علم الحديث هو فرع من فروع علوم الحديث النبوي، يهتم بدراسة سند ومتن الأحاديث النبوية والمتواترة، وتحقيقها وتصنيفها وتقييمها من حيث الصحة والضعف، حيث يُعَد علم الحديث أحد العلوم الشرعية المهمة في الإسلام، وكما هو معلوم، يعتبر الحديث النبوي مصدراً مهماً للتشريع بعد القرآن الكريم.
واستكمالاً للسلسلة التي بدأتها بالأمس حول علم الحديث من خلال ملخص كتاب “نجدة المغيث” لأستاذي ومجيزي المحدث السيد أنس السيد صلاح البازي السامرائي الحسيني حفظه الله، نوضح منهجيات هذا العلم الواسع من خلال تبسيط الشروحات الموجودة فيه لتصل إلى كل طلبة العلم والباحثين المهتمين في العلوم الدينية والشرعية.
ففي علم الحديث، يتم تقييم صحة الأحاديث وضعفها باستخدام العديد من القواعد والمناهج التي وضعتها العلماء على مر العصور، حيث تتنوع هذه القواعد من حيث شروط السند والمتن وصحة الراوي، وتختلف وفقاً لأساليب التحليل والتقييم التي يعتمدها العلماء، ومن بين أهم مبادئ علم الحديث النبوي هو التفريق بين الأحاديث الصحيحة والمعتبرة وبين الأحاديث الضعيفة والمنكرة، إذ يعتبر الحديث الصحيح مصدراً موثوقًا للفهم والتطبيق الشرعي، في حين يُعتَبَر الحديث الضعيف غير مقبول للاعتماد عليه في الشريعة الإسلامية.
كما أن فهم علم الحديث يتطلب القدرة على تحليل السند والمتن والتعرف على شروط الصحة والضعف، بالإضافة إلى الاستناد إلى مناهج الدراسة التي وضعها العلماء السابقون والمعاصرون في هذا المجال، يعتبر تقدير مصداقية الرواة والتحقق من سلامة سلاسل السند واحدة من أبرز الجوانب في فهم علم الحديث.
باختصار، يُعتَبَر علم الحديث النبوي من العلوم الشرعية الأساسية التي تسهم في فهم وتفسير الإسلام بشكل صحيح وسليم، وبفهم دقيق لأسسه وقواعده، يمكن للمسلمين الاعتماد على الأحاديث النبوية في توجيه حياتهم وتطبيق شرائع دينهم بطريقة صحيحة ومبنية على الأدلة الشرعية الموثوقة.
الحديث باعتبار إسناده لقائله
يُقسم الحديث على أساس إسناده لقائله إلى ثلاثة: المرفوع والموقوف والمقطوع، المرفوع هو ما يُنسب إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقرير، ويُظهر ذلك تعدد أنواع السنة التي يُروى عنها: قولية، وفعلية، وتقريرية، وتركية، ولا يُعتبر الحديث صحيحاً بمجرد رفعه، بل يتطلب البحث والتحري لتحديد صحته أو ضعفه.
ومن أمثلة السنة المرفوعة القولية، قول الصحابي كما في قول أبي عبس: “سمعت النبي يقول: «مَن اغبرّت قدماه في سبيلِ اللهِ حرَّمه اللهُ على النَّارِ»”. ومن الأمثلة على السنة المرفوعة الفعلية، قول الصحابي كما في قول عبد الله بن عمر: “ارتَقَيتُ فَوقَ ظَهرِ بَيتِ حَفصَةَ لبِعضِ حاجَتِي، فَرأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقيِ حَاجَتَهُ مُسْتَدبرِ القِبلْة، مُسْتَقبلِ الشَّام”. ومن الأمثلة على السنة المرفوعة التقريرية، قول الصحابي كما في قول جابر: “كُنَّا نَعزِلُ، وَالقُرآنُ يَنزِلُ”.
أما المرفوع حكماً، فهو يدخل في المرفوع الحديث الذي يقول فيه الصحابي: من السنة كذا، وأمرنا بكذا، كقول أنس بن مالك: “من السنة إذا قال المؤذن في آذان الفجر: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم”، وكذلك قوله: “أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة”.
أما السنن التركية، فهي تتعلق بعدم فعل المقدور عليه، وهي من المسائل الأصولية التي تتصل بمقاصد الشريعة، حيث تنقسم إلى نوعين: الأول ما قد يكون خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والثاني ما قد يكون تركه له صلى الله عليه وآله وسلم، عاماً له ولأمته، وهو الترك الراتب وهو محل الاقتداء.
أما الحديث الموقوف هو ما يُعرَف بالقول أو الفعل أو التقرير الذي يُنسب إلى الصحابة، أولئك الذين التقوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، وماتوا وهم على هذا الإيمان، دون أن يتخلل ذلك ارتداد، ولا يشمل هذا النوع من الأحاديث ما يُنقل عن الصحابة بأنه قال: “من السنة كذا” أو “أمرنا بكذا”.
ومن الأمثلة على الحديث الموقوف هو ما رواه الإمام البخاري عن الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: “والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه”، ومثال آخر هو ما رواه أحمد والحاكم عن أبي موسى الأشعري، قال: “أمانان كانا على عهد رسول الله، فرُفعَ أحدهما، وبقي الآخر”.
بالتالي، يتعلق الأمر بالحكم الشرعي لهذه الأحاديث بمسألة مهمة في هذا السياق، تخص الحديث الموقوف الذي يحمل حكم الرفع، وفي بعض الأحاديث التي يُروى عن الصحابة فيها ما يتعلق بأمور الغيب مثل أخبار الأمم السابقة أو أحداث الساعة، وغير ذلك مما لا يمكن الاستدلال عليه بالظن والاجتهاد، يُرَد ولا يُقبَل إلا بقيدين معتبرين أو بتوجيه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومثال على ذلك حديث ابن مسعود: “من أتى عرافاً أو كاهناً، يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد”، وأيضاً حديث أبي موسى الأشعري الذي ذكر فيه صاحب الرغيف، وهو من رهبان بني إسرائيل السابقين، وكذلك حديث أبو هريرة: “تُقاتلون قوماً صغار الأعين”، هذه الأحاديث يجب استيفاء شروط الثقة في رواتها وصحة سماعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا تُعتَد بها في الفهم الشرعي.
أما الحديث المقطوع هو الحديث الذي ينسب إلى التابعي، أي الشخص الذي لم يصحب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه التقى بالصحابة أو أحدهم، والتابعون هم الأجيال اللاحقة للصحابة، وأبرزهم الأئمة الكبار من التابعين.
ومثال على الحديث المقطوع القولي هو قول الحسن البصري: “ثلاثة ليس لهم حرمة في الغيبة: فاسق يعلن الفسق، والأمر الجائر، وصاحب البدعة المعلن البدعة”، ومثال آخر هو قول سعيد بن المسيب عندما رأى رجلاً يعبث بلحيته أثناء الصلاة: “لو خشع قلبه لخشعت جوارحه”، أيضاً، ومثال على الحديث المقطوع الفعلي هو ما روى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قال: “كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله ويقبل على صاته ويخليهم ودنياهم”.
بالتالي، يعتبر الحديث المقطوع مصدراً للتشريع والاستنباط الشرعي، ولكن يتطلب دراسة تحقيقية للتأكد من صحة الإسناد والمتن، وقد قدمت العلماء مجموعة من الضوابط والقواعد لتقييم الأحاديث المقطوعة وتحديد صحتها، ومن ثم قبولها كمصدر للفقه والتشريع في الدين الإسلامي.
أما الحديث، من حيث قبوله ورده، يتم تصنيفه إلى فئات مختلفة، تبدأ من القبول الشديد إلى الرفض التام، يتضمن هذا التصنيف الأنواع الرئيسية: الصحيح والحسن والضعيف، ويشمل الضعيف أيضاً الحديث الموضوع، الذي يعد الأسوأ من بينها.
ومع تقدم الدراسات في هذا السياق، فقد أدخل بعض العلماء تقسيمات إضافية تسهل فهم قواعد علم الحديث، مما جعل التصنيف أكثر تفصيلاً، حيث يُقسم الحديث إلى مجموعة من الأقسام وفقاً للمعايير المعتمدة.
كما يجب الإشارة إلى أنه لا يُعتبر الحديث مقبولاً أو مردوداً إلا بعد البحث والتحري في السند والمتن، ومن الجدير بالذكر أن القبول والرد يعتمد على شهرة الحديث وندرته وغرابته، أما الحديث الصحيح، فيُقسم إلى فئات مختلفة تبعاً لشروط صحته ومن ثم قبوله، وتشمل هذه الفئات:
- الحديث الصحيح الذي اتفق عليه البخاري ومسلم.
- الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري من دون مسلم.
- الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم من دون البخاري.
- الحديث الصحيح الذي صح على شرط البخاري ومسلم ولم يُخرِجاه.
- الحديث الصحيح الذي صح على شرط البخاري ولم يُخرِجه.
- الحديث الصحيح الذي صح على شرط مسلم ولم يُخرِجه.
- الحديث الصحيح وفق شروط غيرهما.
وفي تعريف الحديث الصحيح لذاته، يشير الفقهاء إلى مفهومين أساسيين: العدالة والضبط، العدالة تشير إلى الشخص الذي يتمتع بمواصفات الإنصاف والتقوى، ويكون قادراً على الاحتفاظ بالحديث بشكل موثوق به وموافق للأخلاق الإسلامية، أما الضبط، فينقسم إلى نوعين: الأول هو ضبط الصدر، حيث يكون الشخص قادراً على تثبيت ما سمعه بحيث يمكنه استحضاره في أي وقت، والنوع الثاني هو ضبط الكتاب، وهو عملية صيانة الحديث منذ الاستماع له وحتى نقله وتحقيقه، وهذا يضمن الدقة والصحة في نقل الحديث.
ومن الناحية الشرعية، يُعتبر الحديث الصحيح لذاته، الذي يتميز بالعدالة والضبط، مصدراً موثوقاً للفقه والتشريع في الإسلام، فالعدالة تضمن نقاء السيرة والتقوى، وهو أمر أساسي لقبول الحديث الشريف، والضبط يضمن دقة نقل الحديث وصحته، مما يعزز مصداقيته وثقة الناس به، بالتالي، يجب على العلماء والمحدثين الحرص على التأكد من العدالة والضبط في السند والمتن لضمان صحة الحديث وقبوله كمصدر شرعي موثوق.
أيضاً إن حكم العمل بالحديث الصحيح يُعد من الأمور الأساسية في الفقه الإسلامي، حيث يعتبر الحديث الصحيح مصدراً موثوقاً لتحديد الأحكام والتوجيهات الدينية، ومن بين الأمثلة المعروفة على الحديث الصحيح لذاته، حديث “إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى”، والذي يعتبر من أبرز المبادئ الأخلاقية في الإسلام، وقد روى هذا الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عددٌ من الرواة المعروفين بالعدل والضبط، مما يجعله متصلاً برواية موثوقة وموثوق فيها.
ومن بين الأمثلة الأخرى على الحديث الصحيح لغيره، حديث “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”، والذي يدل على أهمية النظافة الشخصية في الدين الإسلامي، هذا الحديث أيضاً رواه الرواة المعروفون، ورغم أنه كان مُتكلماً فيه من جهة حفظه، إلا أنه صدوق وثَّقه العلماء الكثيرون، ولما جاء الحديث من طرق أخرى ارتقى في التقدير.
ويعتبر كتابا الإمامين البخاري ومسلم من أشهر كتب الحديث الصحيح، حيث اعتمدتهما أمة الإسلام بالقبول والاعتماد في تحديد الأحكام والسنن النبوية، يُعتبر الإمام البخاري مقدماً على الإمام مسلم في العديد من النواحي، سواءً من حيث السِّنّة، أو العلم، أو التصنيف، أو الشروط، أو الترتيب، وهو من كبار علماء الحديث في التاريخ الإسلامي.
أما الحديث الحسن يُعتبر من المصادر المهمة في الفقه الإسلامي، حيث يُشترط له العدالة في الرواية والاتصال، إضافةً إلى خفة أو قلة ضبط الراوي، والابتعاد عن الشذوذ والعلل القادحة، يمكن تعريف الحديث الحسن كما يلي: هو الحديث الذي يعرف مخرجه واشتهر رجاله، ولم يبلغوا بالشهرة رجال الصحيح.
أما فيما يتعلق بحكم العمل بالحديث الحسن، فإن الجمهور يعتبره مقبولًا للاحتجاج به، مشابهاً للحديث الصحيح، حيث يُعتبر موثوقاً في الأحكام الشرعية، ومن أمثلة على الحديث الحسن لذاته تتضمن حديث “إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف”، حيث يُصنَّف كحسن لذاته بسبب راويه الذي هو جعفر بن سليمان الضبعي، والذي وُثِّقت عدالته من قبل العلماء، على الرغم من خفة ضبطه. ومثال آخر هو حديث “أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟”، الذي رواه الترمذي، ورغم ضعف حفظ الراوي، تم تحسينه بعد ذكره لطرق أخرى.
أما بالنسبة لكتب الحديث الحسن، فمن بينها كتاب “الجامع” أو “سنن الترمذي” للإمام الترمذي، وكتاب “سنن أبي داود” للإمام أبي داود، وكتاب “سنن النسائي” للإمام النسائي، وهذه الكتب تُعد مراجع مهمة لفهم ودراسة الحديث الحسن في الشريعة الإسلامية.
وجدير بالذكر أن هناك قاعدة قيمة في مسألة نهوض الحديث بتعدد الطرق تُعبر عنها كلمات ابن الصلاح بالقول: “ربما يقول الباحث الفهم: إننا نجد أحاديث محكومة بضعفها مع وجودها في أسانيد متعددة من طرق متعددة مثل حديث ‘الأذنان من الرأس’ وما شابهه، فلماذا لم تُعتبروا ذلك وأمثالها من نوع الحسن؟ كما جعلتموها في نوع الحسن كما ذُكر سابقاً؟” والجواب على هذا: “ليس كل ضعف في الحديث يزول بتعدد الطرق، بل يختلف ذلك فقد يكون ضعفًا يُزيله ذلك إذا كان ناتجًا عن ضعف حفظ الراوي رغم صدقه وديانته، وعندما نرى أن الحديث قد جاء من طريق آخر نعرف أنه من الأحاديث التي حفظها الراوي ولم يخطئ في ذلك، وكذلك إذا كان الضعف متعلقاً بالإرسال يزول بنفس المنطق كما في الحديث المرسل الذي يرسله إمام حافظ وفيه ضعف بسيط يزول بروايته من طريق أخرى.
ومن هذا نجد ضعفاً لا يزول بتعدد الطرق بسبب قوة الضعف واستمرارية هذا الجهل الذي ارتكبه الراوي أو تمرده، وهذا مثل الضعف الذي ينجم عن كون الراوي متهماً بالكذب أو كون الحديث شاذّاً، وتفاصيل هذا النوع تحتاج إلى مباشرة وبحث، فليكن ذلك في العلم إذا كانت هذه من الدرر الثمينة.
وفي الختام، يمكن القول إن علم الحديث النبوي يعد من أهم العلوم الشرعية التي تساهم في فهم وتطبيق الدين الإسلامي بشكل صحيح وموثوق، وذلك من خلال دراسة سند ومتن الأحاديث، وتقييمها بشكل دقيق ومنهجي، حيث يمكن للمسلمين الاعتماد على الأحاديث النبوية في توجيه حياتهم وتطبيق شرائع دينهم بطريقة سليمة.
كما تتضمن مبادئ علم الحديث النبوي التفريق بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة، والاعتماد على المناهج والقواعد التي وضعها العلماء في هذا المجال، بالتالي يجب على العاملين في الحقل الشرعي أن يأخذوا هذا العلم بكل جدية واهتمام كبيرين، وأن يتحلوا بالدقة والدراية في تحقيق الأحاديث وتقييمها، وذلك حفاظاً على سلامة أمانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحفاظ على نقاء التراث الإسلامي.
لذا، يجب أن يكون التعامل مع الأحاديث النبوية بمسؤولية عالية وتحليل دقيق، وعدم الاعتماد على الروايات دون التأكد من صحتها ومصداقيتها، فالأحاديث هي وصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلينا أن نعاملها بالاحترام والتقدير الذي تستحقه.
كما وننصح العاملين في الحقل الشرعي بضرورة توخي الدقة والحرص في تحقيق الأحاديث ونقلها، وأن يكونوا على دراية كاملة بمناهج العلماء وقواعد علم الحديث، حتى يكونوا قادرين على تقديم الفهم الصحيح لهذا الموضوع وتوجيه الناس بما يحقق الرضا الله عز وجل.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.