في الوقت الراهن لا نرى بأنه يواكب متطلبات رؤية عُمان 2040، ولا يسهم في سد الثغرات الواضحة في مجالات التدريب المختلفة التي يحتاج لها الشباب العُماني، وتمكنهم من الانخراط في سوق العمل أو الأعمال الحرة بكفاءة واقتدار، خلافًا لما هو سائد الآن، ولا نمتلك القدرة على صياغة منهاج ما إزاء كيفية التعامل مع المستجدات، هو في الواقع نظام تدريبي تقليدي جامد ليس له برامج وخطط وغير مربوط أو مرتبط تلقائيًا وإلكترونيًا ببرامج الإحلال، ثم إن الأدهى من ذلك حقيقة.. إنه في وادٍ وسوق العمل وأطراف الإنتاج في وادٍ آخر، والدليل كما أسلفنا ارتباطه بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
بالطبع برامج التدريب بدون حوكمة وإدارة وربطها بسوق العمل تبقى خسارة فادحة العواقب، والعواقب ماثلة للعيان.
نأمل أن نرى إجراءات جادة على الأرض لهيكلة قطاع التدريب بشكل جذري، وإعادة ترتيبه وضمه في مؤسسة كهيئة أو معهد فاعل وديناميكي الحركة وقادر على تأهيل الشباب العُماني، ويتميز بالمرونة والسرعة في تنفيذ البرامج الموكولة إليه.
علي بن راشد المطاعني