تعلمنا شيئاً قليلاً من مهارات صناعة المحتوى الإعلامي إبان تشرفنا بالعمل في قسم العلاقات العامة بأكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة بشرطة عمان السلطانية في أواخر سنوات العمل الوظيفي التي انتهت بالدخول في حضانة التقاعد الجميلة التي نعيش فيها اليوم في راحة وطمأنينة والحمد لله رب العالمين..
وقد كنا نعجب كثيراً للتدقيق الحاد الذي يبديه بعض القادة الذين تتلمذنا تحت مدرستهم الفاضلة، فتعلمنا منها الشيء الوافر من المهارات الإدارية والكتابية جزاهم الله عنا خير الجزاء..
وأذكر لأحدهم أنه كان يدقق كثيراً في المراسلات بدءً بالحرف والكلمة والنص وموقع الفاصلة ونقطة نهاية الجملة، وحتى وضع الدبوس على الأوراق..
وكنا نحسب له ألف حساب خاصة عندما نبدأُ في الإعداد لإصدار مجلتي صدى الأكاديمية والأمانة، الصادرتان عن أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، فقد كان يوليهما الكثير من الملاحظة والتدقيق والتمحيص الأمر الذي جعلنا نستفيد منه ونتجنب الكثير من المسائلة بعد الإصدار..
واليوم وبطغيان الإعلام المفتوح أو بما يسمى وسائل التواصل الاجتماعي أصبح بإمكان كل واحد منا أن ينشأُ له قناة أو منصة أو أي وسيلة إعلامية تمكنه من بث ما يريد سميناً يستفاد منه، أو غثاً تتلوع النفوس منه، والكل يحسب انه يحسن صنعا..
والساحة العربية عامة والعمانية بخاصة ملأى بالسمين والغث، وإننا لنفخر بالعديد من القامات العمانية الذين استطاعوا أن يقدموا مواد إعلامية فاخرة ذات محتوى إعلامي هادف وثري، فرض احترامه، وكسب ثقة وحب المتابعين له داخل السلطنة وخارجها، فلهم منا كل التحية والتقدير..
وبالمقابل امتلأت الساحة بالكثير من الباحثين عن البريق والشهرة والتلهف لزيادة عدد المتابعين، بغية تحقيق مصالح، أو طمعاً في التقرب إلى المسؤولين، أو التخطيط للوصول إلى إحدى المجالس المنتخبة، وذلك من خلال بث مقاطع هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع..
مؤخراً تابعت مقطعاً من المقاطع الكثيرة المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه صاحب المقطع وقد ملأ الشاشة بصورته الملمعة، وظهرت الشخصية المتحدث عنها وقد وضعت في إطار صغير لا تكاد تبين..
وكان ينبغي من صاحب المقطع أن يتنازل قليلاً ويختفي لحظة ولو بسيطة ليعطي تلك الشخصية فرصة الظهور بكامل ملامحها ورمزيتها المعروفة، بدل استحواذ صاحب المقطع بكامل الشاشة، وهناك الكثير من المقاطع بدون أي احترافية أو سابق معرفة بأبجديات النشر الإعلامي.
فعلى رسلكم أيها الطامحون في الوصول إلى قمة الشهرة في فترة وجيزة لا تستعجلوا واهتموا بالمضمون، وراعوا ذائقة البشر الذين تخاطبونهم، وتعلموا من ذوي الخبرة الذين سبقوكم في هذا المضمار ..
وعلى أولئك الراغبين في الترويج لأنشطتهم ومنتجاتهم انتقاء الأصلح، والتدقيق على المقطع من مختلف جوانبه سواءً من حيث المضمون وأسلوب العرض والإلقاء والإخراج قبل نشره في هذا الفضاء الواسع الذي لا يزال يوجد فيه من يُفند السمين من الهزيل، متمنين للجميع التوفيق والنجاح.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي
الخميس ٢٣ شوال ١٤٤٥هـ
الموافق ٢ مايو ٢٠٢٤م