(عمان دولة مؤسسات.. وهذا استهزاء ) بتلك العبارة كانت ردة الفعل على رأي موزون طرح في قضية تهم الجميع وكفل القانون حرية التعبير فيها .. فالكاتب والمتلقي والمعني كلهم مواطنون غيارى على هذا الوطن وفي ذات الأمر فالمسألة تستحق التأمل والتفكر فيها من كل زواياها وفي ذلك مصلحة عامة وليست شخصية وكذب في ذلك المخبرون.
النقد في اللغة العربية بمعنى اظهار تفاصيل أمر ما بمزاياه وعيوبه ويقال ناقد الموظف مديره أي ناقشه في الموضوع ونقول في لهجتنا المحلية الدارجة : هل نقدت الشي الفلاني ؟ بمعنى هل نظرت إليه بتمعن وعليه فإن النقد هو سلوك مرهون بالتجمع البشري أينما وجد في مختلف القضايا التي يشترك فيها أفراد المجتمع والنقد والانتقاد ليس مذموما في مطلقة بل هو وسيلة كأي وسيلة نستخدمها حاليا لتكون مدعاة للخير والتطوير والتحسين او أداة استهداف شخصية لا تضر إلا صاحبها.
دائما تطلب النصيحة من الآخرين عند الخوض في موضوع ما وذلك يأتي للقصور البشري في إدراك كل الجوانب ومن هنا جاءت قيمة الشورى كممارسة يحث عليها ديننا الإسلامي الحنيف في شؤون الحكم والقيادة والمجتمعات والعمل والإنتاج وغير ذلك والشورى في مضمونه هو نقد لفكرة أو موضوع ما لاتخاذ المناسب وفق نقاط القوة والضعف فيه والفرص التي تحققه والتحديات التي قد تعيقه.
النقد مرتبط بقيم حاضرة بشكل قوي في الأسر والعوائل في مجتمعاتنا المحلية وحتى على صعيد الوحدات الحكومية بمختلف مستوياتها وفي القطاع الخاص والأهلي أيضا مثل قيم حرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر وغير ذلك ممن يرتبط بفعل النقد فيربط ذلك بذاك ويصبح مفاد الأمر أن النقد هو ممارسة خاطئة والسبب هو أننا لا نقبل سماع الانتقاد لأننا نرى ذلك أمرا سياديا لذواتنا وهذا من الوهم العظيم.
هناك مغالطة كبيرة يلجأ لها البعض وهي أن النقد يكون خاصا ويستدل على ذلك بقول الإمام الشافعي : (تعمدني بنصحك في انفرادي .. وجنبني النصيحة في الجماعة … فإن النصح بين الناس نوع .. من التوبيخ لا أرضى استماعه) وذلك مهرب ذكي يرد عليه بأن مقصد ذلك يكون في خواص الإنسان أما وقد كان موضوع النقد عاما فإبداء الرأي فيه دون شخصنة يعد فعلا محمودا والناقد في رأيه لا يستهدف المنتقد فقط بل يستهدف المجتمع أيضا ليعزز وعيه المجتمعي تجاه القضية التي يطرحها لان الشأن المجتمعي والإنسان هو الهدف في المقام الأول وعليه فإن من أوجه الشراكة المجتمعية وعي المجتمع تجاه قضاياه التي يعايشها في حياته اليومية أما من تعود على أن لا يناقشه أحد في ما يقوم به فذلك أمر خاص به في بيته ومن يقوم بولايتهم وليس في شأن عام حمل أمانة القيام به .
لو نظرنا إلى واقعنا الحالي على مستوى الوحدات الحكومية مثلا نجد أن ثقافة إبداء الرأي والنقد لم تنضج بعد ويكون ذلك في إبداء رأي العميل حول الخدمات المقدمة بعد تقديمها ويكون أيضا في تشجيع الموظفين على إبداء الرأي في العمل المقدم منهم وفي آلية سير العمل بين مختلف الأقسام وعليه فاني أتفهم قليلا مقدار الممانعة التي يمارسها البعض تجاه أي رأي ولكن الاستمرار في تلك الممانعة يعرقل تقدم الانتاجية في العمل وتحسين خدمة العملاء لأفراد المجتمع ويجعلنا متأخرين عن من حولنا – وهذه أرض خصبة لعشاق المقارنة – والمخرج السليم لذلك هو تشجيع الجميع لإبداء رأيه وان كان في ذلك ضغط هائل يستوجب تحمل كل الآراء التي تأتي من ثقافات مختلفة ومستويات وعي متباينة وتلك ضريبة لابد من دفعها مقابل الفرص المتاحة للتطوير والتحسين التي تأتي برأي قد يأتي من خبير في الحياة أو صبي صغير يرى الأمور ببساطة.
ثقافة النقد يجب أن تكون حاضرة في ذواتنا أولا وفي البيئة التي نعيش فيها وعلى المنتقد – بضم الميم – النزول من عرشه الوهمي وأن لا تأخذه العزة بالإثم وعمان بما فيها من ارث حضاري عظيم ليست وتر عود يهتز من مجرد لمسة نقل أثرها وشوهها أشباه المخبرون وقد كذبوا.
محمد بن عبدالله سيفان الشحي
٨ مايو ٢٠٢٤ م